حوار إبراهيم منير والخطة "ب" الإخوانية للتصالح مع مصر... متى تيأس الجماعة؟

حوار إبراهيم منير والخطة "ب" الإخوانية للتصالح مع مصر... متى تيأس الجماعة؟


31/07/2022

سلسلة من التصريحات، المدروسة بعناية، أدلى بها القيادي الإخواني إبراهيم منير، زعيم جبهة لندن، لخلق حالة من الجدل في الغرب قبل الشرق لممارسة ضغوط جديدة على مصر لإعادة الإخوان المسلمين إلى المشهد السياسي عبر بوابة "الحوار الوطني"، كشفت، عن عمد، نوايا جماعة الإخوان المسلمين، المصنفة إرهابية في عدد من الدول، وخطتها البديلة "ب" لفرض وجودها على الشعب المصري، الذي خرج على الإخوان في ثورة غضب في 30 حزيران (يونيو) 2013، استمرت حتى الإطاحة بهم في 3 تموز (يوليو) من العام نفسه.

الجماعة، التي رفضت الحوار السياسي في الماضي عندما حاول الرئيس عبد الفتاح السيسي، وزير الدفاع حينها، التوصل إلى حل وسط لتهدئة الشعب المصري الغاضب من سوء إدارة الإخوان المسلمين للبلاد، وتورطهم في مذابح ضد الجنود والمدنيين في سيناء وأنحاء متفرقة من البلاد للّي ذراع لم تلوَ أبداً للجيش المصري، تتوسل تلك الجماعة اليوم الانضمام إلى "الحوار الوطني" عبر طرق شتى؛ فتارة عبر طلب الوساطة الأمريكية والبريطانية وإحدى الدول العربية، وأخرى عبر استفزاز السلطات المصرية بـ"الخطة ب"، وهي الطعن والتشكيك في "الحوار الوطني"، فقد ادّعى منير، في حوار لم يخلُ من الأكاذيب والمغالطات مع وكالة "رويترز"، أنّ "الحوار السياسي المتوقع أن يبدأ خلال أسابيع بين الحكومة وجماعات معارضة مختارة ليس مبادرة جادة".

 سقط عمداً

أسقط منير عمداً كلّ محاولاته، وتلك الخاصة بالجبهات الإخوانية الأخرى، للتودد للسلطات المصرية للانضمام إلى "الحوار الوطني"، عبر طلب وساطة دولة عربية وبريطانيا والولايات المتحدة الأمريكية قبل زيارة للمملكة العربية السعودية قام بها الرئيس الأمريكي جو بايدن، المعروف بدعمه للإخوان المسلمين وتيارات الإسلام السياسي التي دمرت سوريا، بإيعاز من هيلاري كلينتون وزيرة الخارجية الأمريكية في عهد باراك أوباما، وفقاً لتسريب نشرته ويكيليكس لبريد إلكتروني لها، ضمن ما عُرف بـ"ثورات الربيع العربي" التي كان الهدف منها تصعيد الإخوان المسلمين للحكم في عدد من الدول العربية.

لم تفق جماعة الإخوان المسلمين، على ما يبدو، من سُباتها العميق

هجوم القيادي الإخواني، الذي سعى هو نفسه لطلب الوساطة الأمريكية وبريطانيا، هو نفسه الخطة "ب" البديلة لمحاولات الإخوان، التي بدأت بالتودد وطلب الوساطة، وخلصت إلى المحاولة اليائسة بالتشكيك في "الحوار الوطني" للضغط دولياً على السلطات المصرية للعودة إلى المشهد السياسي المصري عبر مواصلة طرق باب "الحوار الوطني".

سُبات عميق

لم تفق جماعة الإخوان المسلمين، على ما يبدو، من سُباتها العميق، وما تزال تحلم بأن تعود جزءاً من نسيح سياسي وطني مزقته بفيض من الأكاذيب والإشاعات والعمليات الإرهابية بحق الأبرياء، فـ"الحوار الوطني" في نظر منير كان سيحظى بمباركته وإشادته إذا ضم جماعة الإخوان المسلمين، التي رفعت السلاح في وجه الشرطة والجيش والشعب المصري منذ وصولها إلى الحكم، إن لم يكن منذ 2011، فقد قال: إنّ ذلك الحوار "لا يمكن أن يحقق نتائج إذا تمّ استبعاد الإخوان أو غيرهم منه".

 مسار مغلق

يبدو أنّ مسار عودة جماعة الإخوان المسلمين إلى المشهد السياسي المصري، ومشاركتها في "الحوار الوطني" المقرر أن ينعقد اليوم على مستوى مجلس الأمناء، مغلق تماماً، فقد قال منسق الحوار ضياء رشوان نقيب الصحفيين المصريين، في تصريحات تلفزيونية نقلها موقع "القاهرة 24" أمس: إنّ "المصريين لن يقبلوا بفتح حوار مع الإخوان؛ لأنّهم هم من أسقطوا السنة السوداء التي قاد فيها الإخوان البلد بطريقتهم"، مؤكداً أنّ "الحوار الوطني يستبعد الإخوان، ده مش بمزاج مجلس الأمناء أو قرار الرئيس، وإنّما هو قرار الشعب."

 

الجماعة التي رفضت الحوار في الماضي تتوسل اليوم الانضمام إلى "الحوار الوطني" عبر طرق شتى، فتارة عبر طلب الوساطة، وأخرى عبر استفزاز السلطات المصرية

 

محاولات الإخوان المسلمين، وعلى رأسهم منير، بالتودد تارة والضغط دولياً تارة أخرى، للانضمام إلى "الحوار الوطني"، تصطدم بواقع أنّ الجماعة فقدت الحاضنة الشعبية، التي لطالما تباهت بتأثيرها على الضعفاء عبر الرشاوى الانتخابية في كثير من الأحيان، ومن خلال خطاب ديني قائم على التشكيك والتشتيت عن القضايا الدينية الحقيقية، ومخصص لخدمة مصالح الجماعة وقادتها باعتبارهم "خلفاء الله في الأرض".

ضياء رشوان: المصريون لن يقبلوا فتح حوار مع الإخوان؛ لأنّهم هم من أسقطوا السنة السوداء التي قاد فيها الإخوان البلد بطريقتهم

وكان رشوان قد أكد، في أولى جلسات مجلس أمناء "الحوار الوطني"، في 5 تموز (يوليو) الجاري، أنّ "المستثنى من حضور الحوار الوطني بإجماع أعضاء المجلس هو كلّ من مارس عنفاً أو حرّض عليه أو شارك فيه أو هدد به، وخاصة جماعة الإخوان في مقدمة من فعل ذلك، وهي مستبعدة من الحوار بحسب قرار المجلس، ولا يمكن للقتلة أن يكون لهم مكان في ساحة الحوار."

 تصريحات رشوان لم تحسم فقط الجدل حول إمكانية التصالح مع الإخوان، بل عبّرت كذلك عن إرادة شعبية تفضل جحيم الإصلاحات الاقتصادية وتبعاتها على أن تعود جماعة الإخوان المسلمين إلى مصر من جديد.

 

منسق الحوار: الحوار الوطني يستبعد الإخوان، ده مش بمزاج مجلس الأمناء أو قرار الرئيس، وإنّما هو قرار الشعب

 

وكان الرئيس السيسي قد كلّف أواخر نيسان (أبريل) الماضي إدارة المؤتمر الوطني للشباب بالتنسيق مع مختلف التيارات السياسية الحزبية والشبابية لإدارة حوار سياسي حول أولويات العمل الوطني خلال المرحلة الراهنة، غير أنّ السلطات المصرية تقول عادة إنّها تستثني من أيّ حوار سياسي كلّ من تورط بالإرهاب وحمل السلاح في وجه الدولة، في إشارة إلى جماعة الإخوان المسلمين المدرجة على قوائم الإرهاب المصرية.

 ازدواجية الإخوان

في الوقت الذي تسعى فيه جبهتان من جبهات الإخوان، هما جبهة منير بلندن، وجبهة إسطنبول بقيادة محمود حسين، للانضمام إلى "الحوار الوطني"، ألمح منير إلى إمكانية تخلي الجماعة عن العمل السياسي في مقابل التصالح مع النظام المصري برئاسة السيسي، الذي تنظر إليه الجماعة وحاضنوها على أنّه "عدو لدود"، فقد زعم منير أنّ "الجماعة لن تخوض صراعاً جديداً على السلطة" من خلال صناديق الاقتراع، ممّا يطرح العديد من علامات الاستفهام على اهتمام الجماعة بحوار سياسي يجمع تيارات مدنية وأحزاباً سياسية رافضة لجماعة الإخوان وأيديولوجيتها.   

 

منير الذي ينتمي لجماعة رفعت السلاح في وجه الشعب المصري تجاهل عن عمد تورط الجماعة في عمليات إرهابية

 

حديث منير عن عدم خوض صراع على السلطة حمل كذلك العديد من التناقضات؛ أهمها تلك المناورة المتمثلة في أنّ "الجماعة لن تخوض صراعاً جديداً على السلطة"، والتي تمثل خروجاً، مشكوكاً في أغراضه، على وصايا حسن البنا، مؤسس جماعة الإخوان المسلمين، الذي قال في إحدى وصاياه: إنّ "المسلم لن يتم إسلامه إلا إذا كان سياسياً بعيد النظر في شؤون أمته، مهتماً بها غيوراً عليها".

 تخلي الجماعة عن العمل السياسي أكده موقع قناة "الجزيرة" القطرية، المعروفة بدعمها للإخوان المسلمين، فقد كتب: "استبعد منير أن تعود الجماعة إلى التنافس على السلطة من خلال صناديق الاقتراع".

لم يُفهم ما إذا كان تصريح منير يمثل تعهداً، أم أنّه مجرّد مناورة سياسية كعادة خطابات قادة الإخوان المسلمين، ولا سيّما أنّ الجماعة لن يتسنى لها المشاركة في أيّ منافسة على السلطة، لا عبر الصناديق، ولا حتى بالعنف، على غرار ما بدر من الجماعة على مدار الأعوام الـ (9) الماضية، إن لم يكن منذ 2011، نظراً لتورطها في قضية اقتحام السجون، التي أشاعت موجة كبيرة من الفوضى في مصر بعد تهريب الجماعة بمساعدة أذرع خارجية لعدد من قياداتها في السجون في كافة أنحاء مصر.  

وفي الحالتين، لا يملك منير التعهد بتخلي الجماعة، المنقسمة على نفسها، عن العمل السياسي، ولا سيّما أنّه يخوض، هو نفسه، صراعاً مع خصمه محمود حسين زعيم جبهة إسطنبول، على قيادة الجماعة العجوز، وسباقاً محتدماً للتأثير على أصوات جبهة ثالثة، هي "إخوان الداخل".

 تصريح منير، عبر منبر دولي، وتعهده، الذي لن يحظى بتوافق كبير أو حتى متوسط داخل الجماعة المنقسمة على نفسها، غاب عنه حقيقة أنّ الجماعة لم تعد تمتلك من الأدوات والحاضنة الشعبية ما يؤهلها بالأساس للانطلاق من جديد في صراعات على السلطة.

مواضيع ذات صلة:

بعد الفشل والتشظي.. مناورة جديدة للإخوان: هل يتخلون حقاً عن العمل السياسي؟

الإخوان وحالة التصدع الأيديولوجي.. قراءة في تصريحات إبراهيم منير

تخلي الإخوان عن السلطة: براغماتية أم انتهاء للمشروع؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية