مخاوف تونسية من تحول المساجد إلى ساحات دعاية للانتخابات

تونس

مخاوف تونسية من تحول المساجد إلى ساحات دعاية للانتخابات


16/04/2018

تنبعث كثير من المخاوف، مجدداً، لدى العديد من الأحزاب والحركات السياسية، غير الدينية والمثقفين التونسيين، مع اقتراب الانتخابات البلدية، المزمع إجراؤها، في الخامس من أيار (مايو) المقبل، والتي تعد أول انتخابات بعد الثورة. وسبب تلك المخاوف تقدم عدد من الخطباء، وأئمة المساجد، على القوائم الانتخابية، والخشية من استثمار مواقعهم الدينية، وتوظيف المساجد، كساحة للدعاية، والحشد الانتخابي، في مواجهة الخصوم السياسيين.
الدين وتوظيف القمع
منذ وصول حزب النهضة إلى سدة الحكم، في تونس، لم يكف عن محاولاته، في بسط هيمنته، على المجال الديني ومؤسساته، ناهيك عن مأسسة الشريعة، من خلال التشريعات الدستورية والنصوص القانونية، لضبط وتوجيه أشكال التدين وممارساتها السياسية والاجتماعية، لدى الأفراد؛ مثل، محاولات بعض أعضاء حزب النهضة وضع قانون، لتجريم ما أسموه "التجديف"، واستهداف مدير مجلة "التونسية"، على خلفية غلاف لامرأة، اعتبروه مسيئاً للاخلاق، وجريمة ضد الدين عام 2012.
كما أن قيادات حركة النهضة، ومن بينهم رئيسها راشد الغنوشي، دأبوا على تقديم دروس دينية، داخل المساجد ودور العبادة، بالشكل الذي انتقده سياسيون وناشطون، في المجتمع المدني، الذين اعتبروا في ذلك خلطاً بين الدور السياسي، أو بالأحرى الحزبي، بالشكل الذي يجعل من المسجد امتداداً للأخير.

أثناء خطبة جمعة حرض رئيس حركة النهضة راشد الغنوشي ضد المخالفين لمشروع قانون الأوقاف ووصفهم أنهم معادون للإسلام

وفي العام 2013، أثناء خطبة الجمعة، حرض الغنوشي، ضد المخالفين لمشروع "قانون الأوقاف"، ووصفهم أنهم "معادون للإسلام"، بالرغم من أن المشروع كان ما مازل محل نقاش، داخل المجلس الوطني التأسيسي.
وغداة تلك الفترة، كانت الأصوات التكفيرية، تنطلق من المنابر الدينية، ضد المعارضين، والخصوم السياسيين، فتتهمهم بالردة، لاسيما ما حدث، مع شكري بلعيد ومحمد البراهمي، اللذين اغتيلا لاحقاً.
بيد أن وزارة الشؤون الدينية التونسية، قامت على إثر ترشح أئمة وخطباء المساجد، في الانتخابات البلدية، بمجموعة من الإجراءات، من بينها استبعاد حوالي مائة شخص، من الأئمة والخطباء، ممن ترشحوا وحصر أسمائهم، بينما حذرت من توظيف دور العبادة، في الدعاية لأي طرف حزبي أو سياسي، ومنعت الحكومة الأئمة المرشحين، من ممارسة عملهم، لحين الانتهاء من الاستحقاق الانتخابي، بهدف ضمان نزاهة العملية الانتخابية.
وهو ما يتوافق مع الدستور التونسي، في الفصل السادس منه، الذي ينص على ضرورة حياد المساجد والإطارات المسجدية. ويقر نصاً: "الدولة راعية للدين، كافلة لحرية المعتقد والضمير، وممارسة الشعائر الدينية، ضامنة لحياد المساجد، ودور العبادة عن التوظيف الحزبي".
منذ وصول حزب النهضة لسدة الحكم بتونس لم يكف عن بسط هيمنته على المجال الديني ومؤسساته

الفصل بين الدعوة والسياسة مناورة سياسية

لكن، الشكوك المطروحة، تحصل على شرعيتها، في ظل الاستقطاب السياسي الموجود، في تونس، والنفوذ القوي الذي يتحرى تحقيقه حزب النهضة، من خلال تمديد سيطرته على منظومة الحكم المحلي، بعد الانتخابات البلدية، ومن ثم، يؤول إليه الحكم والهيمنة، على كامل مفاصل الدولة ومؤسساتها، وهو ما عبر عنه مسؤول السياسات، في حزب حركة نداء تونس، برهان بسيس، الذي حذر في تصريحات أعلنها للصحافة التونسية، من أن النهضة في حال فوزها بالانتخابات البلدية، ستحكم البلاد لمدة مائة عام مقبلة.
ولئن ظل حزب النهضة يستعين بالكوادر الدينية، أثناء خوضه للمعارك السياسية والانتخابية، ويحتل بعض الأئمة مواقع قيادية فيه، فإنه يكشف عن عدم ضمان الحياد التام، للمساجد في الانتخابات، وتهيئة مناخ مناسب، للموضوعية والنزاهة، في إدارة المؤسسات الدينية والإعلامية للعملية الانتخابية، وتأثيرها على نوايا الناخبين.

النهضة تستعين بالكوادر الدينية أثناء خوضها المعارك السياسية بما يكشف عدم ضمان الحياد التام للمساجد في الانتخابات

ويكشف ذلك أيضاً عدم جدية النهضة، في قرار فصلها بين الدعوي والسياسي، الذي سبق وأعلنت عنه، في أيار (مايو) 2016، الماضي، حيث تعود وتتحايل على الأمر، عبر تمريره وتوظيفه، من خلال قنوات وسيطة، بحسب ما يخدم أجندتها الانتخابية، وجعل المساجد ناطقه باسمه، ومحل خصومة بين السياسيين، التي تقوم على الشحن السياسي، من خلال خطاب الدين والهوية.
تحييد دور العبادة عن الدعاية الانتخابية
وبحسب الصفحة الرسمية لوزارة الشؤون الدينية التونسية، على موقع التواصل الاجتماعي "فيسبوك"، فإن حكيم عمايرية، مستشار وزير الشؤون الدينية، أكد أنه وبالرغم من وجود بعض الأئمة، الذين يعتلون منابر الجوامع، وفي نفس الوقت، لهم انتماءات سياسية، لكن، الوزارة شكلت فرق مراقبة، يترأسها الوعاظ الدينيون، في كل محافظة، بغية مراقبة مضامين خطب الجمعة، لتفادي سقوط بعض الأئمة، في خطابات سياسية، قد يشوبها تحريض ضد بعض المرشحين، أو استقطاب لحزب سياسي معين.
وأضاف، عمايرية، أن المراقبة ستكون شديدة ومنتظمة، موضحاً "أن العقوبات ستكون صارمة، لكل إمام أو مشتغل بالحقل الديني، يحاول توظيف دور العبادة، لخدمة أجندة سياسية انتخابية، لأي طرف حزبي، وفي مقدمة تلك العقوبات، هي الإعفاء والشطب النهائي من هياكل الوزارة".
دأب الغنوشي على تقديم دروس دينية بالمساجد الأمر الذي اعتُبر خلطاً بين الدور السياسي والديني

الإخوان والنهضة

أكد مصطفى أمين عامر، الباحث في شؤون الجماعات الإسلامية، في حديثه لـ"حفريات"، أن وضع حزب النهضة، في تونس لأئمة وخطباء المساجد، على قوائم الترشح، في الانتخابات البلدية، أمر ليس بجديد، على الحالة الإسلامية، التى تصف نفسها بـ "الإصلاحية"، وفى المقدمة منها، جماعة الإخوان المسلمين.
واعتبر عامر، أن حالة الإخوان "التونسية"، الممثلة في حزب النهضة، لا تمثل وضعاً استثنائياً، حتى تحتاج إلى قنوات وسيطة وكوادر دينية، من خارجها، لتراهن عليهم، فى العمل السياسي؛ فالجماعة دائماً ما تعتبر نفسها "دعوية"، وتتفاخر بالدعاة المنتمين لها، بل وتدفع بهم إلى العمل الشعبي، الجماهيري والتنظيمي، وذلك إنطلاقاً من الوصايا العشرين، للمؤسس حسن البنا، التي لا تفصل على الإطلاق، بين الدعوة، كطريق ومنهج، يهدف إلى نشر أفكار التنظيم، وبين السياسة، كغاية للاستيلاء على السلطة، والقبض على مقاليد الحكم.
الدعاة يتصدرون المشهد
وكما حدث في مصر، تصدر دعاة الجماعة المشهد السياسي، قبل وبعد ثورة 25 كانون الثاني (يناير) 2011، حيث دفع التنظيم، بحسب عامر، بشيوخه إلى العمل السياسي، وعلى رأسهم عبد الحي الفرماوي، رئيس قسم التفسير وعلوم القرآن، في كلية أصول الدين، بجامعة الأزهر، والدكتور عبد الرحمن البر، عميد كلية أصول الدين، ويوسف القرضاوي، رئيس "الاتحاد العالمى لعلماء المسلمين"، وسيد عسكر، الأمين العام المساعد، لمجمع البحوث الاسلاميه السابق، ويتكرر الأمر نفسه، في تونس، وهو ما يؤكد أن الجماعة بامتداداتها، لا تفصل ولا حتى تستطيع أن تفك الارتباط العضوي، بين العمل الدعوي والسياسي.
وأعرب الباحث في شؤون الجماعات الاسلامية عن اعتقاده بأنّ "الدولة التونسية تشهد الآن حالة من "التدليس" و"التناقض"، من قبل جماعة الإخوان هناك، فى الوقت الذي تؤكد فيه على إيمانها، بمفاهيم "الوطنية والديمقراطية والمواطنة"، لكن، في الوقت ذاته نجدها تتمسك بمرتكزات "البنا"، ووصاياه، التي رسخ فيها أن الإسلام نظام شامل، تنصهر داخله الدولة والوطن والحكومة، داخل الأمة الإسلامية الواحدة، وهو ما يروج له بوضوح، خطباء الجماعة بقوة، وينفي عنهم فكرة، عدم خلط السياسة بالدعوة، والزهد في الوصول للسلطة.

الصفحة الرئيسية