صراع الإخوان: هل يقطع حسين الطريق أمام منير وجبهته لتحقيق أهدافهم؟

بلغة أقلّ حدة عن سابقتها، أصدرت جبهة إسطنبول بقيادة محمود حسين بياناً جديداً الخميس الماضي حول تطورات الأزمة المحتدمة داخل جماعة الإخوان، عكس الكثير من المؤشرات التي قرأها مراقبون باعتبارها دلائل على هشاشة التنظيم وانهيار هيكله.

ورأى مراقبون أنّ البيان يحمل عدداً من الرسائل يريدها حسين أن تصل إلى القواعد، في محاولة لكسب تأييدهم وحسم الصراع لصالحه، خاصة في ضوء المعلومات التي تفيد بدعم مرشد التنظيم ومجموعة مكتب الإرشاد المحبوسين في مصر لإبراهيم منير ومجموعته.

حسين يناور لسحب البساط من تحت أقدام منير

الباحث المصري في شؤون الحركات الإسلامية والجماعات الإرهابية أحمد سلطان يقول لـ"حفريات": إنّ الملمح الأبرز الذي تعكسه الرسالة الأخيرة يتعلق بمدى قدرة محمود حسين على لعب الدور التنظيمي بذكاء شديد".

وبحسب سلطان، يحاول محمود حسين دائماً أن يتصرف بذكاء، وأن يقطع الطريق أمام أيّ محاولة من منير ومجموعته لتحقيق أهدافهم، في ضوء هذا الصراع المحتدم، مشيراً إلى أنّ حسين أراد بهذا البيان الذي دعا فيه إلى ضرورة الحفاظ على تماسك الجماعة وعدم السماح للقيادات بالحديث عن الصراع في وسائل الإعلام، أراد أن يُحرج منير ومجموعته.

ونوّه سلطان إلى القدرة التي يتمتع بها حسين في مخاطبة القواعد التنظيمية للإخوان، بحكم صلاته التنظيمية القوية، مع إخوان الداخل المصري، لذلك فهو يناور بهذه الورقة الأخيرة أملاً في إنهاء الصراع لصالحه.

ضربة استباقية لمجلس الشورى الجديد

ووفق سلطان يحاول حسين في الوقت الراهن أن يقدّم خطوة استباقية قبل أن يعلن إبراهيم منير عن التشكيل الجديد لمجلس الشورى العام الذي انتهى قبل عدة أيام، والذي من شأنه حسم الصراع نهائياً إذا أعلن مبايعته لمنير كقائم بأعمال المرشد، وهذا الأمر يُعدّ من صلاحياته.

أحمد سلطان: يحاول حسين في الوقت الراهن توجيه ضربة استباقية قبل أن يعلن إبراهيم منير عن التشكيل الجديد لمجلس الشورى العام

ويرى سلطان أنّ حسين أراد أن يقدّم تشويهاً مسبقاً لهذا المجلس وللمجموعة المتحالفة معه بشكل كامل، لذلك فهذا البيان يمكن وصفه بأنّه "تكتيكي وماكر للغاية من "ثعلب التنظيم" محمود حسين للانقلاب المسبق على منير ومجلسه قبل الإعلان عنه رسمياً"، فضلاً عن محاولة تحشيد القواعد التنظيمية لدعمه وتأييده.

ويتوقع سلطان أن تشهد الفترة المقبلة تصعيداً مستمراً للخلاف التنظيمي بين قيادات الإخوان، ولن يتوقف النشر حول هذا الصراع في كافة وسائل الإعلام التابعة للتنظيم، و"سيظل محمود حسين رقماً صعباً في هذا الصراع، نظراً لما يملكه من قدرات تنظيمية وصلات قوية بمختلف المستويات التنظيمية في الداخل والخارج، بحكم منصبه كأمين عام للجماعة لمدة عقود".

محمود حسين... دولة عميقة في قلب التنظيم

من جانبه، يرى الباحث المصري المختص بالإسلام السياسي منير أديب أنّ محمود حسين بمثابة "الدولة العميقة في التنظيم، فقد تعامل ببراعة منقطعة النظير مع المناوئين له في الجبهة الأخرى".

ويضيف في مقاله المنشور في "النهار العربي" تحت عنوان "متى تنتهي صراعات "الإخوان المسلمين؟": "هو الأكثر فهماً وإدراكاً للتنظيم وإدارة الخلافات في داخله، ولعلّ خروج قيادات جبهة إبراهيم منير المتكرر في الإعلام جعل هذه الجبهة هي الحلقة الأضعف في الصراع، فمحمود حسين يعرف متى يتحدث، ومتى يصمت، ومتى يدخل خصمه في شباك الهزيمة أو في شراكه. وهنا بات الخروج المتكرر لقيادات إبراهيم منير في اللقاءات الإعلامية أو عبر البيانات وبالاً على الجبهة وخصماً من مصداقيتها".

ويقول أديب: إنّ "محمود حسين لا يرفع يده لضرب خصومه إلا إذا كان موجعاً، فهو الخبير بضرب أقرانه في مكتب الإرشاد، وهو الخبير بنفوس التنظيم التي تغيرت وتبدلت، وهنا يمكن القول: إنّ جبهة منير هي الأكثر نشاطاً والأقل تأثيراً في الوقت نفسه، بينما محمود حسين هو الأقل نشاطاً والأكثر تأثيراً في الوقت ذاته، يعمل في صمت، ويترك أثراً في خصمه، فهو بمثابة حلقة الصراع التي لا تنتهي".

محاولة لاستعادة السيطرة على القواعد

وفي هذا السياق، يرى الباحث المصري المختص بالإسلام السياسي طارق أبو السعد أنّ "محمود حسين ربما شعر بخطورة تركه الساحة التربوية لخصومه، فقرر إصدار بيان الخميس الماضي، حاول أن يظهر فيه بمظهر المتمسك بالقيم الدينية قبل التنظيمية".

منير أديب: محمود حسين لا يرفع يده لضرب خصومه إلا إذا كان موجعاً، فهو الخبير بضرب أقرانه في مكتب الإرشاد، وهو الخبير بنفوس التنظيم التي تغيرت وتبدلت

وبحسب أبو السعد، في مقاله المنشور بصحيفة "العين" تحت عنوان: "صراع الإخوان... لماذا تغيرت لهجة جبهة محمود حسين؟": "كان البيان المختلف في صيغته ومكوناته اللغوية أشبه بخطاب عاطفي أو بمقال تربوي، تمسّح فيه "حسين" بالقيم والمبادئ وبالأخوة، فلم يستخدم المفردات الحادة الصدامية مثل: الفصل أو الإيقاف، ولم يستخدم المصطلحات التنظيمية مثل: المؤسسات الشورية، الانتخابات، مجلس الشورى العام، أو المصطلحات ذات الاتصال التنظيمي مثل: "احترام الشورى"، أو "أعفوا أنفسهم من الجماعة"، أو "فرض واقع جديد"، أو "إنشاء كيانات موازية للكيانات الشرعية بالجماعة"، كما لم يذكر أسماء بعينها، ولم ينفِ تهمةً أو مخالفةً، ولم يهاجم فريقاً بعينه، وإن كان يُفهم أنّه يقصد خصومه من عناصر جبهة (لندن)".

وبحسب تحليل أبو السعد، حاول حسين مخاطبة الصف الإخواني من خلال الاستدلال القرآني في البيان، الذي يُعدّ طويلاً نسبياً بالمقارنة ببياناته السابقة، حيث "استشهد بـ (14) آية قرآنية، و(4) أحاديث نبوية، وبفقرتين لحسن البنا؛ واحدة من مقال في مجلة "الإخوان المسلمون" عام 1942، والثانية من رسالة بين الأمس واليوم التي كُتبت عام 1943.

 ويضيف: "استخدم البيان كلمة الإسلام (7) مرات، وكلمة المحنة والمِحَن (6) مرات، وكلمة جماعة (6) مرات، وكلمة الظن (6) مرات، وكلمة الخلاف والخلافات (4) مرات، وكلمة الفتنة (3) مرات، وكلمة الشائعات (3) مرات، وكلمة مخالفة مرتين، وكلمة المبادئ مرتين، وكلمة الدعاة مرتين، وكلمة الأخوة مرة واحدة، وكلمة الدعوة مرة واحدة".

طارق أبو السعد: البيان المختلف في صيغته ومكوناته اللغوية أشبه بخطاب عاطفي أو بمقال تربوي تمسّح فيه محمود حسين بالقيم والمبادئ وبالأخوة

 وبالمقابل، خلا البيان، وفق أبو السعد "من الإشارة إلى الجهة التي أصدرته، فلم يوضح هل صدر من مجلس شورى الإخوان العام، أم صدر من لجنة إدارة منصب القائم بالأعمال التي يرأسها مصطفى طلبة، وقد خلا البيان من تحديد مكان إصداره هل من القاهرة، أم من لندن؟".

مواضيع ذات صلة:

- بعد الفشل والتشظي.. مناورة جديدة للإخوان: هل يتخلون حقاً عن العمل السياسي؟

- الإخوان وحالة التصدع الأيديولوجي.. قراءة في تصريحات إبراهيم منير

- تخلي الإخوان عن السلطة: براغماتية أم انتهاء للمشروع؟