"مستوطنات" أردوغان في عفرين السورية... تجمعات للنازحين أم تغيير ديموغرافي؟

"مستوطنات" أردوغان في عفرين السورية... تجمعات للنازحين أم تغيير ديموغرافي؟


09/06/2022

"عفرين" قد يعني الاسم الكثير بالنسبة إلى العرب والأكراد على حدٍّ سواء، غير أنّه بالنسبة إلى تركيا ليس سوى مجرّد حجر على خريطة أهدافها الاستعمارية ترتع فيه كيف تشاء ووقتما تشاء، فالأكراد بالنسبة إلى أنقرة مصدر أرق وقلق لخليفة القرن الـ21 العثماني رجب طيب أردوغان، وفي قول آخر، الرئيس التركي الذي وصل اضطهاد الأكراد في فترة حكمه إلى ذروته، ولا سيّما بعد احتلال مناطق شاسعة من الأراضي السورية تحت ذريعة ملاحقتهم.   

لا يمكن اختزال ما يجري في عفرين السورية بكلمة "احتلال"، فقد أفضى العدوان التركي إلى تهجير أكثر من 75% من أهالي المنطقة الكرد وإحالتهم إلى منافي التهجير في منطقة الشهباء، في حلقة جديدة من مسلسل التغيير الديموغرافي للمدينة الشمالية السورية، وفق ما أورد موقع "عفرين بوست".

 تغيير ديموغرافي

التغيير الديموغرافي هو تغيير التركيبة التاريخية للسكان الأصليين عبر نقل كتل سكانية كبيرة من منطقة أخرى، وهو ما تعرّض له العديد من المناطق السورية، إلا أنّ وتيرته في عفرين أسرع وأعمق، بسبب تركيبتها وخصوصيتها الكردية.

صور تُظهر قرية "كويت الرحمة" التي تمّ بناؤها كجزء من "التجمّع السكني" الذي تمّ بناؤه على سفح جبل الأحلام

وبعد تهجير نحو 75% من الأكراد قسراً من عفرين، أعاق الاحتلال التركي والميليشيات التابعة له عودتهم بعد احتلال المنطقة في 2018، وتدفقت موجات من المرحّلين من أهالي مدن وبلدات الغوطة السورية إلى عفرين. وبالنظر إلى آخر دفعة من المرحلين من (دوما) في نيسان (أبريل) 2018، يتضح أنّ التغيير الديموغرافي كان على رأس أولويات الاحتلال التركي، وتم الاستيلاء على معظم البيوت التي تركها أهلها، ولم يستطع كلّ العائدين استعادة بيوتهم.

" مستوطنات بشرية"

سلّط تقرير لمنظمة "سوريون من أجل الحقيقة والعدالة"، على موقعها الرسمي على الإنترنت، الضوء على قيام فصائل الجيش الوطني السوري، الموالي لتركيا والمدعوم منها، بموافقة أنقرة، ببناء واحدة من أكبر "المستوطنات البشرية"، التي خُصصت في معظمها لإسكان مقاتلي الجيش الوطني السوري/ المعارض وعائلاتهم في منطقة عفرين، التي شكّل الكرد السوريون النسبة الأعظم من عدد سكانها تاريخياً.

 

بُنيت هذه المستوطنات البشرية على مساحة شاسعة في "جبل الأحلام"، التي تشكّل جزءاً من جبل الأكراد

 

ووفقاً للمنظمة الحقوقية، بُنيت هذه "المستوطنات البشرية" على مساحة شاسعة في المنطقة المعروفة محلّياً باسم "جبل الأحلام"، والتي تشكّل جزءاً من جبل الأكراد؛ الترجمة العربية للتسمية التركية (Kurd Dag) ، والتسمية الكردية  (Çiyayê Kurmênc)، ويتميز بموقع استراتيجي مهم، كونه يطلّ على مركز مدينة عفرين، ويفصل بين مناطق السيطرة التركية الحالية من جهة، ووحدات حماية الشعب والقوات الحكومية السورية، وعدد من القواعد الروسية، من جهة أخرى.

 ضوء أخضر

على مدار الأشهر الماضية جمعت المنظمة عدداً من الإفادات التي أكدت أنّ والي ولاية "هاتاي" التركية، رحمي دوغان، هو أحد المسؤولين المباشرين عن بناء ذلك "التجمّع"، من خلال إعطاء الضوء الأخضر لعدد من المنظمات الإغاثية المحلية والدولية من جهة، والمجلس المحلي لمدينة عفرين من جهة أخرى، للبدء ببناء "التجمّع" على سفح الجبل وتخديمه، بعد أن عرضت مجموعة من الفصائل المعارضة، وعلى رأسها "الجبهة الشامية"، فكرة المشروع على السلطات التركية.

 

الإفادات أكدت أنّ والي ولاية "هاتاي" التركية رحمي دوغان هو أحد المسؤولين المباشرين عن بناء ذلك "التجمّع"

 

 تجاوز دور بعض المنظمات تقديم "الخدمات العامّة" لعائلات المقاتلين، إلى بناء قرى بأكملها، وذلك لإضفاء صبغة مدنية على المشروع المخصص أساساً لإسكان المقاتلين وعوائلهم؛ منها قرية "كويت الرحمة" التي بُنيت بدعم من "جمعية الرحمة العالمية" ومتبرعين من دولة الكويت، على حدّ قول منظمة "سوريون من أجل الحقيقة والعدالة"، نقلاً عن "جمعية شام الخير الإنسانية" التي نفّذت المشروع.

وكانت صحيفة "الوطن" الكويتية قد كشفت، في تقرير لها بتاريخ 2 أيلول (سبتمبر) 2021، أنّ هذه القرية المنشأة (كويت الرحمة) هي واحدة من مجموعة من "القرى النموذجية" التي سوف يتمّ بناؤها على الحدود التركية السورية.

 وثائق الملكية

لم يقف الأمر عند احتلال الأراضي، بل عمدت تركيا عبر واليها "دوغان" إلى توزيع "صكوك الملكية" على السكان الجدد، فقد أفادت المنظمة أنّ المجلس المحلي لمدينة عفرين، الذي تمّ تشكيله من قبل الحكومة التركية بعد احتلالها عسكرياً كامل المنطقة عام 2018، وبموافقة من "دوغان"، على منح وثيقة تمّ تداول اسمها على أنّها "ورقة تخصيص"، وتقول "سوريون من أجل الحقيقة والعدالة" إنّها تُعتبر بمثابة "إثبات ملكية للبناء" دون الأرض.

والي ولاية "هاتاي" التركية، رحمي دوغان

وبحسب المنظمة السورية، بدأ التخطيط لإنشاء التجمّع (قرية كويت الرحمة والمساكن المحيطة به) على مساحات واسعة في "جبل الأحلام" مطلع عام 2021، وما تزال عمليات البناء مستمرة حتى تاريخ الانتهاء من إعداد هذا التقرير في شهر أيار (مايو) الماضي، ومن المخطط أن تمتد لتشمل "جبل الأحلام" كاملاً.

 هؤلاء متورطون

اللافت والمؤسف أنّ أردوغان يستعين بأيادٍ سورية لتنفيذ هذا المخطط الديموغرافي الخطير، فقد كشفت المنظمة الحقوقية أنّ (9) فصائل تتبع للجيش الوطني السوري، التابع للائتلاف السوري المعارض، "متورطة" بشكل أساسي في هذا المشروع، وعلى رأسها "الجبهة الشامية" بقيادة مهند الخلف المعروف باسم أحمد نور.

وقد لعب رجال الدين في تلك الفصائل دوراً كبيراً في ترغيب المقاتلين بتسجيل أسمائهم، وفي عمليات تقسيم المنطقة، ولاحقاً توزيع الأراضي على المقاتلين وعائلاتهم، على حدّ تعبير المنظمة، التي كشفت كذلك عن تورط عدد من المنظمات المحلية والدولية في عملية الترويج للمشروع ودعمه، وأنّه يهدف لاستفادة المدنيين منه بشكل أساسي، في حين أفادت الشهادات أنّ مقاتلي فصائل الجيش الوطني وعائلاتهم المنحدرة من مناطق ريف دمشق وحمص وحماة، كانوا المستفيدين الأساسيين من المشروع، حيث بلغت نسبة المستفيدين المدنيين نحو 25%.  

من أبرز هذه المنظمات هي منظمة هيئة الإغاثة الإنسانية التركية IHH، التي قدّمت مواد بناء لكلّ مستفيد قدّرت قيمتها بنحو (1000) دولار أمريكي.

تجدر الإشارة إلى أنّ الموقع الذي بُني فيه ما يطلق عليه أردوغان وأعوانه "التجمّع السكني"، وهو "جبل الأكراد/ جبل حلب"، تمثل مساحته ما يساوي 2% من عموم مساحة سوريا، وهو منطقة أحراش، ويُعتبر الغطاء النباتي الأكبر في محافظة حلب، وقد تمّ اقتلاع مساحات واسعة من الأشجار/ الأحراش، وبناء مبانٍ اسمنتية عوضاً عنها.

مواضيع ذات صلة:

ماذا فعلت تركيا في عفرين السورية بعد 3 أعوام من الاجتياح؟

كيف وصل زيت زيتون عفرين السورية إلى أمريكا؟.. "ديلي بيست" تجيب

عفرين: سجون وأقبية سريّة للتعذيب بإشراف فصائل موالية لتركيا



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية