معرض للكتاب أم حسينية؟

معرض للكتاب أم حسينية؟


12/03/2022

فاروق يوسف

تمنى البعض لو أن دور النشر الإيرانية التي سيطرت على معرض بيروت للكتاب كانت قد قدمت شيئا من الثقافة الإيرانية المعاصرة لغطت من وجهة نظر ذلك البعض على الفضيحة. فضيحة تحول المعرض إلى واجهة حزبية. كانت خطوة عنف ساذجة قام بها عدد من الجهلة المتهورين الذين صار النصر بالنسبة لهم يأخذ مديات لا أخلاقية ولا إنسانية بحيث تحول إلى تمجيد للقبح والثناء عليه.

كان الحضور اللبناني هذه السنة رمزيا فيما كان الحضور الإيراني هو الأصل. مأساة تأخذ شكلا تهكميا. لبنان الذي فقد مضمونه لم يبق لديه سوى الأشكال التي يجري تحطيمها شكلا بعد آخر. كان لدى اللبنانيين شيء من شخصيتهم يجري استعراضه في معرض حر وأنيق ومتمرد وحداثوي فكان ضروريا أن يلقى عليه الشادور الإيراني ليعم الظلام. وهو تعبير مجازي متحذلق. ذلك لأن الظلام، معنويا وماديا كان قد سبق الحدث الذي يظل مؤلما رغم ما يستدعيه من فكاهة.

لم يقو حزب الله على اخفاء استبداده وهيمنته وظلاميته ونزعة العنف التي يعتبرها نهجه في العلاقة باللبنانيين من خلال تركهم يستعرضون شيئا من حريتهم التي قد تشكل وسيلة لتضليل الرأي العام العربي والعالمي بفكرة أن لبنان لا يزال يملك شيئا من هواء الحرية. حتى هذه الوسيلة الخادعة لم يقبل الحزب بها وقرر أن يضرب عرض الحائط تقليدا كان اللبنانيون يقدمون من خلاله أنفسهم باعتبارهم دعاة حرية وباعتبار بلدهم فضاء متسامحا. كان الغرض من كل هذه الهجمة المتخلفة الإعلان عن ولادة لبنان الإيراني.

لقد اختاروا خير صديق ليجعلوا منه عدوا. هذا لبنان الذي نريده. ذلك ما يقوله لسان حزب الله أما الكتاب فقد كان مناسبة ووسيطا يشبه اللغم الذي ينفجر في كل الأحوال. إن اقتربت منه أو ابتعدت. لن يبقى هناك كتاب تتداوله الأجيال المقبلة سوى تلك الكتب الصفراء التي يؤلفها عباقرة الحرس الثوري الملتزمون بخط الإمام وولاية الفقيه. هناك كذبة يتداولها البعض عنوانها الثقافة الإيرانية المعاصرة. إيران لا تملك سوى بضعة أسماء من المؤلفين والشعراء والموسيقيين، الغالبية العظمى منها ليست على خلاف مع نظرية النظام السياسي بل على أسلوبه في تطبيق تلك النظرية.     

إيران المعاصرة هي كذبة يجري تمريرها من خلال الشتات الإيراني الذي استطاع من خلال دقة تنظيمه وتماسكه أن يشكل قوة ضغط ضبابية في مطالبها وهي على العموم معادية للعرب. هل كان البعض يحلم في أن يرى شيئا من تلك الإيران المعاصرة في معرض بيروت؟ من أجل ماذا؟ أمن أجل أن يثبت أن هناك إيران أخرى غير إيران التي تقدمها وسائل الإعلام؟ في الحقيقة إيران لا تُخفي شيئا. ولكن الأهم أن حزب الله لا يُخفي شيئا. جل ما يحلم به حزب الله أن يجعل بيروت كلها قضاء تابعا للضاحية الجنوبية. أن يجعل من تلك الضاحية أساسا لقيام بلد رث وقبيح ومعاد لطبيعته الجميلة وخائن لتاريخه العريق.

لم تعد العروبة ضرورية في مقابل انهيار كل أسباب العيش. يضحك المرء حين يسمع أن هناك معرضا في بيروت للكتاب العربي في ظل غياب الكتاب اللبناني. صورة قاسم سليماني، زعيم فيلق القدس الذي قُتل في بداية عام 2020 تعلن عن فشل حزب الله في التعايش مع فكرة العروبة. لقد فشلت العروبة أو لم يعد لها مكان في ذلك المعترك. ألم يرتكب العرب خطيئة أنهم تركوا لبنان فبات الكتاب العربي يتيما؟ تلك كذبة. لقد راكم اللبنانيون فشلهم تاريخيا. هذا المعرض الرث هو صورة لذلك الفشل التاريخي. انتصر حزب الله على اللبنانيين وألقى بهم في حفرة البؤس الاقتصادي. اما أن ينتصر عليهم ثقافيا فتلك فكرة سخيفة فلبنان أكبر من حزب الله ثقافيا. غير أن السلاح يجعل من حزب الله أكبر من لبنان.

معرض بيروت للكتاب كان فضيحة بالنسبة لحزب الله. ليس المطلوب أن يتحول إلى حسينية. غير أن حزب الله لا يمكنه التخلي عن قاسم سليماني باعتباره رمزا سياديا مغدورا. هل هذا هو مكانه؟ حتى الزعماء اللبنانيون الذين قُتلوا في الحرب الأهلية لم يكن لهم ذكر في معارض الكتاب السابقة. سنضحك ولكن هناك ما يمنعنا من الضحك. حزب الله يضحك على نفسه. ولكن لبنان كله يضحك على حزب الله بالرغم من كل هذا الانهيار العظيم.

عن "ميدل إيست أونلاين"



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية