مريد البرغوثي.. ذكرى تنتظر حائط الوطن

مريد البرغوثي.. ذكرى تنتظر حائط الوطن


14/02/2022

تشاء الأقدار أن يتصادف رحيل الأديب الشاعر والأديب الفلسطيني الكبير مريد البرغوثي، مع اليوم الذي يحتفي فيه عشاق العالم بـ"عيد الحب"، تلك العاطفة التي لم يكن الراحل بحاجة ليوم مُحدّد حتى يعبر عنها  لرفيقة عُمره، الكاتبة المصرية رضوى عاشور، التي اختطفها الموت قبله بنحو 7 أعوام.

تمرّ اليوم الذكرى السنوية الأولى لرحيل البرغوثي عن عمر يناهز الـ77 عاماً، تاركاً خلفه 12 ديواناً شعرياً ونصيّن نثريين، وولداً وحيداً.. تميم الذي أورثه شيطان الشعر؛ ليكتسب الابن شهرة ربما فاقت الأب نفسه.

بعد زيارته بلاده والتي لم تدم طويلاً لعدم حصوله على تصريح إسرائيلي للإقامة في فلسطين، كتب روايته الشهيرة "رأيتُ رام الله"

ولد مريد في قرية دير غسانة شمال غرب مدينة رام الله يوم 9 تموز (يوليو) من العام 1944، وتلقى تعليمه في مدرسة رام الله الثانوية، وسافر إلى مصر العام 1963 والتحق بجامعة القاهرة وتخرج في قسم اللغة الإنجليزية وآدابها العام 1967، وهو العام الذي احتلت فيه إسرائيل باقي الأراضي الفلسطينية فيما يعرف بـ"النكسة"، ومنعت جميع الفلسطينيين المتواجدين في الخارج من العودة إليها.

اقرأ أيضاً: 48 عاماً على اغتيال الأديب الفلسطيني غسان كنفاني

 ولم يتمكن الشاعر الراحل من العودة إلى مدينته رام الله إلا بعد 30 عاماً من التنقل بين المنافي العربية والأوروبية، وعبّر البرغوثي عن مرارة المنع من العودة لبلاده والتهجير القسري الذي يعيشه في أحد نصوصه قائلاً: "نجحت في الحصول على شهادة تخرّجي وفشلتُ في العثور على حائط أعلِّق عليه شهادتي".

الزيارة الأولى لفلسطين

وبعد زيارته بلاده والتي لم تدم طويلاً لعدم حصوله على تصريح إسرائيلي للإقامة في فلسطين، كتب روايته الشهيرة "رأيتُ رام الله"، التي قال فيها "لا غائب يعود كاملاً، لا شيء يُستعاد كما هو"، وتناول فيها سيرته الذاتية.

 وصف إدوارد سعيد هذه المذكرات بأنّها واحدة من أفضل الروايات الوجودية عن تهجير الفلسطينيين

وتحدث البرغوثي في روايته الحاصلة على جائزة نجيب محفوظ للإبداع الأدبي العام 1997، شجاعة صديقه الرسام الفلسطيني ناجي العلي، الذي اغتالته إسرائيل في لندن العام 1987. ووصف زميله الكاتب الفلسطيني، إدوارد سعيد، هذه المذكرات بأنّها واحدة من أفضل الروايات الوجودية عن تهجير الفلسطينيين.

وبعد 12 عاماً صدرت لمريد البرغوثي روايته الثانية "وُلدت هناك، ولدت هنا"، التي اعتبرت امتداداً لروايته الأولى عن زيارته لفلسطين، وفيها كتب: "بوسعنا الآن أن نقول لأطفالنا إنّ النعاس لن يظل نصيبهم إلى الأبد، ولا إلى بعض الأبد. لكن علينا أن نعترف لهم ولأنفسنا قبلهم بأنّنا مسؤولون أيضاً. جهلنا مسؤول. قصر نظرنا التاريخي مسؤول، وكذلك صراعاتنا الداخلية، وخذلان عمقنا العربي".

رغم معارضة أسرتها لذلك الحب إلّا أنّ رضوى العنيدة أصرّت على حُبّه، وتمكنّا في العام 1970 من عقد قرانهما

أصدر مريد 12 مجموعة شعرية: "الطوفان وإعادة التكوين" العام 1972، و"فلسطيني في الشمس" 1974، و"نشيد للفقر المُسلّح" 1976، و"سعيد القروي وحلوة النبع" 1978، و"قصائد الرصيف" 1980، و"الأرض تنشر أسرارها" 1987، و"طال الشتات" 1987، و"عندما نلتقي" 1990، و"رنة الإبرة" 1993، و"منطق الكائنات" 1996، وزهر الرمان 2000، و"منتصف الليل" 2005.

اقرأ أيضاً: غسان كنفاني: رواية لم تكتمل

وشارك البرغوثي خلال حياته في عدد كبير من اللقاءات الشعرية ومعارض الكتاب الكبرى في العالم، وقدّم محاضرات عن الشعر الفلسطيني والعربي في جامعات القاهرة وفاس وأكسفورد ومانشستر وأوسلو ومدريد وغيرها، وتم اختياره رئيساً للجنة التحكيم جائزة الرواية العربية عام 2015.

وكان الراحل قد احتفى بصدور ديوانه الشعري "مملكتي من هذا العالم" باللغة الإسبانية في تشرين الأول (أكتوبر) من العام 2021، أي قبل وفاته ببضعة أشهر.

رضوى عاشور.. ضحكتها صارت بيتي

والتقى مريد ورضوى على سلم المكتبة المركزية، بجامعة القاهرة، حيث انتبهت رضوى لذلك الطالب الذي يُلقي الشعر، وحينها توقفت عن محاولة كتابة الشعر، عندما تأكدّت أنّ ذلك الطالب يكتب شعراً حقيقياً، تلك كانت المرة الأولى التي ترى فيها رضوى حبيبها، لكنها لم تكن الأخيرة.

ورغم معارضة أسرتها لذلك الحب، إلّا أنّ رضوى العنيدة أصرّت على حُبّه، وتمكنّا في العام 1970 من عقد قرانهما ليصبح الاثنان عائلة، كما قال مُريد ذات مرة، وألحق تلك الجملة بـ"وضحكتها صارت بيتي".

ثم عادت الحدود والسياسة لتبعده عن رضوى؛ إذ اضطر لمُغادرة مصر أيضاً في العام 1977، بعد سجنه ثم ترحيله إلى المجر، بسبب انتقاده لزيارة الرئيس أنور السادات لإسرائيل، وظل ممنوعاً من العودة لمصر لمدة 7 أعوام. وفي نفس عام الترحيل وُلِدَ ابنه "تميم".

بعد رحيلها استمر مريد في إخلاصه لحبيبته رضوى بسعيه لنشر أعمالها الأدبية التي لم تر النور في حياتها

وأنجبت رضوى "تميم" ووالده كان في المنفى، حيث اضطرت لحمل رضيعها لرؤية والده، الذي مُنع أيضاً من الإقامة مع عائلته في مصر بعد انتهاء الـ7 أعوام وهي مدة النفي المقررة، ليضطر الشاعر الفلسطيني الذي قاسى الشتات والبُعد عن العائلة منذ بداية حياته، لتحمّل 10 أعوام أخرى من البعد باستثناء زيارة سنوية لمدة أسبوعين فقط، كانت تسمح بها السلطات المصرية.

وظلّ قلب مُريد ينبض لرضوى، التي حاربت المرض لمدة 35 عاماً، حتى قضى عليها ورم في الدماغ في العام 2014 عن عمر يناهز الـ68 عاماً.

 بعد 12 عاماً من روايته الأولى صدرت له "وُلدت هناك، ولدت هنا"، التي اعتبرت امتداداً لها

وبعد رحيلها، استمر مريد في إخلاصه لحبيبته رضوى، بسعيه لنشر أعمالها الأدبية التي لم تر النور في حياتها تارة، وبكتابة قصائد في حبها تارة أخرى، حتى أنّه قال في حفل تأبين لها في جامعة "عين شمس"، حيث عملت رضوى كأستاذة طيلة حياتها الأكاديمية: "من ينشغل بحزنه على فقد المحبوب، ينشغل عن المحبوب. الآن أطلب من حزني أن يتّجه إلى أقرب بوابة ويغادر، هادئاً كما أشاء، أو هادراً كما يشاء".

اقرأ أيضاً: 10 حقائق قد لا يعرفها الكثيرون عن غسان كنفاني

حمل الشاعر الفلسطيني همّ شعبه طوال حياته وبقي ملتصقاً ومدافعاً عن قضيته، وفي الوقت نفسه ظل بعيداً عن الأحزاب السياسية، ولم يتوانَ عن نقدها كلما سنحت له الفرصة، متشبثاً بالدور النقدي للمثقف، وبضرورة استقلالية الإبداع، ففي العام 2000 انتقد السلطة الفلسطينية وخياراتها السياسية بحضور قياداتها، وذلك خلال كلمة ألقاها بمناسبة حصوله على جائزة فلسطين في الشعر.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية