خطأ علي عبدالله صالح هو التحالف مع جماعة متطرفة لا تفرق بين الحليف والرهينة، وقد سقط في النهاية برصاصها.
عراقي أرسل لي هذه الرسالة من اليمن في اليوم التالي لمقتل الرئيس السابق علي عبدالله صالح “دون ذكر التفاصيل رجاء. أعمل في مركز طبي بصنعاء. معي ثلاثون موظفا سألتهم جميعهم سؤالا محددا: هل بكيت أمس؟ وكان جوابهم بالإجماع نعم بكيت. وبعضهم يقول مازلت أبكي إلى هذه اللحظة”.
لماذا ترى اليمني الذي كان يسب ويشتم علي عبدالله صالح يبكي ويترحم عليه بعد مصرعه؟، هناك سر غامض في هذا الشعور فقد تكرر في بلدان عربية كثيرة.
مصرع الرئيس اليمني السابق علي عبدالله صالح قضية معقدة تشبه إعدام صدام حسين. إنها لحظة يصعب تفسيرها. هل نبكي لأننا نحبه أم نكرهه؟
هل نبكي زمننا الذي ضاع بسببه؟ هل نبكي الحياة التي كانت تدور حوله فقط؟ هل نبكي هوان الدنيا وتقلّب الزمان؟ هل نبكي لشعورنا بالفراغ وخوفنا من العيش بعده؟ فالعالم بدا لنا موحشا وفارغا دون الدكتاتور.
إن مصرع الدكتاتور قضية فلسفية غامضة. شعور ليس له تفسير، والمصيبة تصدمنا لمرة واحدة في الحياة. فليس عندنا أكثر من عمر واحد وصدام واحد؟ هذا الدكتاتور هو صباحات الطفولة وكتبنا المدرسية وحيطان المدن والقرى. إنه دفء الماضي وقسوة العالم في وقت واحد.
لقد رأينا في 30 ديسمبر 2006 كما رأى أخوتنا اليمنيون الاثنين الماضي 4 ديسمبر 2017 ذكرياتنا وعذابنا وقصة حياتنا مشنوقة بلحظة؟ والطريف أن رغد صدام حسين تبكي الرئيس اليمني السابق، وتقول هذا “عمي” وقد لقي مصرعا كمصرع أبي، بينما بنت الرئيس اليمني تقول إن أباها قد سقط كما سقط عمها صدام حسين.
ولكننا كشعب مسحوق ومدمر على يد الدكتاتور لماذا نبكيه؟ نعرف جيدا أننا لا نحبه. كنا نفكر بحزن عميق؛ أهكذا إذن بكل بساطة؟ لماذا تعذبنا وأرهقنا أنفسنا بالأناشيد لك؟
وهذا الأمر هو سبب الصحوة الدينية والعودة إلى الفكر الغيبي في العراق بعد مصرع صدام حسين. أخشى مصيرا مشابها في اليمن. فقد رأى الشعب بعينيه مصرع دكتاتور بمثابة الأب وقد حكم بلاده لأكثر من ثلاثة عقود. صدمة لا يعرفها شعب سوى الذي جربها من قبل. مصرع الدكتاتور موضوع شائك جدا وعلينا عدم الاستهانة به.
الرئيس الداهية علي عبدالله صالح اللاعب على رؤوس الثعابين والبالغ من العمر 75 عاما قُتل خارج العاصمة صنعاء في هجوم بقذيفة صاروخية وبالبنادق. لقد شن صالح ست حروب على الحوثيين في الفترة من 2002 إلى 2009 قبل أن يدخل في تحالف معهم عام 2014.
إن خطأه هو التحالف مع جماعة متطرفة لا تفرق بين الحليف والرهينة، وقد سقط في النهاية برصاصها. لم يغفر الحوثيون لقوات صالح قتلها لمؤسس الحركة وشقيق الزعيم الحالي. وكما انتقم عبدالملك الحوثي من قاتل أخيه، ربما ينتقم أحمد عبدالله صالح أيضا من قاتل أبيه. هذا مثال مأساوي للتاريخ العربي الثأري.
أينما تحرك المشروع الإيراني انتشر الخراب. جميع العرب يحبون الشعب اليمني فهو من أفقر الشعوب العربية حيث يعيش اثنان من كل ثلاثة يمنيين بمبلغ أقل من دولارين في اليوم، وبحاجة إلى دعم ومساعدة، ولكن بسبب الحوثيين وعنادهم سقط في الحرب ما لا يقل عن 10 آلاف شخص معظمهم من المدنيين وتشرد مليونا شخص وصاحب تلك الحرب انتشار للجوع وتفش لوباء الكوليرا.
ومهما يكن من أمر فإن هذا الرئيس اليمني القتيل هو بطل الوحدة اليمنية. فبعد انهيار الاتحاد السوفييتي في العام 1990 تحرك الرئيس صالح ووحد اليمن. وانتصر مرة أخرى عام 1994 على مشاعر الانفصال وعاد اليمن بفضله دولة واحدة وشعبا واحدا.
ربما أغضب الرئيس صالح المملكة العربية السعودية بوقوفه مع صدام حسين بعد غزو الكويت وتسبب ذلك بطرد مليون يمني يعملون في المملكة، لكنه قام بإصلاحات ومشاريع تنموية كثيرة يشهد بها صندوق النقد الدولي، وله سجل كبير في مكافحة الإرهاب والتعاون مع الولايات المتحدة منذ هجمات الحادي عشر من سبتمبر 2001.
المحلل الفلسطيني الصديق نضال السبع قال مبكرا إن هناك 3 أسباب لفشل انقلاب علي عبدالله صالح.
السبب الأول أن مفاصل الدولة الأمنية والعميقة في اليمن نقلت ولاءها من علي عبدالله صالح إلى الحوثيين. السبب الثاني نقص السلاح والعتاد لدى جماعة صالح. السبب الثالث هو رهان علي عبدالله صالح على القبائل المحيطة بصنعاء إلا أنها لم تتجاوب معه وخاصة قبيلة حاشد.
كما يرى أن مقتل الرئيس صالح حدث بالمصادفة في تبادل إطلاق نار مع الحوثيين ولم يكن مخططا له مسبقا. إلا أن الحوثيين وجدوا أنفسهم مضطرين إلى تبني قضية مقتله بعد اكتشافهم للأمر ولم يعد بإمكانهم التراجع.
نحن كعراقيين نتفهم مشاعر أشقائنا اليمنيين ولا ننسى وقوفهم معنا أيام الحصار. كان اليمن البلد العربي الذي يعيش فيه العراقي دون الحاجة إلى إقامة، ورغم الفقر فإن اليمنيين من أكرم الشعوب وأجملها. لم يشعر العراقيون عندهم بالغربة، بل قاسموهم الخبز والحياة وكانت أياما جميلة يذكرها العراقيون بامتنان.
نحن مثلكم أيها اليمنيون كنا نمقت الدكتاتور صدام حسين لبطشه وتهوره وحروبه، ولكن حين تم شنقه بكينا. لا نعرف لماذا. شعرنا بالإهانة رغم حقدنا الشديد عليه. المهم أن تمسحوا دموعكم بسرعة ويستعيد الشعب اليمني عافيته.
أحذركم من الإسلام السياسي والإرهاب فقد انتشرا في بلادي بسرعة بعد شنق الدكتاتور صدام حسين. وأعتقد بأنهما سيحاولان الانتشار في اليمن بعد مصرع الدكتاتور اليمني علي عبدالله صالح. في غياب الأب الكبير الدكتاتور ينتشر الدواعش والقاعدة وغيرهم بشكل أكبر بكثير من السابق وتحترق المدن والقرى وتُقطع الرؤوس وتُسبى الحرائر. اللهم احرس اليمن واليمنيين وخلصهم من هذه المِحنة.
أسعد البصري - عن "العرب" اللندنية