"مجنون من يخالفنا الرأي".. مقولة سلفية تطل برأسها في تونس

"مجنون من يخالفنا الرأي".. مقولة سلفية تطل برأسها في تونس


16/07/2018

"في بلادنا، تصبح الآراء المخالفة للسلفية الدينية مرضا نفسيا، ويمسي الكامبينغ والعمل الجمعياتي أعراضا انتحارية، ويفسّر الوشم واختيار الهيئة ولون الشعر وطلاء الأظافر تشبها بالشياطين (…) لقد وجدت نفسي مقيدة في اتجاه مستشفى الأمراض العقلية لأن والدي اشتكاني إلى القضاء بعد أن يئس من مداواتي عن طريق المشعوذين وجماعة الرقية الشرعية".

هذه الكلمات دوّنتها، منذ أيام قليلة، الفتاة التونسية نهى البشيني (19عاما) على موقع التواصل الاجتماعي، قبيل أن يجردها المشرفون في مستشفى الأمراض العقلية من هاتفها المحمول الذي كانت تخفيه في ملابسها الداخلية، ويمنعونها بعد ذلك من مقابلة أصدقائها الذين جاؤوا للسؤال والاطمئنان عنها فور أن علموا بخبر إيداعها للمستشفى ذي “الصيت المرعب” في تونس منذ ستينات القرن الماضي، والذي سبق أن شهد كذلك نزلاء من المعارضة المدنية لعل أشهرهم آنذاك، الشاعر والمناضل النقابي منور صمادح.

وتفاعلا مع هذه الحادثة التي يراها الحقوقيون خطيرة من نوعها، نظمت "جمعية المفكرين الأحرار" وعدد من الناشطين من ممثلي مكوّنات المجتمع المدني في تونس، الجمعة الماضي، وقفة احتجاجية أمام مستشفى الرازي للأمراض النفسية والعصبية بمدينة منوبة التونسية، للمطالبة بإخراج نهى البشيني، الناشطة بالجمعية بعد أن تمّ إيداعها بالمستشفى المذكور، وبموجب قرار “إيواء وجوبي” من النائب العام بالمحكمة الابتدائية بمحافظة جندوبة (شمال غرب البلاد)، الأربعاء المنقضي.

واتّهم المحتجون والد الفتاة، وهو سلفي معروف ويشغل إمام مسجد، بإيداعها قسرا المستشفى المذكور بعد تقديم دعوة إلى المحكمة في الغرض، مؤكدين حسب تقديرهم سلامتها العقلية، والتي لا تستدعي إيداعها باعتبارها تشكّل خطرا على عائلتها ومحيطها.

وأشارت تقارير صحافية إلى أنّ والد الفتاة، وهو معروف بتشدده السلفي، يقول إن ابنته “فقدت عقلها، وفضحته بمشاركتها في مسيرات الكفار والعزف والغناء في تجمعات شبابية مختلطة”.

وذكرت الأمينة العامة لجمعية المفكرين الأحرار رحمة الصيد، أنه وقع التجنّي على الناشطة الشابة واختلاق إصابتها بمرض نفسي وذلك بسبب أفكارها ومبادئها التي رآها والدها السلفي منافية للإسلام، ولم يجد عقابا لها سوى إيداعها بمستشفى الأمراض العقلية، وجلبها بالقوة.

من جهته، بيّن محامي الدفاع، منير بعتور، أن نهى تعتبر محتجزة في المستشفى نتيجة أفكارها ومبادئها التي رفضها والدها واعتبرها خروجا عن النظم السارية في المجتمع والتجأ إلى النيابة العامة وقام بإيداعها المستشفى بإذن قضائي.

وعلّق علاء الخميري، أحد محامي الفتاة، عقب زيارته للفتاة في المستشفى بأن ظروف الإقامة والمعاملة كانت غاية في القسوة ناقلا عنها بأنها ممنوعة من إجراء المكالمات التليفونية ومجبرة على الإقامة في ما يشبه السجن الانفرادي، وتُعامل بقسوة وازدراء من بعض عناصر الطاقم الطبي الذي يُفترض أن يلتزموا الحياد الإيجابي وعدم التدخل في المعتقدات والقناعات الشخصية. وكشف الخميري أن طبيبة المستشفى اعتبرت أن سلوك الفتاة “مخالف للأعراف الاجتماعية والدينية وأنها تذهب مع أقرانها في مخيمات مختلطة ولا تحترم التعاليم الإسلامية في هذا الأمر”.

وفي المقابل قالت رحمة الصيد، إنّها زارت نهى في قسم الأمراض النفسية حيث أودعت في ظروف وصفتها بـ”المرعبة” مع حالات مرضى يشكّلون خطرا، حسب تقديرها، مؤكدة سلامتها العقلية خلافا لما يصرّ على تأكيده أطباء ذلك القسم المتعاطفين مع التيار السلفي.

هذه الحادثة ما زالت محلّ جدال وتساؤل في الأوساط المدنية حول أحقية استصدار تقرير طبي في تشخيص مرض نفسي أو عصبي يتم بموجبه إيداع شخص في “مستشفى المجانين”.. التسمية التي أثارت ولا تزال تثير نقاشا فكريا وقانونيا حادا من وجهة نظر تتمثل في السؤال عمن يحق له الحكم على الآخر بالخلل العقلي، وما تعريفنا للمختل عقليا، ومن هي الجهة التي تصدر الحكم؟

وفي هذا الصدد، اكتفى الممثل القانوني لمستشفى الرازي، محمد العويني، من جهته بالتأكيد على أنّه ورد إلى المستشفى “تسخير طبي” من المحكمة الابتدائية بمحافظة جندوبة، مكان إقامة الفتاة، وذلك لمعرفة الحالة النفسية للشابة، وفعلا قام الطبيب المباشر بفحصها وتقديم تقرير في الغرض، وعليه قام النائب العام بالمحكمة الابتدائية في المحافظة بإصدار قرار إيواء وجوبي بقسم الأمراض النفسية، مضيفا أن “حالة نهى ما زالت قيد التشخيص لاتخاذ القرار بالتدخل الطبي اللازم لها والذي لا يتجاوز الثلاثة أسابيع في كل الأحوال”.

وفي إطار المزيد من التفاعل مع هذه الحادثة، يرى ناشطون مدنيون أن ما جرى في قضية نهى، ينذر بفرض الإسلاميين لسطوتهم عبر الطرق شبه القانونية، الأمر الذي يمكنهم من اختراق مؤسسات رسمية وحكومية كان الأجدر بها أن تبقى على مسافة واحدة مع جميع المواطنين دون أن تتورط في خدمة أجندات حزبية وفئوية.

وقال الناطق الرسمي باسم الحزب الليبرالي التونسي، وعضو حركة المفكرين الأحرار حاتم الإمام، إنه فشل الخميس الماضي، رفقة محاميين آخرين، في إطلاق سراح الشابة نهى بشيني، من مستشفى الرازي عبر الطرق القانونية.

وأكّد حاتم الإمام، في تدوينة نشرها على حسابه بموقع فيسبوك، أنّ “نهى تعيش ظروفا كارثية” داعيا “جميع المفكرين الأحرار وكل من له نفس حرية أن يطالبوا بإطلاق سراح نهى قبل صدور التقرير الطبي النهائي”.

وأضاف “نهى التي تجاوزت التاسعة عشرة دخلت مستشفى الأمراض النفسية بالقوة عبر أمر من وكيل الجمهورية (النائب العام) إثر دعوة قضائية من والدها الذي يعمل إماما لدى وزارة الشؤون الدينية بصفته وصيّا أدبيا حسب قانون الوصاية الذكوري التعيس في القانون التونسي”.

عن "العرب" اللندنية


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية