هل ينقذ فقه الاستضعاف جماعة الإخوان المحتضرة؟

هل ينقذ فقه الاستضعاف جماعة الإخوان المحتضرة؟


01/08/2022

أحدثت التصريحات الأخيرة للقائم بعمل مرشد الإخوان المسلمين، إبراهيم منير، عن المصالحة مع الدولة المصرية، الكثير من الجدل، بعد تضمّنها تنازلات كبيرة في ذاتها، منها؛ اعتزال العمل السياسي، والتركيز على العمل الدعوي، والاعتراف بشرعية النظام السياسي المصري، ونبذ العنف.

وربما لو قدّمت الجماعة بعض هذه التنازلات في وقت سابق لكانت حصدت أكثر مما ترغب فيه اليوم، وعلى سبيل المثال؛ لو قبلت وساطة الجيش بإجراء انتخابات رئاسية مبكرة، عام 2013، لتجنّبت الثورة الشعبية الجارفة، في 30 حزيران (يونيو)، وتمكّنت من الاستمرار في الحياة السياسية.

أما اليوم فلا تساوي هذه التنازلات كثيراً؛ فهي مجرد قبول بأمر واقع تعيشه الجماعة الأم في مصر، منذ ثورة 30 يونيو الشعبية ضدّ حكمها، وما تبع ذلك من انخراط الجماعة في الإرهاب، ما أدّى إلى تصنيفها جماعة إرهابية وتجفيف منابع تمويل أنشطتها ومطاردة الخلايا الإرهابية التي انبثقت عن أعضائها، ما جعل الجماعة تعيش واقعاً لا تملك فيه الأدوات المناوئة للدولة المصرية، فضلاً عن التحولات الإقليمية والدولية التي أفقدت الجماعة أهميتها كورقة مناورة أمريكية - أوروبية للتعامل مع الدول العربية.

تنازلات منير

وفي مقابلة مع وكالة "رويترز"، قال القائم بعمل مرشد الإخوان، ورئيس التنظيم الدولي للإخوان، زعيم جبهة لندن، إبراهيم منير؛ "الجماعة لن تخوض صراعاً جديداً على السلطة بعد إطاحتها من الحكم قبل تسعة أعوام. وزعم منير في المقابلة أنّ "الجماعة ترفض العنف تماماً وتعدّه خارج فكرها"، مضيفاً: "ليس فقط أن نستخدم العنف أو السلاح؛ بل حتى أن يكون هناك صراع على الحكم في مصر بأيّة صورة من الصور". وأضاف: "الجماعة لن تشارك في الصراع بين الأحزاب في الانتخابات السياسية أو غيرها، التي تديرها الدولة"، فـ "هذه الأمور عندنا مرفوضة تماماً ولا نقبلها".

زعيم جبهة إسطنبول الإخوانية محمود حسين

وأشار منير إلى أنّ الجماعة أقامت على مدى عقود في مصر شبكة من المنظمات الخيرية، ما تزال تتمتع بتعاطف كثيرين من سكان البلاد، البالغ عددهم 102 مليون نسمة، بحسب زعمه، مردفاً: "ورغم ذلك لن نشارك في أيّ صراع سياسي مستقبلاً".

وتأتي هذه التصريحات بالتزامن مع انطلاق جلسات مؤتمر الحوار الوطني التي دعا إليها الرئيس عبد الفتاح السيسي، والتي ترغب الجماعة في الانضمام إليها، بعد تأكيدها مراراً أنّ الحوار لن ينجح دون مشاركة أعضائها.

يريد منير غسل سمعة الجماعة عبر طرح فكرة التوقف عن النشاط السياسي، وعدم دخول الجماعة في نزاع سياسي مع السلطة، والتأكيد على المشروع الدعوي للإخوان

وتعليقاً على هذه التصريحات، يقول الباحث في شؤون الحركات الإسلامية، أحمد سلطان: "هناك سياق يسبق هذه التصريحات، كانت هناك مبادرة تقدمت بها جبهة إبراهيم منير للمصالحة تنصّ على اعتزال العمل السياسي، ونبذ العنف، وعدم التدخل في الشؤون السياسية، والاعتراف بشرعية النظام الحالي، وجرى توسيط وسطاء من بريطانيا والولايات المتحدة، وكانت هناك محاولات للضغط على مصر للسماح بإشراك الإخوان في الحوار الوطني".

وأضاف الباحث المصري لـ "حفريات": "رفضت الحكومة المصرية هذه المبادرة، وكان الرئيس السيسي واضحاً في تصريحاته بعدم إشراك الإخوان في الحوار الوطني".

ويرى الباحث سلطان أنّ عودة منير لطرح مبادرة الإخوان علناً، تأتي "كمحاولة لتمرير المبادرة مرة ثانية، إلى جانب أنّها تكشف حالة بطيئة من التغيير، تتعلّق بفصل الجانب الدعوي عن السياسي داخل إخوان مصر، ويتبنّاه فصيل من لندن، وسبق حديث منير تصريحات في أيار (مايو) حول ذلك، كما تحدّث القيادي جمال حشمت عن فصل الدعوة عن العمل السياسي".

فقه الاستضعاف

ومن جانبه، يرى الباحث في شؤون الحركات الإسلامية، عمرو فاروق؛ أنّ بيان منير كاشف لمجموعة من الحقائق ومجموعة من الرسائل الخداعية: "تضمنت وثيقة لندن المسرّبة غلق التنظيم وتحويل الجماعة إلى تيار فكري، ووقف النشاط السياسي مؤقتاً، لحين تغيّر المشهد السياسي، وهو ما يُعرف لدى الإخوان بفقه الاستضعاف".

وأوضح فاروق لـ "حفريات"، أنّه في إطار هذ المرحلة تتجه الجماعة إلى "الكمون والتربية الداخلية وترتيب الهيكل من الداخل، وبالتالي الإبقاء على الهيكل التنظيمي دون توسيعه، ودون استقطاب عناصر جديدة، والتوجه نحو ترميم العلاقات مع الحواضن القديمة، بعد أن فهمت الجماعة أنّ الموقف الشعبي رافض لها".

عمرو فاروق: الخلاف الحقيقي بين الجبهتين هو على إستراتيجية التنظيم

وربط الباحث المصري هذا الطرح بالخلاف بين جبهتَي لندن وجبهة إسطنبول التي يتزعمها القيادي الإخواني، محمود حسين: "الخلاف الحقيقي بين الجبهتين هو على إستراتيجية التنظيم وعمله، وليس خلافاً على أموال وسلطة، وهناك خلاف حول الإستراتيجية، له صدى كبير على مستوى القواعد التنظيمية وليس على مستوى القيادة فقط، وكلّ جبهة تسعى إلى تحصين نفسها، سواء بالهيكل التنظيمي وغيره، وحتى أنّ الانقسام امتد إلى إخوان السجون، ويحظى منير بدعم من محمد بديع، بينما يؤيد خيرت الشاطر جبهة إسطنبول التي تُقاد من رجاله".

الباحث عمرو فاروق لـ "حفريات": الجماعة لا تملك القدرة على الصدام، ولهذا لا يعدو حديث منير كونه ترويجاً للواقع التي تعيشه الجماعة إجباراً على أنّه تنازلات

وعن الرسائل الخداعية في تصريحات منير، قال الباحث عمرو فاروق: "يريد منير غسل سمعة الجماعة عبر طرح فكرة التوقف عن النشاط السياسي، وعدم دخول الجماعة في نزاع سياسي مع السلطة، والتأكيد على المشروع الدعوي للإخوان القائم على فكر حسن البنا، لكنّ حقيقة الأمر أنّ جماعة الإخوان تمرّ فعلياً بحالة احتضار تنظيمي وفكري، وهو أمر يدفعها إلى وقف التجنيد التنظيمي والنشاط السياسي، فضلاً عن أنّ الجماعة لا تملك القدرة على الصدام، ولهذا لا يعدو حديث منير كوّنه ترويجاً للواقع التي تعيشه الجماعة إجباراً على أنّه تنازلات مُقدمة إلى السلطة في مصر، بالتالي، يصبح حديث منير اتساقاً ذاتياً مع الواقع الذي تعيشه الجماعة".

واقع جديد

ومن جانبه، أشار الباحث أحمد سلطان إلى أنّ "جبهة إسطنبول ترى في تصريحات منير، وما خرج من تصريحات من قيادات محسوبة عليه حول فصل العمل الدعوي عن السياسي، محاولة لتفكيك الجماعة والدعوة، ولهذا تمضي الجبهتان في طرق منفصلة، وتسعى جبهة لندن إلى تهدئة الأوضاع، وتصفير المشكلات، كما أنّها تدرك أنّ الممارسة السياسية تقتضي وجود أدوات منها؛ مراكز معلومات وفكر ودراسات وكوادر سياسية مدربة، وهي أمر لا تملكه الجماعة، لهذا فالأفضل الانخراط في التغيير عن طريق تغيير قواعد المجتمع".

وعلاوةً على التغييرات داخل الجماعة وفي علاقتها بمصر والواقع الإقليمي والدولي، والتي أدّت إلى انكماش وجود الإخوان المسلمين في الخريطة السياسية العربية، يرى الباحث في شؤون الحركات الإسلامية، عمرو فاروق أنّ "آليات الاستمالة الفكرية تجاوزت الآليات التقليدية للإخوان المسلمين إلى الواقع الافتراضي، السوشيال ميديا، وهو ما يجعل الجماعة قاصرة عن الحشد والدخول في صدام مع النظام السياسي المصري، لهذا ما تطرحه لا يعدو كونه خداعاً سياسياً مؤقتاً".

أحمد سلطان: تسعى جبهة لندن إلى تهدئة الأوضاع، وتصفير المشكلات

وشدّد فاروق على أنّ تصريحات منير لا تعدو كونها "توظيفاً للواقع السياسي المؤقت الذي لفظ الجماعة على أنّ الجماعة تقدّم تنازلات ومشروعاً للتعايش، لحين ظهور فرصة يمكن للجماعة اقتناصها للعودة مرة أخرى".

 

مواضيع ذات صلة:

بعد الفشل والتشظي.. مناورة جديدة للإخوان: هل يتخلون حقاً عن العمل السياسي؟

الإخوان وحالة التصدع الأيديولوجي.. قراءة في تصريحات إبراهيم منير

تخلي الإخوان عن السلطة: براغماتية أم انتهاء للمشروع؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية