"القاعدة".. التنظيم المرتهن لإيران

(القاعدة) التنظيم المرتهن لإيران

"القاعدة".. التنظيم المرتهن لإيران


21/11/2023

أفادت مصادر قريبة من "القاعدة" أنّ خلافاً جرى في أروقة التنظيم العليا بين سيف العدل وعدد من أعضاء مجلس شورى التنظيم، وأنّ عدداً منهم أبدى اعتراضه على الاتفاق الذي يريد قائد التنظيم عقده مع الحوثيين، معتبرين أنّ ذلك هو ارتهان للسياسة الإيرانية وتحوّل المرجعيات.

جملة إشكالات لا حلول لها

إنّ جملة المشكلات التي يعاني منها التنظيم ظهرت بكل وضوح في الرسالة المسماة (نصيحة لناصح مغتر)، وكاتبها غير المعروف يردّ على القيادي بهيئة تحرير الشام (أبو مارية القحطاني)، المقبوض عليه الآن بتهمة "التجسس لصالح قوات التحالف".

يقول كاتب الرسالة: إنّه يدّعي أنّ الشيخ سيف العدل لا يجوز له تولي قيادة القاعدة، وكأنك حين تسمع كلام الرجل تظن أنّ القاعدة لديها مجلس شورى يستضيفه ويسمع اقتراحاته ويستشيره، وقد أعلمه بقراراته، فيخرج علينا بهذا التفكير السطحي، ويتحدث بثقة كاملة وكأنّ التنظيم فاقد للأهلية والعقل وبحاجة لتوجيه القائد المتسلق! ونسي أنّه في الأخير ليس إلا حسنة من حسنات القاعدة التي هي مدرسة الجهاد، مع أنّه لم يصدر بعد ما يؤكد استشهاد أمير القاعدة ولم يظهر بعد قرار القيادة في هذه القضية.

ويبدو من بعض سطور الرسالة كيف أنّ عناصر التنظيم حتى الآن في غيهم لا يصدقون أنّ الظواهري تم قتله، طالما أنّ القاعدة لم تعلن عن ذلك حتى الآن بشكل رسمي. وبين الوهم الذي يعيش فيه عناصر التنظيم، تعاني القيادات جملة من الاختراقات الأمنية أدت إلى اصطياد المؤسسين الأوائل، ومن دلالات هذا الاختراق اتهام منشقين عن التنظيم في اليمن، وهم (أبو عمر النهدي)، و(مبارك الحضرمي) بالخيانة، بالإضافة إلى إصدار التنظيم سلسلة "هدم الجاسوسية"، التي تضمنت اعترافات صوتية وبيانات ورقية لمتهمين بالخيانة، ثم تكليف (أبو إبراهيم المصري)، بتولي الجهاز الأمني، الذي يراقب العناصر ويحقق معهم ببشاعة.

مسألة العلاقة الإيرانية مع القاعدة من أهم الإشكالات

وبغياب القادة المؤثرين، إمّا بفعل عملية اصطيادهم، وإمّا بعجزهم عن التواصل، يعاني تنظيم (القاعدة) من عدم وجود قائد رمزي له كاريزما توازي (أسامة بن لادن)، خاصة أنّ التنظير الفكري للتنظيم من بعده ارتكز على مقولة أنّ أميره ليس ممكّناً، وليس له قدسية، وهو ما فتح الباب أمام خلافات وانشطارات في المركز وفي الهامش، ولوحظ ذلك في الحديث المتواصل عن (الأمير المسردب)، أو في الحديث عن رفض تولي (سيف العدل) القيادة، وهو ما كتبته صفحة (مزمجر الشام)، ممّا أدى إلى تراجع التنظيم على مستوى التأثير الدعوي والاستقطابي، أو على المستوى العسكري العملياتي في عمليات القتال المعولم وغياب العمليات الكبيرة.

تضيف صفحة (مزمجر الشام)، القريبة من "القاعدة"، أنّ سيف العدل كونه موجوداً بحكم "الإقامة الجبرية" في إيران، فهذا يطرح إشكالية شرعية قبل كل شيء وعقبة أمام توليه زعامة التنظيم، وسيحرج تنظيم القاعدة كثيراً، وهو بحسب شهادة (أبو خالد السوري) لا يملك كاريزما وشخصية أسامة بن لادن والظواهري، ولن يستطيع إدارة شؤون التنظيم، لكنّ التنظيم لم يعد ذلك المركزي والقوي والمتماسك، وأصبحت قيادته رمزية فقط، بينما يتولى كل فرع للتنظيم إدارة شؤونه وتقرير استراتيجيته دون الرجوع إلى قيادة التنظيم الأم، حيث تبقى إشكالية وجود (سيف العدل) في إيران تحت أعين السلطات الإيرانية العقبة الأبرز.

تهديدات القاعدة تتجاوز الخلاف العقدي والفقهي مع حكام إيران، وتتماشى مع السياسة الخارجية الإيرانية

وبنظرة سريعة إلى الفروع الموالية للتنظيم باليمن أو شمال أفريقيا ومالي ووسط آسيا، سنجد أنّها خرجت عن سيطرة القيادة المركزية للقاعدة، وأصبحت لها سياساتها الخاصة، وتختلف حول أولويات القتال بين "محلية" و"عالمية"، حيث تميل الفروع لإقامة إمارات محلية، فيما يُنادي قدماء المنظّرين في التنظيم بالسير على الاستراتيجية نفسها التي وضعها أسامة بن لادن، وهي الشبكة المعولمة، لذا فهو يُمارس نشاطاته في منطقة رمادية بين قتال "العدو القريب" و"العدو البعيد".

التنظيم المرتهن

تظل في الوقت ذاته مسألة العلاقة الإيرانية مع القاعدة من أهم الإشكالات، وكيف أنّ زعيم القاعدة المحتمل سيف العدل (محمد صلاح الدين زيدان) موجود بطهران، وقد منحته الأخيرة حرية كبيرة، ومنها السماح له بترتيب لقاءات سرّية مع قيادات الفروع، مقابل إعادة توجيه التنظيم بما يخدم مصالح الإيرانيين، وهو ما لا يرضاه قادة آخرون، لأنّ إيران دولة شيعية، والتنظيم سنّي.

الشيخ سيف العدل

ويعزز من صحة فرضية أنّ سيف العدل لم ينتقل إلى سوريا ما أقرت به مصادر قيادية في تنظيم (حراس الدين)، وهو الفرع السوري لتنظيم (القاعدة)، بعد أن تخلى الجولاني عن بيعته للظواهري، وقام بفك الارتباط بتنظيمه، من أنّ التواصل مع (أبي محمد المصري وسيف العدل) كان يجري بوساطة مراسلات بريدية. وحتى عندما تأزمت العلاقة بين (حراس الدين) و(هيئة تحرير الشام) منذ أواخر عام 2018، فإنّ سامي العريدي الأمير الشرعي العام لـ (الحرّاس) ذكر في إحدى مقالاته رأي (أبي محمد المصري وسيف العدل) بمواضيع الخلاف وكيفية حلها، نقلاً عن مراسلات أجراها "بعض الأخوة معهم في طهران"، وفق قوله.

بدأت العلاقة بين سيف العدل مع الحرس الثوري في 2002، وكان مصطفى حامد (مؤرخ القاعدة وصهر سيف العدل) هو الرجل الذي ساهم في الوساطة مع الإيرانيين، الذين هدفوا إلى اتفاق يضمنون من خلاله توجيه عمليات التنظيم إلى أمريكا والعرب، وليس إليهم أو إلى حلفائهم.

بين عامي 2010 و2011 سمحت إيران لأسرة أسامة بن لادن، وعدد من قادة التنظيم، ومنهم أبو الخير المصري، الرجل الثاني، بالذهاب إلى سوريا، ضمن صيغة تفاوضية قضت بتسليم التنظيم للدبلوماسي الإيراني حشمت الله زادة (الذي اختطف في شمال باكستان شتاء 2008).

نجح سيف العدل في إحكام قبضته على خيوط اللعبة داخل تنظيم القاعدة

في بحث نشره (مركز صنعاء للدراسات) أنّ سيف العدل نجح في جعل فرع التنظيم باليمن لا يوجه عملياته ضد الحوثيين، وساهم تولي قاسم الريمي، وتشابه الخبرة التاريخية بينهما، في التقارب بين الرجلين بصورة كبيرة، فكل منهما كان مسؤولاً عسكرياً في التنظيم، وتولى تنسيق العمليات الخارجية والمهام الأمنية، وفي عام 2016 أوفد الريمي أحد أخلص رجاله (رشيد الصنعاني) وبحوزته مبالغ نقدية كبيرة نهبت من المكلا إلى منطقة نائية على إحدى السواحل الإيرانية، والتقى بسيف العدل بحضور ضباط من الحرس الثوري الإيراني، وجعل ابنه يعود مع الوفد إلى اليمن، الذي يحظي بعدة ألقاب منها (محمد الحضرمي) و (ابن المدني). وقد توطد دور نجل سيف العدل في اليمن بشكل مطرد، وأصبح إحدى حلقات الوصل الرئيسية بين فرع التنظيم اليمني ووالده في إيران، لا سيّما بعد مقتل قاسم الريمي عام 2020.

نجح سيف العدل في إحكام قبضته على خيوط اللعبة داخل تنظيم القاعدة على (3) مراحل؛ وهي تعزيز نفوذه الشخصي على القيادات الإقليمية في اليمن والصومال وسوريا، وربط علاقات متينة بين الرجال الموالين له داخل قيادات الأفرع المختلفة، وإضعاف العلاقة بين الفروع الإقليمية وبين القيادة المركزية في أفغانستان، ومن ثم قطعها تماماً.

من المعروف أنّ أعضاء مجلس شورى القاعدة في عهد الظواهري هم: صهر الظواهري أبو دجانة الباشا، وحمزة الغامدي، وأبو همام الصعيدي، وأبو عمر المصري، وعبد الرحمن المغربي، وأبو زياد العراقي، وأبو الخير المصري، وأبو محمد المصري، وسيف العدل المصري، وأبو بصير الوحيشي، وأبو حذيفة السوداني، وأبو إخلاص المصري. وأهم قادة الفروع لديه هم: إياد أغ غالي (مالي)، وأبو همام السوري، سمير حجازي (حراس الدين سوريا)، وأبو حذيفة السوداني، وأمين محمد الحق صام خان (أفغانستان)، وأحمد ديري (الصومال)، وخالد باطرفي (اليمن)، وجلّ هؤلاء يعترضون على تلقي العدل بعض التدريبات في طهران، وهذا يشكك فيه عناصر القاعدة، ويجعلهم في ارتياب منه، حيث إنّ الفرع الشامي من التنظيم يرفض إيران وفصائلها وسياساتها فقهياً وحركياً، ويرفض تولي العدل قمة التنظيم.

بين عامي 2010 و2011 سمحت إيران لأسرة أسامة بن لادن، وعدد من قادة التنظيم بالذهاب إلى سوريا

ورغم جملة الاعتراضات، فقد تولى العدل قمة قيادة التنظيم، ورجحت مصادر الـcia  دوراً كبيراً لإيران في هذا الأمر، لأنّ ذلك يعطي تأثيراً كبيراً لها على سياساته العامة، فيمنع العمليات الموجهة للشيعة وللمصالح الإيرانية، وتصبح عملياته رهينة السياسة الإيرانية، خاصة في اليمن والعراق.

وبتولي العدل الموجود بطهران القيادة، يعود الآن التنظيم إلى ما يُسمّى قتال العدو البعيد، وليس القريب المحلي، والاندماج بين الفصائل القريبة، مثلما جرى في سوريا من تشكيل قوة من فصيل (حراس الدين) و(لواء المقاتلين الأنصار) و(تنسيقية الجهاد) و(جماعة أنصار الدين)  و(أنصار الإسلام)، بقيادة (أبو العبد اشداء)، الذي ألقت هيئة تحرير الشام القبض عليه مؤخراً.

تنظيم القاعدة قوي في هوامشه وفروعه، وضعيف في مركزه، وفي بعض المناطق مثل سوريا، حين واجه قوات أكثر جاهزية، لكنّ أكبر عامل من عوامل ضعفه حالياً هو تشظيه وارتهان قيادته المركزية لدولة أخرى، وهي إيران

وبدا من العدد الأخير من جملة (أمّة واحدة)، لسان حال التنظيم، صدر في شهر تشرين الأول (أكتوبر) 2023، كيف أنّ عملياته الموجهة، وتهديداته بالقيام بأخرى، تتجاوز الخلاف العقدي والفقهي مع حكام إيران، بل تتماشى تماماً مع السياسة الخارجية الإيرانية، وتتجاوز الخلاف المذهبي، ولا تستهدف المصالح الإيرانية.

وأقرب مثل على ما سبق هو فرع التنظيم في سوريا، وهو جماعة (حرّاس الدين)، الذي لم يصدر عنه خلال العام الماضي سوى بيان واحد حمل عنوان: "ألا اشهدوا أنّ دمهم هدر"، حيث أدان حرق القرآن في بلجيكا والسويد، وقام بإدانة ووصف هذه الأفعال بـ "المريبة والإجرامية"، وبدا أنّه يعاني حالياً من رفض الأردنيين قيادة السوريين اعتماداً على فشل التجارب السابقة، ومنها تجربة قيادة الجولاني، والصراع بين المرجعيات الشرعية (أبو محمد المقدسي)، و(أبو قتادة) و(أبو بصير الطرطوسي)، وحرب الاغتيالات واصطياد القيادات من قبل الطيران الأمريكي، عن طريق طائرات “R9X” أ” Hellfire AGM-114R9X، القادرة على الاغتيال دون تفجير وبلا شظايا، وقد طالت بنجاح ودقة كوادر للتنظيم في سوريا.

الخلاصة؛ هي أنّ تنظيم (القاعدة) قوي في هوامشه وفروعه، وضعيف في مركزه، وفي بعض المناطق مثل سوريا، حين واجه قوات أكثر جاهزية، لكنّ أكبر عامل من عوامل ضعفه حالياً هو تشظيه وارتهان قيادته المركزية لدولة أخرى، وهي إيران.

مواضيع ذات صلة:

اليمن: تخادم الحوثي والقاعدة برعاية إيرانية

إرهاب داعش والقاعدة في أفريقيا يتمدد ولا ينحسر

القاعدة والحوثي... أدلة جديدة تظهر العلاقة الوطيدة



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية