
وصلت الأزمة في العراق إلى طريق مسدودة، ليس بسبب أنّها عصية على الحل، وإنّما بسبب السياسيين المسيطرين على العملية السياسية منذ عام 2003، وإصرارهم على النهج نفسه الذي اتبعوه طوال (18) عاماً. إصرار يتمثل في التمسك بالحكم، رغم رفض الشارع لأيٍّ من الوجوه التي شاركت في العملية السياسية وتسلمت منصباً وزارياً، أو محسوبة على أحزاب السلطة.
وتراوح الأزمة بين الكتلة الصدرية والإطار التنسيقي الشيعي مكانها بعد فشل قائد فيلق القدس في تجميع وجهات النظر ولمّ شتات البيت الشيعي في العراق، ممّا دفع الكثير من قادة الإطار للجوء لإحدى الدول العربية للتوسط لدى مقتدى الصدر لإنهاء الخلافات وتشكيل حكومة وفقاً لمبدأ المحاصصة الذي يرفضه زعيم التيار الصدري.
اقرأ أيضاً: العراق: هل يُحيي "داعش" الخطاب الراديكالي للفصائل الشيعية؟
ومن المرجح أن تدخل دولة عربية على علاقات جيدة مع القوى الشيعية في العراق على خط الوساطة بين زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر وقادة الإطار التنسيقي لحلحلة الأزمة بين الطرفين، وكسر جمود الأزمة السياسية التي تفجرت بعد انتخابات تشرين الأول (أكتوبر) الماضي.
وفق ما كشف مصدر سياسي عراقي أمس لوكالة أنباء "شفق نيوز" العراقية الكردية، فإنّ وساطة الدولة التي لم يذكر اسمها، "ستعمل على احتواء الخلاف بشكل مباشر بين زعيم التيار مقتدى الصدر ورئيس ائتلاف دولة القانون نوري المالكي"، وكشفت مصادر سياسية عراقية في بغداد لـ"العربي الجديد" عن حراك جديد يجري في العاصمة والنجف لعقد اجتماع قد يكون الأخير بين قوى "الإطار التنسيقي"، وزعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، بهدف محاولة التوصل إلى حلّ للأزمة السياسية الخانقة، بوساطة شخصيات إيرانية لم تسمّها، وأخرى دينية من داخل العراق.
من المرجح أن تدخل دولة عربية على علاقات جيدة مع القوى الشيعية في العراق على خط الوساطة لإنهاء الأزمة السياسية
ويرفض الصدر رفضاً قاطعاً مشاركة نوري المالكي وحزبه في الحكومة المقبلة، وقد اقترح بالفعل على الإطار التنسيقي الذي يضمّ عصائب أهل الحق بزعامة قيس الخزعلي وائتلاف الفتح بزعامة هادي العامري وتيار الحكمة بزعامة عمار الحكيم وتحالف النصر بزعامة حيدر العبادي، إلى جانب ائتلاف دولة القانون، المشاركة في الحكومة بشرط استبعاد المالكي من الحكومة.
اقرأ أيضاً: السعودية تدعم محاولات العراق للإفلات من قبضة إيران.. ما الجديد؟
وتأتي هذه الأنباء بينما فشلت إيران التي أوفدت قائد فيلق القدس إسماعيل قاآني أكثر من مرّة في توحيد البيت الشيعي، واحتواء الصدر الذي يتمسّك بحكومة أغلبية وطنية، بينما تطالب القوى الشيعية الخاسرة في الانتخابات بحكومة توافقية تضمّ جميع القوى السياسية.
تحالف الفتح بزعامة هادي العامري يعلن عن قرب إعلان تشكيل سياسي جديد باسم "تحالف الثبات الوطني" بزعامة نوري المالكي يضم (133) نائباً
وتأتي الوساطة المرتقبة بينما وجّه الصدر مؤخراً تحذيراً إلى قوى الإطار التنسيقي، بأنّه لا يُهدَّد بالموت، في إشارة على ما يبدو إلى أنّه تلقّى تهديدات بالقتل.
وتوعّد الجمعة الماضي بعدم السكوت عمّن قال إنّهم يهدّدون "الحلفاء والشركاء في حكومة الأغلبية الوطنية"، مشدداً على أنّه "لن يعيد العراق إلى الفاسدين، ولن يبيعه لمن خلف الحدود".
وعلى حسابه الرسمي بتويتر، استهل الصدر تغريدته بالقول: "لست أنا من يُهدَّد بالموت... وما الذي يخيف من يقلّد نبي المسلمين محمداً"؟ مضيفاً: "مرّة أخرى تتصاعد أصوات الوحوش الكاسرة التي لا تعي غير التهديد".
بالمقابل، طالب رئيس ائتلاف دولة القانون نوري المالكي مجلس القضاء الأعلى في العراق بمحاسبة زعيم التيار الصدري مقتدى الصدر، إذا لم يثبت أدلة تعرّضه للتهديد.
حراك جديد يجري في العاصمة والنجف لعقد اجتماع قد يكون الأخير بين قوى "الإطار التنسيقي"، ومقتدى الصدر، بوساطة شخصيات إيرانية، وأخرى دينية من داخل العراق
وردّ المالكي في تغريدة له على تويتر أمس، وفق ما نقلت قناة السومرية: "جهدنا مكثف لحفظ الأمن وسيادة القانون ورفض الخارجين عليه، لذا نأسف لتكاثرهم في الآونة الأخيرة".
وأضاف: "نرفض بشكل قاطع ما شهدناه وسمعناه مؤخراً في وسائل الإعلام عن وجود تهديدات لحياة بعض الشخصيات السياسية"، مستغرباً في الوقت نفسه، من "كثرة الحديث عن التهديد من دون تقديم أدلة".
واستدرك المالكي: "إذا كان التهديد صحيحاً، فإنّنا نطالب هذه الشخصيات بتقديم أدلتها أمام القضاء، وسنكون متضامنين معها، وإذا لم يثبت التهديد بأدلة قاطعة، فإنّنا نطالب القضاء بمحاسبتهم منعاً لإرباك الأمن والاستقرار والسلام في البلاد".
اقرأ أيضاً: "الثلث المعطل": العراق على خطى لبنان في وصفة "الحُكم السعيد"
بدوره، دعا الإطار التنسيقي الذي يضمّ أغلب الأحزاب الشيعية أول من أمس إلى التحقيق في التهديدات ضدّ بعض الأطراف السياسية، معلناً رفضه لأيّ تهديد.
وقال الإطار في بيان نقلته وكالة الأنباء العراقية الرسمية: "إلى الأخوة شركاء الوطن، تابعنا وأبناء شعبنا تغريدات وتصريحات لبعض المسؤولين تشير إلى توجيه تهديدات ضدّ بعض الأطراف".
وأضاف: "إنّنا في الوقت الذي ندعو فيه إلى التحقق من صحة ما ورد، فإنّنا ومن باب المسؤولية الوطنية والشرعية والأخلاقية نعلن وقوفنا معكم، ورفضنا لأيّ تهديد يصدر ضدّ أيّ مواطن، ومن أيّ جهة كانت".
اقرأ أيضاً: العراق: هل يرتّب الأكراد فوضى البيت الشيعي؟
وفي الإطار ذاته، كان تحالف الفتح بزعامة هادي العامري قد كشف أمس عن قرب إعلان تشكيل سياسي جديد باسم "تحالف الثبات الوطني" بزعامة نوري المالكي يضم (133) نائباً لتشكيل الكتلة الأكبر في البرلمان، وفيما بيّن أنّ ولادة التحالف من عدمه مرهون بانتظار تطورات العلاقة مع الصدريين، أكد أنّ التحالف سيضمّ قوى غير شيعية من خارج الإطار التنسيقي، حسبما نقلت شبكة "رووداو" الكردية.
الصدر يزعم أنّه تعرّض لتهديدات من الإطار التنسيقي، والمالكي يطالب بمعاقبة الصدر إذا لم يثبت ادّعاءاته بالأدلة
وصرّح عضو الإطار التنسيقي عايد الهلالي بأنّه "ما يزال هناك انسداد كبير، وهناك حاجة إلى نوع من التنازلات تقدّمها الأطراف خلال المحادثات، خاصة الإطار التنسيقي وتحالف التيار الصدري – السيادة – والديمقراطي الكردستاني، للتوصل إلى نوع من الحل ثم تشكيل الحكومة".
وأضاف الهلالي: "صحيح أنّ الصدر يتحدث عن تشكيل حكومة أغلبية وطنية، لكنّه لا يستطيع جمع ثلثي أعضاء البرلمان لتعقد الجلسة البرلمانية، نصاب الثلثين هذا وُضع لكي لا يتمكن أحد من تشكيل الحكومة بطريقة دكتاتورية، وينفرد ويفرض نفسه على الأطراف الأخرى".
وكانت الأزمة قد بدأت عقب الانتخابات التشريعية التي أجريت في 10 تشرين الأول (أكتوبر) العام الماضي، وأفرزت تصدّر التيار الصدري الانتخابات، بفارق كبير عن أقرب منافسيه من القوى السياسية الأخرى.
ويُصرّ الصدر على تشكيل حكومة أغلبية، رافضاً إشراك رئيس الوزراء السابق، زعيم حزب "الدعوة" نوري المالكي فيها، في المقابل يرفض "الإطار التنسيقي"، الذي يضمّ القوى السياسية العراقية الحليفة لطهران، التخلّي عن المالكي، وسط إصرار على إشراكه، أو التوجّه نحو خيار المعارضة.