
تمنح العديد من الظروف والأحداث الجارية الأمل بشكل متجدد لجماعة الإخوان والإسلاميين عمومًا في العودة إلى المشهد السياسي مرة أخرى، فالتغيير المفاجئ الذي حدث في سوريا وسقوط نظام الأسد، وما يحدث في غزة بعد طوفان الأقصى، الذي يراه الإسلاميون نصرًا استطاعت المقاومة تحقيقه، وكذلك الأزمات الاقتصادية والسياسية في الدولة المصرية وتداعياتها؛ كل ذلك، أيًّا كان حجم الاختلاف حول توصيفه وأسبابه ونتائجه، ترك أثرًا لدى الإخوان وشريحة من الإسلاميين بأنّ التغيير في مصر سوف يحدث يومًا ما، وأنّهم عائدون إلى المشهد بشكل أو بآخر.
منذ أيام قليلة أعلنت جبهة المكتب العام، أو ما يُعرف بـ "تيار التغيير" داخل جماعة الإخوان، عن ولادة كيان جديد تحت اسم (ميدان)، وقدّمت مشروعًا يهدف إلى التغيير وإسقاط النظام في مصر، وكان ذلك عبر فيديو تعريفي بالمشروع تم بثه على صفحات ومنصات خاصة بالجبهة عبر وسائل التواصل الاجتماعي، وقدّم التعريف بالمشروع عدد من رموز هذا الكيان.
(ميدان) أكثر من مجرد مشروع
في وقت سابق ومنذ عدة أعوام انقسمت جماعة الإخوان إلى (3) جبهات متصارعة حول من يمثل جماعة الإخوان وحول آليات العمل وإدارة الصراع مع الدولة، بالإضافة إلى الخلاف حول بعض الجوانب التنظيمية، وتتمثل هذه الجبهات في جبهة إسطنبول بقيادة محمود حسين، وهي جبهة تتمتع قيادتها وأفرادها بالنمطية الشديدة وعدم وجود أيّ رؤية لتغيير الوضع القائم، وتهتم بالحفاظ على كتلتها الصلبة من الأفراد المنتمين إليها، ولديها مصادر للتمويل تنفق منها على الجماعة وأنشطتها المعتادة، والجبهة الأخرى جبهة لندن وهي أشبه إلى حد ما بجبهة إسطنبول من حيث النمطية وعدم امتلاك الرؤية، وقد حاول بعض قياداتها الوصول إلى حل للصراع مع الدولة من خلال بعض الوسطاء لكن دون جدوى، والجبهة الثالثة هي جبهة المكتب العام أو تيار التغيير، وتتشكل من المجموعة التي قادت الجماعة منذ العام 2014 حتى بدايات العام 2019 وكانت تتبنّى النهج الثوري واستخدام القوة في مواجهة الدولة بهدف تغيير الأوضاع وإسقاط النظام الذي تشكل بعد 2013.
وقد تطورت هذه الجبهة وسعت إلى الخروج من دائرة الصراع حول الشرعية داخل الجماعة، وعملت على تكوين كيان جديد، مع الاحتفاظ بالكيان القديم وهو تيار التغيير، لكنّها سعت إلى إنشاء ذلك الكيان بالمجموعة نفسها التي تشكل تيار التغيير، وذلك بهدف أن يستوعب الكيان الجديد أفرادًا من تيارات إسلامية مختلفة ولا يكون قاصرًا على أفراد الجماعة، حيث يشترك في (ميدان) أفراد ورموز من تيارات إسلامية سلفية وجهادية بجانب أفراد جماعة الإخوان، وهذا يعكس وجود منطلقات فكرية تجمع بين الإخوان والتيارات الإسلامية والجهادية منها، وهذا يتضح من خلال تصريحات ولقاءات رموز تيار التغيير.
و(ميدان) ليس مجرد مشروع يطرح أفكارًا نظرية للتغيير، ولكنّه تنظيم جديد يصنفه مؤسسوه بأنّه يمثل "تيار الإسلام الثوري، وهذا التنظيم له هيكل تنظيمي قائم تسعى قياداته لاستكماله، ويشمل مجموعات من الأفراد من تيارات إسلامية مختلفة خارج مصر وداخلها، ومن لجان نوعية متخصصة، ولوائح منظمة، ووثائق فكرية تتضمن الأفكار التأسيسية التي ينطلق منها، وخطة عمل واضحة تتضمن الأهداف والوسائل.
أهداف التنظيم ومراحل العمل
ينطلق التنظيم في عرض المشروع والخطة التي يسعى إلى تنفيذها من تناول الواقع المصري والأزمات التي يمر بها والتهديدات الخارجية التي يتعرض لها، ويستعرض ذلك باعتبار تلك الأزمات من صنع النظام الحاكم، وأنّه من ثم يجب إسقاطه وتغيير الأوضاع في مصر كضرورة لإنقاذ الدولة، وأنّ البديل هو المشروع الإسلامي الذي يقدمه هذا التنظيم.
ويضع التنظيم رؤية لسيناريو التغيير المنشود، وهو يعكس الملامح الرئيسية للمشروع وآليات تنفيذه؛ ويرى أنّ الأوضاع في مصر سوف تتفاقم بفعل الأزمات الاقتصادية والسياسية والتهديدات الخارجية، ممّا يدفع شريحة من المجتمع للقيام بمجموعة من التظاهرات والحراك الشعبي، وفي الوقت نفسه يقوم التنظيم بآليات تدخل في إطار العمل الثوري، بجانب التنسيق والتواصل مع ما يطلق عليهم "بعض الوطنيين" في مؤسسات الدولة من أجل المساهمة في عملية التغيير.
ووفقًا لهذا السيناريو يضع التنظيم خطة للعمل تشمل مراحل وآليات معينة، أهمها:
أوّلًا: إعداد هيكل تنظيمي قوي: من خلال بناء قيادة موحدة للتيارات الإسلامية المختلفة التي يتشكل منها التنظيم الجديد، والذي يُعدّ بمثابة النواة الصلبة التي سوف تكون قادرة بعد ذلك على تجميع القوى الوطنية الراغبة في التغيير حسب وصف رموز التنظيم، وكذلك وضع وثيقة فكرية تتضمن الأفكار الأساسية التي يقوم عليها التنظيم وخطته للتغيير، أيضًا تكوين مجموعات من الطلاب في الجامعات المختلفة وإعداد كوادر وقيادات طلابية، وإنشاء شبكة من العلاقات وآليات للتواصل فيما بينهم، وتدريبهم وتنميتهم ثقافيًا وفكريًا وإكسابهم المهارات اللازمة للمشاركة في الأنشطة التي يسعى التنظيم فيما بعد إلى القيام بها، والعمل على انخراط المجموعات الطلابية في العمل الطلابي داخل الجامعات، ودفعهم نحو القيام ببعض الأنشطة التي تبدأ بشكل تدريجي من خلال المشاركة في الانتخابات الطلابية والمطالبة بمطالب خاصة بالعملية التعليمية كنوع من التدريب على إدارة العمل وتكوين قاعدة طلابية تكون نواة فيما بعد للمشاركة في أنشطة التنظيم الهادفة للتغيير الثوري، وفي هذا الإطار يؤكد التنظيم على ضرورة التدرج في العمل الطلابي والسرّية والحفاظ على أمن الطلاب وعدم المواجهة المباشرة مع الأجهزة الأمنية، والتواصل الآمن فيما بينهم وتكوين شبكة علاقات واسعة تشمل الجامعات في جميع المحافظات.
ثانيًا: إعداد رموز مجتمعية: من ضمن الآليات المهمة التي يسعى التنظيم إلى اتخاذها في مرحلة الإعداد هي تجهيز رموز مجتمعية في كل المجالات الخيرية والخدمية والدعوية والسياسية، ويهدف ذلك، حسب مؤسّسي التنظيم، إلى سدّ حالة الفراغ التي سوف تترتب على إسقاط النظام والتعامل مع حالة الفوضى التي ستنتج عن ذلك، حيث يسعى التنظيم إلى إسقاط النظام بأكمله ممّا سيؤدي إلى حالة فراغ كامل، حتى إنّهم يشيرون إلى ضرورة إعداد أفراد مؤهلين للفصل في المنازعات، ممّا يعني أنّ السلطة القضائية مستهدفة في عملية التغيير بجانب الأجهزة الأمنية وقيادات المؤسسة العسكرية.
ثالثًا: تهيئة المجتمع للمشاركة في التغيير وتقبله: يعمل التنظيم على تهيئة المجتمع بوسائل مختلفة للمشاركة في عملية التغيير المنشود، حيث الهدف هنا توسيع القاعدة الشعبية الرافضة للنظام وتعميق حالة السخط العام تجاه بعض السياسات والأوضاع الاقتصادية والسياسية والاجتماعية، ويتم ذلك من خلال استغلال وتوظيف أيّ حدث أو موقف من أجل الهجوم على الدولة وعلى النظام وترسيخ صورة ذهنية عن النظام بأنّه يعمل ضد المصلحة الوطنية، وعن الدولة بأنّها تتجه نحو الانهيار، وأنّ التغيير ضرورة ملحة ونتيجة حتمية، ويركز التنظيم هنا على دور الإعلام ممثلًا في المنصات المختلفة التي يعمل من خلالها في تزايد حالة السخط العام ودفع المجتمع نحو التحرك بأشكال مختلفة ضد النظام.
رابعًا: الضغط الخارجي وتحركات الإسلاميين في الخارج: من خلال هذه الآلية يعمل التنظيم على التواصل مع مؤسسات حكومية ومؤسسات مجتمع مدني ومنظمات دولية من أجل الضغط على الدولة المصرية وتقليل الدعم الخارجي للنظام، وإقامة تحالفات مع جهات خارجية من أجل الهدف نفسه، وذلك للتأثير على الدولة وعلى النظام ممّا يُسهم في إضعافه. ويشير القيادي بجماعة الإخوان وأحد مؤسسي التنظيم الجديد يحيى موسى في الفيديو التعريفي بالمشروع إلى ضرورة العمل على التواصل والتعاون مع من سمّاهم "قوى التحرر والمقاومة في الأمّة"، ويعني بذلك التعاون مع تنظيمات وتيارات إسلامية من دول مختلفة لتحقيق أهداف التنظيم.
خامسًا: العمل الثوري: وفق السيناريو الذي طرحه التنظيم فإنّ ما يتم التعويل عليه هو تفاقم الأزمات وتطور الأوضاع، بمساعدة الجماعة من خلال الآليات الخاصة بتهيئة المجتمع وتوسيع دائرة السخط العام، حتى تأتي لحظة مناسبة تسمح إمّا بحراك شعبي طبيعي، وإمّا أن يبدأ التنظيم من خلال المجموعات التي أعدها وتشكّل كتلته الصلبة في عمل حراك وإشعال شرارة تربك النظام وتشجع الناس على الاندفاع إلى الشوارع على حدّ تعبير يحيى موسى، والذي يشير أيضًا إلى إمكانية استخدام القوة كإحدى آليات العمل الثوري حين يتحدث عن العمل على تحييد الأدوات القمعية وحماية الحراك، وكذلك إشارته إلى أنّ ثمة أنشطة سوف تكون قاصرة على أفراد التنظيم، وأخرى متاحة للعامة المشاركة فيها.
هل ينجح التنظيم الجديد في تحقيق أهدافه؟
لا شك أنّ تنفيذ المشروع الذي أعلن عنه مؤسسو التنظيم الجديد ليس بالأمر السهل في الحقيقة، خاصة في ظل ضعف التيار الإسلامي المتصارع مع الدولة، وفي ظل قوة الدولة المصرية وإحكام قبضتها في الداخل لدرجة اختفى معها أيّ نشاط لجماعة الإخوان أو لتنظيمات إسلامية معارضة أخرى منذ أعوام، لكنّ هذا لا يعني عدم الاهتمام بالتطورات التي تحدث داخل هذه التنظيمات بشكل عام، أو التعامل باستخفاف مع ما يقوم به التنظيم الجديد وما أعلن عنه من خطط وأفكار، مع ضرورة التأكيد على أنّ استمرار الأسباب والمبررات التي تعطي التنظيم الفرصة لتوظيفها في تعميق حالة السخط الشعبي، مثل الأزمات الاقتصادية والسياسية ووجود حالة من الانقسام المجتمعي؛ كل ذلك يوفر المناخ الملائم للتنظيم للعمل وتحقيق نتائج لما يقوم به من أنشطة وآليات، خاصة في ظل وجود دعم خارجي للتنظيم من دول وقوى تعمل على إضعاف الدولة المصرية من أجل توسيع دائرة نفوذها وتحقيق أهداف ومصالح خاصة بها.