محمد صلاح
هل انتصرت مصر على الإرهاب؟ أم أن انخفاض وتيرة الأعمال الإرهابية مسألة وقتية وسيعود الإرهابيون الى ارتكاب جرائمهم من جديد بأساليب مختلفة وأماكن غير تلك التي اعتادوا عليها في سنوات ما بعد الربيع العربي؟ هل هناك علاقة بين موقف الشعب المصري الصارم المعادي لـ"الإخوان" وبين اختفاء، أو قل تواري، التنظيمات الراديكالية الإرهابية الأخرى؟ تبدو أسئلة منطقية تطرح نفسها بينما يلاحق المصريون جهود التنمية والمشاريع الكبيرة التي لا يمر شهر من دون أن يُفتتح واحد منها.
يعتقد الإرهابيون أنهم على صواب، ويصدق الانتحاري أنه في طريقه إلى الجنة، لكن هذا لا ينفي عن تلك الجماعات أن بعض المنتسبين إليها قتلة ولصوص وبلطجية خرجوا على القانون ثم التحقوا بتنظيمات إرهابية بعدما فقدوا القدرة على العيش في مجتمع طبيعي، فالمسألة ليست فقط تطرف ديني وإنما أيضاً هناك دائماً أسباب مجتمعية. ولسنوات ظلت وجهة النظر المصرية الرسمية تقوم على أن خطر الإرهاب لا يتوقف عند تنظيم "داعش" فقط وأن لا فرق بين ذلك التنظيم وبين باقي الجماعات الأصولية الراديكالية حتى وإن حملت أسماء أخرى، وأن الظروف التي أفرزتها ثورات الربيع العربي وفرت بيئة خصبة لنمو تلك التنظيمات ورفعت طموحاتها من مجرد محاربة أنظمة تحكم إلى الحصول على الحكم والتوسع والامتداد وكسر الحدود بين الدول بعد السيطرة على أحياء وقرى ومدن كما جرى في العراق وسوريا.
كما ترى القاهرة أن الدول الغربية وعلى رأسها الولايات المتحدة وقعت في أخطاء فادحة كان من نتائجها تفشي ظاهرة الإرهاب بدلاً من انحسارها، وأن مكافحة التنظيمات الراديكالية يجب أن يتم عبر حزمة من الإجراءات لا يمكن أن تنفصل، بداية من القضاء على البيئة الحاضنة للإرهاب والظروف المكونة للتطرف ومروراً بحصار الجهات الممولة والمستفيدة من الإرهاب وانتهاءً بالمواجهة العسكرية والأمنية، وأن المسألة تتجاوز عملية التغني بالديموقراطية أو حقوق الإنسان إلى تفعيل مبادئ الديموقراطية وثقافة حقوق الإنسان وقبول الآخر، وتجاوز استغلال المبادئ البراقة أو الشعارات الوردية لمجرد هدم أنظمة غير مرضٍ عنها أو الضغط على أخرى للحصول على مزايا أو مكاسب.
على أرض الواقع ثبت أن نظرية استيعاب الإسلاميين المعتدلين التي تبنتها الإدارة الأميركية في عهد الرئيس باراك أوباما لم تفضِ إلا إلى مزيد من العنف والإرهاب، وأخطر ما كشفت عنه ثورات الربيع العربي هو أن لا فارقَ كبيراً بين الإسلاميين الذين يعتبرهم الغرب معتدلين وبين إخوانهم المجاهدين إلا في الآليات، والتجربة المصرية دليل على تعاون بين "الإخوان المسلمين" أثناء وجودهم في الحكم وكذلك بعد عزل محمد مرسي من جهة، وبين جماعات الإرهاب في سيناء وباقي المدن المصرية من جهة أخرى، ولولا حفاظ الجيش على وحدته وصلابته ثم استعادة جهاز الأمن عافيته وبسرعة، ووجود خبرة سابقة في تعاطي أجهزة الدولة مع ظاهرة الإرهاب، إضافة بالطبع إلى عوامل بديهية كغياب التقسيمة العقائدية أو الطائفية أو القبلية، لكانت عانت مصر لسنوات أخرى من مخاطر الإرهاب والإرهابيين.
وإذا كانت دول عربية عصفت بها رياح الربيع العربي وجرى تقسيمها، فإن مصر تجاوزت ذلك الخطر حتى وإن ظل بعض توابعه يحتمل أن تجري هنا وهناك، فالمسألة لا تقف عند مواجهة أشخاص اعتنقوا فكراً متطرفاً أو أرتكبوا أفعالاً إرهابية وإنما القضاء على الظروف التي ينبت فيها التطرف ويستفحل من خلالها الإرهاب، وهذا ما تفعله الإدارة المصرية الآن بالإسراع في تنفيذ خطط التنمية.
ليس سراً ان أميركا طلبت من دول العالم دعمها مادياً ومعنوياً وبشرياً في حربها ضد تنظيم "داعش" بينما لم تفعل مصر في حربها ضد الإرهاب في سيناء وباقي المدن المصرية... شكلت أميركا تحالفاً ضم أكثر من 20 دولة لمواجهة "داعش" ولم تفعل مصر واعتمدت على مواردها الذاتية وجيشها وشرطتها. وفي حين كان الأميركيون يحاربون "داعش" من بعد، مجرد هجمات بالطائرات، كان عدو مصر في قلبها ويعيش فيها وفي مدنها وأحيائها ويخرج من بين البيوت أو الدروب أو الصحراء أو وسط الجبال، ومنتشرون ومتسربون ومتشعبون بين الناس يرتدون الملابس ذاتها ويتحدثون اللهجة نفسها ولا يتركزون في موقع أو مكان، ودائماً يضربون ثم يفرون ليختبئوا. وبينما تساند منظمات أميركية، وربما أيضاً مسؤولون في الإدارة، جماعة "الإخوان" ويتعاملون معها باعتبارها جماعة سلمية لها الحق في الحكم والمنافسة والنشاط السياسي، يستغل "الإخوان" في مصر حوادث الإرهاب للنيل من الرئيس عبدالفتاح السيسي، فالرجل بالنسبة إليهم هادم السلطة ومفرّق الجماعة، والانتقام منه واجب شرعي مقدم على أي واجب آخر، فلم يتوقفوا عن إشاعة الإحباط بين مؤيديه والندم بين ناخبيه والكراهية في قلوب محبيه.
نعم، حققت الأجهزة الأمنية انتصارات ساحقة ضد الإرهابيين، وتمكنت الدولة، ومعها الشعب، من حصار "الإخوان" وأحالت التنظيم الى جماعتين تتناحران السلطة والنفوذ والدعم المادي، وكلما سارت خطط التنمية بتلك السرعة توارى الإرهاب، لكن ذلك لا يعني أن المعركة حُسمت، فالأمر لا يتعلق بمصر وحدها ولكن أيضاً بظروف دولية وقناعات ما زالت راسخة لدى انظمة حكم تستخدم الإرهاب واجهزة استخبارات تدعمه لتنال من استقرار دول أو الضغط عليها.
أما حملات "الإخوان" وداعميهم ونشاط عناصر التنظيم خلف أجهزة الكومبيوتر ومواقع التواصل، فدليل على أن هؤلاء لم يقرأوا ما في عقول المصريين، أو درسوا الطريقة التي يفكرون بها والقناعات الراسخة لديهم من أن معركة مصر مع الإرهاب صعبة وطويلة الأمد، ومتشعبة الأطراف، ومتعددة الجهات، ويدفع فيها المصريون ثمن حفاظهم على بلدهم موحداً، فيما دول أخرى تستجدي لتستعيد وحدتها.
عن "النهار" العربي