بعث قرار إيران بخصوص استئناف تخصيب اليورانيوم، بنسبة عشرين بالمائة، حسب تصريحات رسمية، صادرة عن الحكومة في طهران، باحتمالات عديدة وسيناريوهات متفاوتة، في ما يتصل بتداعيات تلك الخطوة على مسار الاتفاق النووي، خاصة وأنّها تخالف بنوده التي قررت نسبة تخصيب، لا تتجاوز 3.67 بالمائة.
ويضاف إلى ذلك، تبعات الانتهاك الإيراني الأخير على موقف أوروبا ودول الترويكا من الاتفاق النووي، ثم آلية تعاطي إدارة الرئيس المنتخب، جو بايدن، مع الملف الأكثر تعقيداً، بين طهران وواشنطن، منذ أعلن الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته، دونالد ترامب، "الانسحاب الأحادي" من الاتفاق، ومن ثم فرض عقوبات اقتصادية على النظام الإيراني، شملت القطاعين المالي والنفطي.
لا تعدو زيادة نسبة تخصيب اليورانيوم من قبل إيران، مؤخراً، مخالفة استثنائية أو عرضية لبنود الاتفاق، الذي وصفه ترامب بـ"الكارثي والمتداعي"؛ إذ ثمة سوابق عديدة في ما يخص انتهاكات طهران للاتفاق، الذي جرى توقيعه، في العام 2015، لاسيما وأنّها تستند من حيث المبدأ إلى الطرف الأمريكي الذي أخل بالتزاماته.
أكدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية، قيام إيران بـ"رفع مستويات تخصيب اليورانيوم إلى 20 في المائة"، وهو مستوى لم تصل إليه منذ اتفاق 2015
ومن ثم، تكررت خروقات النظام الإيراني لبنود الاتفاق النووي؛ حيث قامت طهران بنقل أول سلسلة لأجهزة الطرد المركزي المتطورة، في تشرين الثاني (نوفمبر) العام الماضي، إثر دخول العقوبات الاقتصادية الأمريكية حيز التنفيذ، من محطة فوق الأرض، بموقعها الرئيسي لتخصيب اليورانيوم، إلى أخرى في باطن الأرض، وذلك في مجمع فوردو النووي، جنوب طهران، وكذا تجاوز الحد الأقصى المنصوص عليه ضمن الاتفاق النووي لتخزين اليورانيوم المخصب، عند كمية 300 كجم بنسبة 3.67%، في أيار (مايو) العام 2019.
الاتفاق النووي بين حيل وألاعيب إيران
وتبعاً لما نصت عليه بنود الاتفاق النووي، قامت إيران بتخفيض عدد أجهزة الطرد المركزي العاملة التي تستخدمه في تخصيب اليورانيوم، إلى نحو 5060، بعدما كان لديها ما يقارب 20 ألف جهاز طرد مركزي، في تموز (يوليو) العام 2015، وقد ألزمها الاتفاق بالنسبة الأولى، حتى العام 2026، كما وافقت طهران على تعديل مفاعل أراك الذي يعمل بالمياه الثقيلة، تحت إشراف الجهات الأممية، حتى لا يكون بمقدورها إنتاج البلوتونيوم للاستخدامات العسكرية في هذه المنشأة؛ حيث تم تكليف الوكالة الدولية للطاقة الذرية بمراقبة كل المواقع النووية الإيرانية بانتظام.
اقرأ أيضاً: قاسم سليماني يحاصر لبنان.. الهيمنة الإيرانية تكشف وجهها
بيد أنّ العامين الماضين شهدا تغييرات عديدة وعنيفة؛ إذ نجحت طهران، في النصف الثاني من العام الماضي، في زيادة مستوى تخصيب اليورانيوم، إلى نحو 3.67%، ومن ثم، تشغيل أجهزة طرد مركزي متقدمة لتسريع تخصيب اليورانيوم، لجهة الوصول إلى تصنيع قنبلة نووية.
وعليه، تتبع إيران في هذه الفترة سياسة "حافة الهاوية"، حسبما يصف عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية الدكتور أحمد أنور، وذلك تحت إلحاح رغبتها في تجاوز ضغوط اقتصادية داخلية عميقة ومتفاقمة، وكذا محاولة تحسين صورتها السياسية أمام الرأي العام المحلي الغاضب، بعد ضربات موجعة لها، في العراق وسوريا، من دون رد من جانبها.
أنور أبلغ ـ"حفريات" بأنّ طهران قررت، مؤخراً، رفع نسبة التخصيب إلى 20%، ويعني ذلك، في المقام الأول، رسالة تحدي للعالم، إلى جانب اعتباره انتهاكاً لما تم الاتفاق عليه بشأن عدم تجاوز نسبة التخصيب 3.67، كما يمكن للمراقب ربطه بحماقات أخرى واستفزازات إيرانية متكررة، آخرها توقيف ناقلة بحرية ترفع علم كوريا الجنوبية، وكذا استمرار لهجة التهديد وتدشين المناورات العسكرية، في مياة الخليج، الواحدة تلو الأخرى".
ترامب وإيران.. من ينزع فتيل الصراع؟
وفي ظل قرار الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته، دونالد ترامب، الذي يقضي بعودة حاملة الطائرات الأمريكية، مرة أخرى، إلى منطقة الشرق الأوسط، يعتقد المصدر ذاته، بأنّ "احتمالية اندلاع عملية محدودة، أو اشتباك خشن بين إيران، من جانب، وأمريكا وعدد من حلفائها، من جانب آخر، ربما، يكون غير مستبعد، وهو ما يتيح للإدارة الجديدة في حال تسلمها الحكم بالبيت الأبيض، أن تنسب أي تصعيد أو هجمات للإدارة السابقة، ومن ثم، تبدأ في التفاوض لترتيب الأوضاع، في العراق وسوريا واليمن، من نقطة قوة نسبية، تتيح لساكن البيت الأبيض الجديد المناورة بأريحية، والأمر ذاته، ينطبق على الاتفاق النووي".
عضو المجلس المصري للشؤون الخارجية د. أحمد أنور لـ"حفريات": إيران تتبع في هذه الفترة سياسة "حافة الهاوية"، تحت إلحاح رغبتها في تجاوز الضغوط الاقتصادية
وفي غضون ذلك، قال الناطق الرسمي بلسان الحكومة الإيرانية، علي ربيعي، إنّ "إيران استأنفت تخصيب اليورانيوم بنسبة 20 في المائة في المنشأة النووية في مجمع فوردو للتخصيب، تحت الأرض"، كما أكدت الوكالة الدولية للطاقة الذرية، قيام إيران بـ"رفع مستويات تخصيب اليورانيوم إلى 20 في المائة، وهو مستوى لم تصل إليه منذ اتفاق 2015 النووي مع القوى الكبرى".
وبحسب بيان رسمي صادر عن الوكالة الدولية للطاقة الذرية، فإنّ "إيران بدأت الاثنين ضخ اليورانيوم-235 المخصب بالفعل حتى 4.1 في المئة في ست مجموعات من أجهزة الطرد المركزي في محطة فوردو لتخصيب اليورانيوم من أجل رفع مستوى التخصيب إلى 20 في المئة".
وأوضح الناطق الرسمي بلسان مسؤول السياسة الخارجية للاتحاد الأوروبي، أنّ "أوروبا تعتبر تحرك إيران الأخير "خرقاً صريحاً" لالتزاماتها وفق الاتفاق النووي، مضيفاً: "لقد علمنا بما أعلنته إيران.. إذا تم تطبيق ما أعلنوه، فسيكون ذلك انتهاكاً واضحاً لالتزامات الاتفاق النووي، كما ستكون له عواقب وخيمة على عدم انتشار الأسلحة النووية".
اقرأ أيضاً: إيران ترفع نسبة تخصيب اليورانيوم وسط رفض دولي.. ما عواقب ذلك
ومن جانبه، قال مساعد وزير الخارجية الإيراني، عباس عراقجي، إنّ احتمال انهيار الاتفاق النووي وارد، وطهران مستعدة للتعايش بدونه، وأضاف، أنّ "استئناف التخصيب بنسبة 20٪ قانوني، وذلك موجب معاهدة منع انتشار الأسلحة النووية ومعاهدة الضمانات، وكذلك بموجب الاتفاق النووي، وأنّ التخصيب بنسبة 20٪ لا يعني موت الاتفاق النووي".
وتابع عراقجي في حديث بثه التلفزيون الرسمي: "لن نقبل باتفاق نووي جديد، ولن نقبل بأي تفاوض جديد أو شروط أمريكية مسبقة حول الاتفاق الحالي".
ووصفت إدارة الرئيس الأمريكي المنتهية ولايته، دونالد ترمب، قرار إيران بخصوص تخصيب اليورانيوم، بأنّه "ابتزاز نووي"، بينما اعتبرت تلك الخطوة محاولة للضغط على الرئيس المنتخب، جو بايدن؛ إذ قال الناطق الرسمي بلسان الخارجية الأمريكية، إنّ "قيام إيران بتخصيب اليورانيوم، بنسبة 20 في المائة، في منشأة فوردو، هو محاولة فاضحة لتعزيز حملتها للابتزاز النووي، ومحاولة ستبوء بالفشل".