مسارات متوازية:هل يتطلب الاستقرار في الشرق الأوسط أكثر من مجرد صفقة مع إيران؟

مسارات متوازية:هل يتطلب الاستقرار في الشرق الأوسط أكثر من مجرد صفقة مع إيران؟


27/02/2021

ميرفت زكريا

ترك الرئيس الأمريكي السابق دونالد ترامب مجموعة من الملفات التي قد لا تبدو هينة مع إيران لخلفة جوبايدن والتي تتمثل في القضية النووية وترسانة الصواريخ الباليستية، فضلاً عن النفوذ الإيراني المتصاعد في بعض دول المنطقة والذي يعتبر أحد العوامل المساهمة في عدم الاستقرار في الشرق الأوسط.

وفي هذا السياق، تشير مديرة برنامج الشرق الأوسط وشمال أفريقيا في معهد تشاتام هاوس سانام الوكيل إلى أن خطة العمل المشتركة الشاملة تعد أول هذه المخاوف وأكثرها إلحاحاً، ولاسيما بعد الانسحاب الأمريكي في مايو لعام 2018 وما خلفه ذلك من انتهاكات إيرانية أدت إلى تقليل الفترة الزمنية اللازمة لانتاج القنبلة النووية من سنة واحدة إلى عدة أشهر.

ورغم تأكيد الطرفين الأمريكي والإيراني على العودة إلى الالتزام بالاتفاق النووي طالما أن الطرف الآخر سيفعل الشيء ذاته، لكن يتطلب هذا الأمر معالجة نقاط الضعف التي تعتري هذه الصفقة، والتي تشمل الجداول الزمنية الطويلة والمحددات التي يمكن من خلالها تفعيل آلية Snapback ، علاوة على الملفات التي لم تتضمنها الصفقة من الأساس مثل برنامج الصواريخ الباليستية والأنشطة الإقليمية المزعزعة للاستقرار.

ويخشى منتقدو الاتفاق النووي لعام 2015، سواء داخل الولايات المتحدة الأمريكية أو في إسرائيل والخليج، أن تتخلى إدارة بايدن عن نفوذها على إيران إذا عادت إلى الاتفاق دون تضمين القضايا السابقة، بل دعت هذه الأطراف البيت الأبيض إلى الدخول في مفاوضات جديدة، من خلال الالتزام بتخفيف العقوبات مقابل الاستمرار في حل هذه القضايا، وهو ما رفضته طهران مؤكدة على ضرورة العودة إلى الاتفاق النووي التى أبرمته مع إدارة أوباما.

وفي ضوء ذلك، رفضت دول الخليج وتل أبيب هذه المقاربة الإيرانية مبررين ذلك بأنهم يأملون  في سياسة أمريكية تساهم في ترويض التوترات الإقليمية المتصاعدة ومنع طهران من إثارة الأزمات مع دول الجوار، ولاسيما أن  حملة “الضغط الأقصى” التي اتبعها ترامب لم تحقق هذه الغايات، بل أدت لاحتجاز الناقلات في الخليج واستهداف منشآت النفط السعودية.

ومن هنا، تشير سانام إلى أنها حاولت بصحبة مجموعة من زملائها في معهد تشاتام هاوس الإجابة على السؤال الذى يمكنه المساهمة في حل هذه الإشكالية والذي تمحور حول الكيفية التي تستطيع من خلالها الولايات المتحدة الأمريكية معالجة التوترات الإقليمية المتعلقة بإيران على أفضل وجه، وهو ما تم من خلال إجراء مقابلات مع 210 خبير من صانعي السياسات الحاليين والسابقين في 15 دولة.

وشملت هذه المقابلات الدول الأطراف في الاتفاق النووي الإيراني مثل (الولايات المتحدة الأمريكية، والمملكة المتحدة، وفرنسا، وألمانيا) إلى جانب روسيا، والصين ، فضلاً عن بعض الدول المتورطة في أزمات نشطة في الشرق الأوسط، مثل إسرائيل، وفلسطين، وسوريا ولبنان، واليمن، والعراق، والمملكة العربية السعودية، والإمارات العربية المتحدة وإيران، وتمثلت الإجابة في المحوريين التاليين:

سياسات متعددة الأطراف

أجرت المجموعة البحثية التي تقودها سانام وكيل من يوليو إلى نوفمبر 2020  استبياناً حول أفضل السبل لإدارة وحل النزاعات في الشرق الأوسط، من خلال طرح بعض الأسئلة حول الصعوبات والتوترات الجيوسياسية الموجودة في المنطقة وكيف يمكن أن  تؤثر الانتخابات الرئاسية الأمريكية على البيئة الأمنية في المنطقة، وبحثت المجموعة خلال هذه المقابلات عن التصورات حول جذور التوترات الإقليمية مع إيلاء اهتمام خاص لدور إيران في سوريا والعراق ولبنان وفلسطين واليمن.

وخلال الإجابات وجدت المجموعة البحثية أن الخبراء السياسيون لا يتوقعون أن تتم معالجة القضايا الإقليمية بشكل شامل في حوار مباشر واحد مع إيران. كما لم يتوقع غالبية المستجيبين أن تتنازل طهران عن دعمها لوكلائها الإقليميين أو تحد من برنامج الصواريخ الباليستية. بل رأى معظمهم أن عزل إيران دائماً ما يأتي بنتائج عكسية مقارنةً بالمفاوضات ذات الطابع الإقليمي لحل مثل هذه القضايا. وفي ضوء ذلك، أوصى الخبراء بمعالجة كل صراع إقليمي على حدا، وبالتوازي، من خلال مناقشات متعددة الأطراف بين الجهات الفاعلة ذات الصلة.

فعندما تم سؤال المشاركين في الاستطلاع عن الخطوة الأولى التي قد تساعد في استقرار المنطقة، فضل 45٪ العودة إلى الاتفاق النووي الإيراني لعام 2015، وجادلوا بأن العودة إلى الاتفاق ستساعد في استعادة التعاون عبر الأطلسي، ووقف برنامج إيران النووي، وبناء الثقة بين طهران وواشنطن. علاوة على ذلك، فإن إحياء الاتفاق من شأنه أن يقلل التوترات الموجودة في دول  مثل العراق التي وقعت بين أقصى ضغط من واشنطن والمقاومة الشديدة من إيران.

ومع ذلك، شدد معظم الخبراء على أن الولايات المتحدة الأمريكية يجب أن تدخل الاتفاق النووي مرة أخرى مسلحة بخطة عمل واضحة لمعالجة أوجه القصور، وبخاصةً فيما يتعلق بحل النزاعات الإقليمية، مع العمل على ضمان استمرار هذه الألية قدر الإمكان، وهو ما يمكن أن يتم من خلال المشاورات التى تجريها إدارة بايدن مع شركائها الإقليميين والدوليين، وتأسيس المسارات الموازية التي من المتوقع أن تشارك في متابعة تنفيذها كافة الأطراف المعنية، على أن يكون ذلك أحد الشروط الأساسية لبدء التفاوض مع إيران؛ حيث يمكن إغراء هذه الأخيرة بتخفيف العقوبات وتنشيط حركة الاستثمار بالداخل الإيراني.

كما أوصى أكثر من 50 %من الذين تمت مقابلتهم بأن يكون المسار الأول الموازي هو الذي يجمع  كل الأطراف المشاركة في حرب اليمن، بما فيهم إيران، بينما يمكن أن يساهم المسار الثاني في دعم الحوار بين دول الخليج بغرض تعزيز الثقة والتعاون وتعزيز آليات حل النزاعات. أما عن المسار الثالث فيمكن أن يتضمن إحياء المفاوضات الإسرائيلية الفلسطينية، ومساراً رابعاً لحل الصراع في سوريا. وتقترح الكاتبة أن تكون هناك مجموعة من المسارات الأخرى التي من شأنها المساهمة في تعزيز التدابير المتعلقة ببناء الثقة على مستوى المنطقة في عدد من المجالات مثل الدبلوماسية الصحية، والسياحة الدينية، والتبادلات الشعبية، والتجارة، والبيئة.

القوة كمحدد للاستقرار

أكد الخبراء الذين تم استطلاع أرائهم بشأن حل القضايا العالقة مع إيران على أن الولايات المتحدة الأمريكية تتمتع بدور حاسم في تحقيق الاستقرار في المنطقة؛ حيث أشار المشاركون في الاستطلاع، إلى أن التزام الولايات المتحدة الأمريكية المتذبذب تجاه الشرق الأوسط من شأنه أن يولد حالة من عدم اليقين يؤدي في النهاية إلى تقويض أمن المنطقة، فمن بين الأشخاص الذين تمت مقابلتهم، كشف 33 % أن عدم اليقين الناشئ عن تناقضات السياسة الأمريكية جعل المنطقة أقل أمناً، ومن بين هؤلاء، كان 57٪ عراقيون، و 50٪ إماراتيون، و 45٪ سعوديون.

كما رأى 30٪ فقط من الإيرانيين و 23٪ من الإسرائيليين أن الولايات المتحدة الأمريكية تعتبر قوة استقرار في المنطقة، في حين أكد 50٪ من الأمريكيين  على أن واشنطن يمكن أن تلعب دوراً حاسماً في تسهيل مهمة عمل المسارات المتوازية.

أشارت الكاتبة إلى أن إدارة بايدن لديها فرصة جيدة لتخطى مساوئ  سياسة الولايات المتحدة الأمريكية مع دول الشرق الأوسط ولاسيما إيران التى خلفتها إدارة ترامب. وعليه، يمكن أن يكون عهد بايدن بداية لحقبة السياسات القائمة على المشاركة متعددة الأطراف وتهدئة الصراعات؛ حيث يمكن أن تدعم الولايات المتحدة الأمريكية دول الشرق الأوسط في اتخاذ خطوات تدريجية لمعالجة الصراعات الإقليمية، وخاصةً تلك التي تشمل إيران، وبالتالي، يمكن لمثل هذه العملية أن تساهم  في إرساء الأساس المبدئي لانفراج وحوار إقليمي أوسع في نهاية المطاف.

عن "مركز الإنذار المبكر"


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية