متى يغلق ملف "الخلافة"؟

متى يغلق ملف "الخلافة"؟


05/07/2018

أحمد أميري

يقترب احتمال عودة «دولة الخلافة» من المستحيل، لكن هزّ أوضاع بعض البلدان بتأثير هذا الأمل أمرٌ محتمل، وليس من الحكمة النوم باطمئنان إلى عدم وقوعه، خصوصاً أن دولاً تزرع هذا الوهم في النفوس، وليس مجرد قطعان من «الدواعش» يزيلون الحدود بالجرافات والسيارات المفخخة. فقد بات «العثمانيون الجدد» حقيقة ينبغي التعامل معها بجدية، وهم يسعون إلى التمدّد في المناطق التي كانت واقعة تحت الاحتلال العثماني يوماً، وهي مناطق شاسعة صارت اليوم دولاً مستقلة، وهي تقريباً معظم الدول العربية وأجزاء من العالم القديم.

ولو لم تكن هذه الأطماع تصادف هوى الإسلامويين العرب لبقيت محض هلاوس في رؤوس أصحابها، لكن فضلاً عن الإسلامويين الذين يرفعون أردوغان إلى مقام أمير المؤمنين، فإن الخطاب الأردوغاني يلقى آذاناً مصغية لدى الفارغين والحالمين والمحبطين والناقمين، خصوصاً أنه بات الناطق الرسمي باسم «المظلومين والمضطهدين» حول العالم، خلفاً للخميني. ومن وراء هذا كله تقف قطر بآلتها الإعلامية، ومساعيها المتواصلة للتضليل والتسويق.

ومع ذلك، فالخلافة ليست من بنات أفكار العثمانيين الجدد، وإنما هي جزء من الخطاب الديني التقليدي الذي تنظر له بعض المؤسسات الدينية في الدول العربية كأنه منزَّلٌ من السماء، ومن هنا ينبغي سؤال القائمين عليها: ما أنتم فاعلون مع دولة تسعى لاختراق دولكم واستمالة قلوب شعوبكم؟! هل يكفي أن تلوحوا بأيديكم بأن «أردوغان باشا» ليس خليفةً للمسلمين؟! هل أنتم مقتنعون فعلاً بأن إيراد شروط للخلافة، لا تنطبق على النظام السياسي في تركيا، سيعرقل مشروع العثمانيين الجدد؟! هل احتجاجكم بأن الخلافة ليست من أصول الدين، وإنما من الفروع، يقطع أوتار الخلافة التي تعزف فوق رؤوسكم؟! وبصراحة أكثر: إذا لم يكن لديكم أي اعتقاد بعودة دولة الخلافة، فلم لا تغلقون هذا الملف إلى الأبد، وتعلنونها صريحة: لا خلافة بعد اليوم، والخلافة ليست مسألة شرعية من الأساس، وإنما نظامٌ للحكم كان مناسباً لزمنه ولا يصلح لعالم اليوم بتاتاً، وكل من يبشّر به الآن مكانه مستشفى المجانين، وكل من يعمل له مخربٌ تتوجب محاكمته بتهمة الخيانة العظمى؟!
إن موقف هذه المؤسسات مريب فعلاً، إذ عند طرح فكرة بعث الخلافة يذهبون يميناً وشمالاً ولا يتفضّلون بردّ واضح ومحدد ونهائي، فيكيلون المديح للخلافة التي جاءت وولّت، ويدافعون عن القوانين الشرعية، ويقحمون فصل الدين عن الدولة في الموضوع، وكل هذا منقطع الصلة بالخلافة المراد إحياؤها اليوم. والأدهى من هذه المناورات التاريخية والدينية، أنهم في كل مرة يؤكدون أن الغرب كان وراء إنهاء الخلافة بالتآمر مع أتاتورك، وفي هذا التحسّر المبطّن دعوة ضمنية لإعادة الخلافة!

يبدو أن بعض القائمين على أمر هذه المؤسسات لديهم اعتقاد بأن الدولة الوطنية شأن زائل ووقتي، وأن دولة الخلافة هي الأساس، وهي المستقبل، وهي آتية لا ريب فيها، وهذا يفسّر عدم إغلاقهم ملف الخلافة، فقد يحتاجون إلى إنزاله من الرفوف يوماً.

عن "الاتحاد"


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية