لم تعد حياة البشر على كوكب الأرض بعد جائحة كورونا كما كانت قبلها؛ إذ لم تنجُ دولة واحدة في العالم من آثار الفيروس التاجي المُدمرة، سواء على المستوى الصحي أو الاقتصادي أو حتّى السياسي والاجتماعي، ورغم تسابق شركات الأدوية العالمية والدول في الإعلان عن تجارب حول لقاحات وعلاجات مُحتملة للمرض، إلّا أنّ المنظمات الصحية لا زالت تبدي الكثير من التحفظات على معظم هذه التجارب وتشير إلى أنّنا بحاجة للمزيد من الوقت قبل الحصول على لقاح، ناهيك عن استحالة توفّره لجميع سُكان العالم فور إنتاجه؛ فأين نحن اليوم في ظل الجائحة؟ وكيف سيبدو المستقبل؟
تجربة علاجية مُخيبة للآمال
كانت منظمة الصحة العالمية قد أطلقت مشروعاً لمكافحة مرض كوفيد 19، يحمل اسم "التضامن"، اشترك فيه 405 مستشفيات من 30 دولة حول العالم، بهدف التنسيق بين أطباء المستشفيات لاختبار طرق مختلفة لعلاج المرض، وتتبع النتائج.
وقام الأطباء باختبار فعالية 4 أدوية على 11 ألف مصاب بالمرض، هي؛ remdesivir و hydroxychloroquine وlopinavir وinterferon-β-1a، حيث عولج 2750 مريضاً بعقار Remdesivir، و954 بعقار hydroxychloroquine، واستخدم عقار interferon-β-1a مع عقار lopinavir على 650 مريضاً، فيما عولج 1411 مريضاً بعقار lopinavir وحده، و 1412 بعقار interferon-β-1a فقط، ولم يتلق 4088 مريضاً أياً من هذه الأدوية، لقياس النتائج، وفق ما أورد موقع "روسيا اليوم".
لا يوجد علاج مُجدٍ مع فيروس كورونا حتّى الآن ولا يملك الأطباء أية حلول للحالات الحرجة سوى الاعتناء بهم بالطرق التقليدية في المستشفيات
وبعد انتهاء التجربة، أعلنت منظمة الصحة العالمية عدم ظهور أي تحسّن على المرضى طوال فترة وجودهم في المستشفى، ما يعني العودة إلى نقطة الصفر من جديد، حيث لا يوجد أي علاج مُجدٍ مع فيروس كورونا حتّى الآن ولا يملك الأطباء أية حلول للحالات الحرجة سوى الاعتناء بهم بالطرق التقليدية في المستشفيات.
ماذا عن اللقاح؟
يخضع حالياً 42 لقاحاً للتجارب السريرية، كما يخضع 151 لقاحاً آخر لتقييمات ما قبل التجارب السريرية، ورغم التفاؤل العالمي الحذر حول إمكانية إنتاج لقاح في وقت قريب، إلّا أنّ المسألة لا تتعلق بالإنتاج فحسب؛ إذ إنّ الحصول على اللقاح يحتاج إلى المرور بإجراءات معقّدة، حيث يتم نقله من مختبرات التطوير إلى مصانع الأدوية، قبل أن يوزّع عبر مسارات خاصة، وتحتاج هذه العملية الطويلة إلى تبريد اللقاح للحفاظ على صلاحيته، وفق ما أورد موقع "الحرة".
اقرأ أيضاً: لماذا يلجأ الناس إلى تصديق الشائعات في الكوارث والأزمات؟.. كورونا مثالاً
وأشار تقرير لوكالة "أسوشيتد برس" إلى أنّ نحو 3 مليارات شخص سيواجهون صعوبة في الحصول على اللقاح، بسبب نقص تقنيات التبريد اللازمة للحفاظ عليه، مؤكداً أنّ أكثر من ثلثي سكّان العالم لا يمتلكون التكنولوجيا أو المعدات اللوجستية المُبردة للحفاظ على سلسلة التبريد اللازمة لنقل وحفظ اللقاحات، ما يعني أنّ دول آسيا الوسطى، والهند، وجنوب شرق آسيا، وأمريكا اللاتينية، وأفريقيا، قد تعجز عن الحصول على اللقاح.
اقرأ أيضاً: مناعة القطيع.. هل تجدي نفعاً مع كورونا؟
وبحسب دراسة أجرتها شركة الخدمات اللوجستية الألمانية "دي أتش أل"، فإنّ المشكلة لا تتعلق بالدول الفقيرة فحسب؛ إذ إنّ نقل اللقاحات وتوصيلها حول العالم، سيحتاج إلى نحو 15 ألف رحلة شحن بالطائرات، ما يعني أنّ تبريد اللقاحات سيكون مهمة صعبة حتّى في الدول الغنية، نظراً لحاجتها لدرجات تخزين تصل إلى 70 درجة مئوية تحت الصفر.
أزمة اقتصادية في الشرق الأوسط
إلى ذلك، أفاد تقرير للبنك الدولي، صدر أمس الإثنين، بأنّ الجائحة العالمية وما سببته من انهيار في أسعار النفط، سوف تؤدي إلى انكماش اقتصادات منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بنسبة 5.2 بالمئة مع نهاية عام 2020.
اقرأ أيضاً: 5 أسباب وراء عدد الوفيات المنخفض جراء وباء كورونا في أفريقيا
وبحسب موقع "الحرة"، فإنّ التوقّع الحالي أقل بنسبة 4.1 بالمئة من التوقعات في شهر نيسان (أبريل)، وأسوأ بنسبة 7.8 بالمئة من شهر تشرين الأول (أكتوبر) من العام الماضي، حيث أكّد تقرير البنك الدولي أنّ الأرقام تعكس "نظرة تشاؤمية" متزايدة للمنطقة.
وقال نائب رئيس البنك الدولي لمنطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا فريد بلحاج، إنّ المنطقة كانت متراجعة اقتصادياً قبل تفشي الفيروس "وبعد مرور 6 أشهر، يمكننا أن نرى بوضوح شديد، شدة الدمار على الأرواح وسبل العيش والازدهار".
اقرأ أيضاً: هل ستعيد جائحة كورونا تشكيل النظام العالمي؟
وبيّن التقرير تدهور التوقعات للحسابات والأرصدة المالية في المنطقة؛ "مع توقعات عند سالب 4.8 بالمئة، وسالب 10.1 بالمئة من الناتج المحلي الإجمالي على التوالي في عام 2020، وذلك أسوأ بكثير من التوقعات في تشرين الأول 2019"، متوقعاً ارتفاع الدين العام للمنطقة في الأعوام القليلة المقبلة "من حوالي 45 بالمئة من الناتج الإجمالي في 2019 إلى 58 بالمئة".
أسوشيتد برس: سيواجه حوالي 3 مليارات شخص صعوبة في الحصول على لقاح كورونا بسبب نقص تقنيات التبريد اللازمة للحفاظ عليه
ورغم الأرقام الصادمة، إلّا أنّ البنك الدولي أوصى دول الشرق الأوسط وشمال أفريقيا بانتهاز الفرصة لـ "إعادة التفكير" في السياسات الاجتماعية والاقتصادية، وتعزيز التكامل التجاري، بالإضافة إلى تقليل الاعتماد على النفط، مُضيفاً أنّ "الاستفادة من التكامل الإقليمي لتمكين الإصلاحات المحلية يمكن أن يصبح مصدراً جديداً للنمو والوظائف والاستقرار في المنطقة".
ماذا عن المستقبل؟
تُشير التقديرات إلى أنّ حتّى الدول التي ستحصل على اللقاح قبل غيرها، لن تتعافى من الأزمة التي سبّبها الفيروس إلّا بعد أعوام من استخدامه، حيث توقعّت صحيفة "وول ستريت جورنال" الأمريكية أنّ سكّان الولايات المتحدة سوف يستمرون في المعاناة من الصدمة النفسية والصحية والاقتصادية والاجتماعية للفيروس حتى عام 2024، وذلك وفق سيناريو متفائل يتوقع البدء بتوزيع اللقاح في هذا العام.
وقالت الصحيفة الأمريكية إنّ الحياة في البلاد ستعود إلى طبيعتها بشكل تدريجي بعد عام 2024، واصفة فترة ما بعد 2024، بـ "فترة ما بعد الجائحة" وهي المرحلة التي تلي مرحلة التعافي التدريجي من "صدمة الوباء".
يحتاج نقل اللقاحات وتوصيلها حول العالم إلى نحو 15 ألف رحلة شحن بالطائرات، ما يعني أنّ تبريد اللقاحات سيكون مهمة صعبة حتّى على الدول الغنية
وعلى الصعيد الاقتصادي، توقّعت الصحيفة استمرار حالة الركود التي تعاني منها الشركات والمشاريع التجارية التي تعتمد على التجمّعات، مثل المطاعم والمقاهي والحانات، مشيرة إلى أنّ المحال الصغيرة وشركات البيع بالتجزئة سوف تتوقف عن العمل بسبب الخسائر الاقتصادية، مقابل انفراد تام للشركات الكبيرة.
كما تعتقد الصحيفة بأنّ الشركات التي ستصمد بعد الأزمة الاقتصادية سوف تتجه إلى نظام العمل من المنزل، حيث "أنهت بعض الشركات العمل داخل المكتب بالفعل، وسيتبعها البعض الآخر"، الأمر الذي سيؤدي إلى خسارة حرّاس المكاتب ومديري المباني ووكلاء التأجير لأعمالهم.
وأخيراً، أشارت الصحيفة إلى أنّ هذه التغيرات مجتمعة سوف تؤدي إلى "هرب الناس من العيش في شقق سكنية في المناطق الحضرية والبحث عن أماكن بعيدة عن المدن، الأمر الذي سيقود إلى تحوّل في صناعة العقارات"، وفق ما أورد موقع "العين" الإخباري.