في انتظار قمة ثانية لـ «دعم مجموعة دول الساحل الإفريقي الخمس» تعقد في بروكسل مطلع شباط (فبراير) المقبل، ستحاول فرنسا وألمانيا، ومعهما الولايات المتحدة ودول أخرى معنية، إقناع الجزائر بالمشاركة في هذا الجهد الإقليمي الدولي لمكافحة الإرهاب، خصوصاً أنها عانت وتعاني من هذا الخطر وتملك خبرة يفترض أن تعزز حفظ دول الساحل لئلا تلقى مصير العراق وسورية بعد ما أخذ الإرهاب ينتقل إلى الدول الخمس: موريتانيا ومالي وبوركينا فاسو والنيجر وتشاد. لكن الجزائر تهتم الآن بحفظ أمنها الداخلي من مواطنيها المقاتلين في الخارج ضمن جماعات إرهابية، وقد أرسلت 226 مذكرة توقيف دولية بحق عدد من هؤلاء معظمهم يحمل جنسية ثانية.
مساهمة الجزائر ومعها السنغال في مكافحة الإرهاب في دول الساحل، تبدو ضرورية في نظر الفرنسيين والألمان والبلجيكيين، فهاتان الدولتان غابتا عن القمة الأولى لـ «دعم مجموعة دول الساحل الأفريقي» التي عُقدت في 13 الجاري في سين سان كلو- فرنسا، وهما مدعوّتان إلى القمة الثانية ليكتمل بهما عقد الدول الأفريقية والأوروبية والعربية المتعاونة لإنقاذ دول الساحل من الإرهاب قبل أن يستفحل.
الجزائر تقدّم خبرتها في قمع الإرهاب والسنغال يقدّم نموذجه في تحصين المجتمع بتحسين الإدارة وتفهّم حاجات الفئات المهمّشة. وربما يرجع تمنُّع هاتين الدولتين عن حضور القمة الأولى وتحفّظهما عن حضور الثانية، حتى الآن، إلى عدم ثقتهما بالإدارة السياسية والاقتصادية للدول الخمس المهدّدة بالإرهاب، فالأمر يحتاج إلى ردع من قوى أمن شرعية تملك الهيبة والقدرة، بقدر ما يحتاج إلى إدارة سياسية يقبلها المجتمع ولا تتسبب في انقسامه نتيجة فساد أو انحياز قبلي أو إتني أو جهوي أو طبقي.
ويبدو التعاون واضحاً بين الأمم المتحدة والاتحاد الأفريقي ودول أوروبية وعربية رئيسية لدعم قوة مشتركة تحفظ الدول الخمس من الإرهاب. ومهّدت فرنسا لذلك حين أفشل جيشها سيطرة إرهابيين على شمال مالي، لكن الوقت لا يسمح باستمرار فشلهم فدولة مالي تتفكك على وقع هجمات إرهابيين يحملون عناوين متعددة، أبرزها أخيراً «نصرة الإسلام والمسلمين» و «أنصار الدين» بفروعها المتعدّدة التي تجذب إرهابيين متمرّسين من ليبيا ومما قبل ليبيا، سورية والعراق.
لا وقت للانتظار، لذلك يسارع المعنيون إلى تشكيل قوة مشتركة من 5 آلاف عنصر تتخذ من مالي مقراً لقيادتها، وبدأت طلائع هذه القوة التي ستكتمل في أواسط العام 2018 تقوم بعمليات عسكرية ضد الإرهابيين المتسللين في منطقة الحدود الثلاثة بين مالي والنيجر وبوركينا فاسو. ويتطلب تشكيل القوة 250 مليون يورو للانطلاق على أن تكون موازنتها السنوية 60 مليون يورو. لذلك بادرت المملكة العربية السعودية على لسان وزير خارجيتها عادل الجبير بتقديم 100 مليون يورو للانطلاقة، وقدّمت الولايات المتحدة 60 مليون يورو (اشترطت الدفع مباشرة وليس بواسطة الصندوق المشترك) والاتحاد الأوروبي 50 مليوناً ودولة الإمارات 30 مليوناً، كما وعد كلٌّ من الدول الخمس بدفع 10 ملايين.
الوقت ينفد، ودولة مالي تواجه مجدداً خطر التفكك مع ضربات الإرهاب والفقر وفشل اتفاق السلام الداخلي الذي عملت فرنسا على إنجازه بمساعدة الجزائر. ويشكل وضع مالي نموذجاً لمظاهر التفكّك التي تجذب الإرهاب من أماكن بعيدة وتقدم له بيئات حاضنة. ولكن، كما أن الإرهاب نجح في تكوين وحدات قتالية مشتركة على طريقته، فالمطلوب من الدول الأفريقية الخمس المهدّدة أن تشكل وحداتها القتالية المشتركة مستندة إلى حاجتها الموضوعية للأمن، وإلى دعم أوروبي وعربي وأميركي يقدّم التمويل والنصح السياسي، على الأقل، لئلا تعرقل مكافحة الإرهاب خطط الدول الأفريقية لمكافحة الفقر، وهذا ما يحصل الآن.
معظم زعماء أوروبا يرى أن خطر الإرهاب سيأتي هذه المرة من أفريقيا بعدما تم ضربه إلى حدّ بعيد في المشرق العربي، والحرب ضده مصلحة وطنية عليا لدول أوروبا، خصوصاً أن الإرهابيين يمكن أن يتخفّوا بين المهاجرين غير الشرعيين، أو أنهم نفذوا ذلك فعلاً.
محمد علي فرحات-عن"الحياة"