مذبحة تاجوراء الليبية.. حين يتفرق الدم الإفريقي بين الفصائل

ليبيا

مذبحة تاجوراء الليبية.. حين يتفرق الدم الإفريقي بين الفصائل


04/07/2019

ظلّ 616 لاجئاً ومهاجراً إفريقياً، جُلّهم من إثيوبيا وإريتريا والسودان وجنوب السودان، محتجزين لسنوات في مركز تاجوراء لإيواء اللاجئين الذي يبعد 11 كيلومتراً إلى الشرق من العاصمة الليبية طرابلس، يعيشون ظروفاً صعبة وبالغة التعقيد. 

اقرأ أيضاً: لماذا تدعم تركيا الميليشيات المسلحة في ليبيا؟!

وبينما هم في انتظار من ينتشلهم من هذه الظروف المعيشية اللاإنسانية فوجئوا، أمس، بغارة جوية تحصد العشرات منهم، بعد أن هربوا من الموت المجاني في بلدانهم المنهكة بالجوع والحرب، إلى واقع اكتشفوا أنّه لا يقل مرارة!

لاجئون إريتريون

تموز الأسود

كانت الأوضاع في ليبيا تتعقد أكثر فأكثر، لكنهم ظلوا مستعصمين بمعسكرهم ظناً منهم أنّهم بأمان بين أيدي الأمم المتحدة، لكن جاء فجر 3 تموز (يوليو) الحالي ليبدد كل تلك الآمال؛ عندما استهدفت غارة جويّة معسكر تاجوراء ذا النسق المعماري الإيطالي، وذهبت بأرواح 60 من اللاجئين على الأقل؛ إذ لا تزال هنالك أشلاء تحت الأنقاض قد تضاعف عدد القتلى، إضافة إلى جُرح أكثر من 130  لاجئاً.

أودت الغارة على مخيم تاجوراء بأرواح 60 من اللاجئين على الأقل إضافة إلى عشرات الإصابات

تقول اللاجئة الإرتيرية، ماريا دبريظين، إنّها هربت من الموت إلى الموت، "نعم لم أمت،  لكني كالموتى تماماً لا فرق"، مضيفة في حديثها لـ "حفريات" أنّها منذ أكثر من سنة وهي هنا "في هذا السجن الذي يطلقون عليه مركز إيواء، فالذين ماتوا بالقصف كانوا سيموتون بدونه أيضاً"، على حد تعبيرها.

وتتابع ماريا: "كانت الأمور تمضي على رتابتها وبؤسها دونما دماء، رغم أنّ أرواحنا كانت ممزقة، لكن أجسادنا تمزقت فجر الأربعاء بصورة بشعة وكأننا محض جرذان و(بهائم)، ما حدث كان إبادة مكتملة الأركان؛ لأن المتقاتلين الليبيين كلهم يعرفون تماماً موقع هذا المعسكر، وأنّ الذين بداخله لاجئون أبرياء".

جريمة حرب

من جهتها، وصفت الأمم المتحدة قصف مركز اللاجئين بأنّه يرقى لجريمة حرب،  وندد مبعوث الأمم المتحدة إلى ليبيا، غسان سلامة، بالغارة الجوّية على اللاجئين، مضيفاً أنّها "أخذت أرواحاً بريئة على حين غرّة، وأنّ بشاعة وعبثية الحرب الليبية تبدّت في أبشع صورها ومأساويتها في هذه المقتلة الدموية".

اقرأ أيضاً: بعد النفط.. المياه سلاح حرب جديد يرفع سخونة الصراع في ليبيا

لكن من الواضح أنّ بيانات المنظمة الأممية لم تخفف كثيراً من وقع الكارثة على بقية اللاجئين الذين التقتهم "حفريات"؛ كإدوارد منيان من جنوب السودان، الذي يقول إنّ "تصريحات سلامة ومنظمته لن تعيد إلينا من رحلوا، وإنّ الأمم المتحدة والدول الكبرى تتحمل المسؤولية القانونية والأخلاقية إلى جانب الطرف الليبي الذي ارتكب المجزرة".

لا تزال هنالك أشلاء تحت الأنقاض قد تضاعف عدد القتلى

يروي منيان بمرارة أنّه أخرج نفسي (وحده) من تحت الأنقاض، ليجد أنّ كل أصدقائه قد رحلوا "فماذا يفيدني التنديد والاستنكار؟ هل سيعيد أرواح أصدقائي؟"، مضيفاً: "لقد نجونا من الحرب في الجنوب، ثم نجونا من الموت في الصحراء ومن البيع كعبيد في ليبيا، وعندما اقتربنا من المتوسط قررنا أن نقاومه حتى نصل إلى حيث الإنسانية والحياة الكريمة والأمن في أوروبا فتخلوا عنا وتركونا نهباً لتجار البشر والموت، هنا في سجن تاجوراء الذي يطلقون عليه مركز إيواء، لا يهمنا من الذي قتلنا؛ فالجميع كانوا سيفعلون بنا ذلك في أي لحظة، كنا نعرف مصيرنا المحتوم وننتظر قدومه"!

أما اللاجئ الإثيوبي، تادلي كبدي، فيقول: "ماذا يفيد أن نعرف من الذي قتلنا؟، نريد من الأمم المتحدة نقلنا فوراً من هنا، إطلاق سراحنا من هذا السجن، وإيجاد أوطان بديلة لنا، إذا مكثنا هنا أكثر من ذلك فسوف يقضون علينا جميعاً، لماذا يقفون مكتوفي الأيدي ونحن نُباع ونُشترى ونُقتل؟".  

اتهامات متبادلة

لم تعلن أي جهة مسؤوليتها حتى الآن، وتبادلت الجهات المتحاربة الاتهامات؛ فحكومة الوفاق اتهمت الجيش الوطني الليبي بقيادة المشير خليفة حفتر، بقصف المركز، ودعت الأمم المتحدة إلى تكوين لجنة لتقصّي الحقائق، بذريعة أنّ هذه القوات تعهّدت بتوجيهه ضربات جوِّية ضد قوات حكومة الوفاق الوطني المناوئة بعد سيطرة الأخيرة على مدينة غريان.

اقرأ أيضاً: عشرات القتلى من المهاجرين في غارة جوية بليبيا.. مَن الفاعل؟!

من جهته، نفى الجيش الوطني الليبي، في بيان صادر عن المركز الإعلامي لعمليات الكرامة هذه الاتهامات جملة وتفصيلاً، وأكد أنّ فصائل متحالفة مع حكومة طرابلس قصفت المركز بعد أن نفذ الجيش الوطني ضدها ضربة جوية دقيقة أصابت معسكراً لها، وحمّل البيان حكومة الوفاق الإخوانية، بحسب تعبيره، تنفيذ هذه الجريمة و"محاولة إلصاقها بقواتنا المسلحة".

كل الأطراف تتقاسم المسؤولية الأخلاقية والقانونية عما جرى

من المسؤول؟

بعد هذه الجريمة، طالبت منظمة "هيومان رايتس ووتش"، الدول الأوروبية بعدم إعادة اللاجئين الذين يتم إلقاء القبض عليهم في عرض البحر المتوسط إلى لبيبا مُجدداً، مؤكدة أنّه ينبغي إجلاء الموجودين منهم فوراً. 

من جهتها، طالبت مفوضية الاتحاد الإفريقي في بيان لها، بتحقيق مستقل "لضمان محاسبة المسؤولين عن هذه الجريمة الرهيبة بحق مدنيين أبرياء"، فيما أعربت إيطاليا عن استيائها وإدانتها للقصف العشوائي على مواقع فيها مدنيون.

وصفت الأمم المتحدة قصف مركز اللاجئين بأنّه يرقى إلى جريمة حرب

وفي هذا السياق، يقول الخبير في حقوق الإنسان المحامي السوداني حاتم إبراهيم، إنّ كل الأطراف تتقاسم المسؤولية الأخلاقية والقانونية عما جرى "فالموتى من منسوبي السودان، جنوب السودان، إريتريا وإثيوبيا، حيث يتعرض مواطنو هذه الدول إلى كافة أنواع الاضطهاد والموت والقتل في بلدانهم، ولولا ذلك لما اختاروا هذه الطريقة في الانتحار"،  مؤكداً في حديثه لـ"حفريات" أنّ حكومات هذه الدول تتحمل المسؤولية.

كما يحمّل إبراهيم المسؤولية للأطراف المتنازعة في ليبيا، والاتحاد الإفريقي، والأمم المتحدة التي تكتفي بالتنديد والشجب، على حد تعبيره، "أما إيطاليا وبقية الدول الأوروبية فلا تزال سفنهم تمخر في المتوسط وتلقي القبض على هؤلاء اللاجئين وتضعهم بين يدي تجار البشر والميليشيات الليبية المتوحشة، ولولا تشدد اليمين الحاكم في إيطاليا لما حدثت هذه المقتلة الرهيبة التي تمثل إدانة للإنسانية وللضمير الجمعي للعالم كله".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية