ما وراء لقاء أردوغان وبوتين... ابتزاز جديد أم بحث عن طوق نجاة قبل 2023؟

ما وراء لقاء أردوغان وبوتين... ابتزاز جديد أم بحث عن طوق نجاة قبل 2023؟


08/08/2022

بين اقتصاد متداعٍ وتضخم وصل إلى أعلى مستوياته منذ 1998، وسخط شعبي متنامٍ بسبب سياسات الرئيس التركي رجب طيب أردوغان وحزبه "العدالة والتنمية"، وإنفاقه المركز على الحروب والعمليات العسكرية العدائية في دول الجوار، يقف أردوغان، الذي يرى نفسه خليفة للمسلمين، يومياً باحثاً عن طوق نجاة قبل غرق سفينته بالكامل في انتخابات 2023.

وسعياً لإيجاد هذا الطوق قبل هزيمته المحققة في 2023، يتحرك أردوغان، شرقاً وغرباً، ويلعب على كلّ الأوتار، ولا سيّما وتر الأزمة الروسية الأوكرانية، الذي كان له أسوأ الأثر على الاقتصاد العالمي، ممّا تجلى في لقائه الأخير مع الرئيس الروسي فلاديمير بوتين في سوتشي.

ووفقاً لصحيفة "فاينانشال تايمز"، تعاني تركيا من خلل تجاري كبير ناجم عن ارتفاع أسعار الطاقة العالمية، وتبحث عن رأس مال أجنبي لسدّ الفجوة.

وبعد اجتماع دام أكثر من (4) ساعات، تعهد أردوغان وبوتين بتعميق العلاقات الاقتصادية بين بلديهما، في الوقت الذي تسعى فيه موسكو إلى تخفيف وطأة العقوبات الغربية المفروضة عليها بسبب غزوها لأوكرانيا، على حدّ قول "فاينانشال تايمز" البريطانية.

وفي بيان مشترك، تعهد الرئيسان الروسي والتركي بزيادة حجم التجارة الثنائية وتعميق علاقاتهما الاقتصادية وفي مجال الطاقة، ممّا يحمل بصيصاً من الأمل للاقتصاد التركي، الذي كان يعوّل على السوق الروسية في الأساس لإنعاش السياحة، المورد الأول للعملة الأجنبية، التي ارتفعت بشكل غير مسبوق في مقابل الليرة التركية، والتي فقدت بدورها أكثر من نصف قيمتها منذ بداية العام الجاري.

 كسر الحصار على روسيا

في حين يُنظر بشكل واسع للتودد التركي لروسيا على أنه محض مصلحة تركية يسعى من ورائها أردوغان للخروج من عنق الزجاجة، اعتبرت صحيفة "واشنطن بوست" الأمريكية أنّ اللقاء بين أردوغان وبوتين هو محاولة لـ"كسر الحصار الغربي" على روسيا.

تعاني تركيا من خلل تجاري كبير ناجم عن ارتفاع أسعار الطاقة العالمية

وتخضع روسيا لأكثر من (6) حزم من العقوبات الغربية والأمريكية على خلفية غزوها لأوكرانيا في 24 شباط (فبراير) الماضي، رداً على عقوبات أولية استهدفت موسكو بسبب اعترافها باستقلال جمهوريتين انفصاليتين، هما دونيتسك ولوغانسك، ذات الأغلبية الروسية في شرق أوكرانيا، وسط اتهامات بتعرّض الروس فيهما للاضطهاد.

محاولات أردوغان كسر الحصار الغربي على روسيا يعيد إلى الأذهان الخطوات التركية السابقة لكسر العقوبات الأمريكية على إيران، عبر شبكة البنوك التركية، التي كان يقودها "بنك خلق" التركي، على حدّ قول "واشنطن بوست".

 ابتزاز أم التفاف على العقوبات؟

على الرغم من أنّ الاتفاق الروسي التركي يأتي "وسط مخاوف غربية من أنّ موسكو تبحث عن سبل جديدة للالتفاف على العقوبات المفروضة بسبب غزوها لأوكرانيا"، وفقاً للصحيفة الأمريكية، فإنّه قد يصبح أكثر وضوحاً عند قراءة تاريخ أردوغان الحافل باللعب على كافة الحبال لابتزاز المجتمع الدولي لتحقيق أكبر قدر من المكاسب للانضمام إلى الاتحاد الأوروبي، ولممارسة الضغوط على حلف شمال الأطلسي "الناتو" لتركه يرتع في الأراضي العربية تحت درع وراية "الناتو" دون رادع.

 

أردوغان، الذي يرى نفسه خليفة للمسلمين، يقف يومياً باحثاً عن طوق نجاة قبل غرق سفينته بالكامل في انتخابات 2023

ويعزّز من هذه الفرضية أنّ أردوغان، الذي يحتل أجزاء شاسعة من شمال سوريا، ويعيث في أرض العراق فساداً تحت عباءة "الناتو"، لم ينضم إلى الدول الأعضاء الأخرى في حلف شمال الأطلسي في فرض عقوبات ضد روسيا، وفقاً لـ"واشنطن بوست".

وبحسب "واشنطن بوست"، تتزايد المخاوف في كل من الغرب وأوكرانيا من أنّ موسكو تسعى للحصول على مساعدة أردوغان لتجاوز القيود المفروضة على قطاعات البنوك والطاقة والصناعة، والتي تتعمق أكثر في اقتصادها.

 مواقف متناقضة

التناقض في موقف الرئيس التركي بشأن غزو أوكرانيا أثار قلق الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها، ففي بداية الأزمة الروسية الأوكرانية، زوّد أردوغان أوكرانيا بطائرات مسلحة بدون طيار، وأمس وضع يده في يد الرئيس الروسي.

التناقض في موقف الرئيس التركي بشأن غزو أوكرانيا أثار قلق الولايات المتحدة الأمريكية وحلفائها

وفي هذا الصدد، التقى نائب وزير الخزانة الأمريكي بمسؤولين أتراك ومصرفيين في إسطنبول في حزيران (يونيو) لتحذيرهم من أن يصبحوا "قناة للتهرب من العقوبات الروسية"، على حدّ وصف "فاينانشال تايمز".

ويأتي اجتماع سوتشي في الوقت الذي أطلعت فيه أجهزة المخابرات الأوكرانية دول الناتو مؤخراً على وثيقة تقول إنّها اعترضتها من موسكو تضمنت مقترحات للتعاون التركي الروسي، وفقاً لمسؤول مخابرات أوكراني ودبلوماسي غربي.

 

"واشنطن بوست": تتزايد المخاوف من أنّ موسكو تسعى للحصول على مساعدة أردوغان لتجاوز القيود المفروضة عليها

ووفقاً للصحيفة البريطانية، تشمل المقترحات طرقاً لمساعدة روسيا على التهرب من العقوبات بمساعدة البنوك التركية، والتعاون في مجالات أخرى بما في ذلك الطاقة والصناعة.

وكانت "واشنطن بوست" هي الأولى التي ذكرت أنّ موسكو كانت تسعى للحصول على مساعدة أنقرة للالتفاف على العقوبات الغربية، مشيرة إلى أنّها حصلت من المخابرات الأوكرانية على تفاصيل مقترح قدّمته روسيا لحكومة أردوغان يسمح لها بشراء حصص في مصافي النفط والمحطات والخزانات التركية، في خطوة يقول الاقتصاديون إنّها قد تساعد موسكو في إخفاء مصدر صادراتها، بعدما يبدأ الحظر النفطي للاتحاد الأوروبي بالكامل العام المقبل.

وطلبت روسيا من العديد من البنوك التركية المملوكة للدولة السماح بحسابات مراسلة لأكبر البنوك الروسية، والتي يقول الاقتصاديون وخبراء العقوبات إنّها ستكون انتهاكاً صارخاً للعقوبات الغربية، يسمح للمنتجين الصناعيين الروس بالعمل خارج المناطق الاقتصادية الحرة في تركيا.

 

التقى نائب وزير الخزانة الأمريكي بمسؤولين أتراك في حزيران (يونيو)، لتحذيرهم من أنّ يصبحوا "قناة للتهرب من العقوبات الروسية"

الصحيفة الأمريكية قالت: إنّه ليس هناك ما يشير بعد إلى أنّ تركيا وافقت على مثل هذه الترتيبات، غير أنّ وكالة "سبوتنيك" الروسية نقلت عن وسائل إعلام أمريكية قولها اليوم الأحد إنّ المصارف التركية بدأت باعتماد نظام الدفع الروسي "مير"، وذلك بعد مفاوضات مباشرة بين الرئيسين الروسي والتركي في سوتشي.

ونقلت وكالة "بلومبرغ" عن أردوغان قوله: إنّه تم التوافق على إدخال نظام الدفع الروسي "مير" إلى بعض المصارف التركية، مشيراً إلى أنّ هذه الخطوة ستعزز التحويلات والتدفقات المالية بين البلدين، كما ستكون هذه الخطوة مصدر ارتياح لكلٍّ من السياح الروس والأتراك.

طلبت روسيا من العديد من البنوك التركية المملوكة للدولة السماح بحسابات مراسلة لأكبر البنوك الروسية

وبحسب الوكالة، ستبدأ (5) مصارف تركية بالعمل على نظام الدفع المالي الروسي "مير" مباشرة، ويأتي ذلك بعد مفاوضات أجراها كلّ من الرئيسين التركي والروسي في مدينة سوتشي.

اصطياد في بحر الأزمات

محاولات أردوغان البحث عن طوق نجاة في بحر الأزمة الروسية الأوكرانية، والمقترح الأخير لتسهيل استحواذ روسيا على حصص في مصافي نفط تركية، كشفت النقاب في الداخل التركي عن عمليات ينفذها أردوغان ضد مجموعة كوتش مالكة شركة "توبراش" (Tüpraş)، أكبر شركات النفط التركية، حيث يخطط للسيطرة عليها تمهيداً لبيعها لبوتين، وفقاً لصحيفة "زمان" التركية نقلاً عن موقع "نبض تركيا".

وذكر "نبض تركيا" أنّ الإعلام التركي كان يتحدث عن أنّ روسيا ستضخ حوالي (15) مليار دولار إلى تركيا، وهذا التطور يكشف كيف سيتم ذلك، مضيفاً أنّ "بيع شركات النفط التركية لبوتين قد يكون طوق النجاة للاقتصاد التركي المنهار، وسوف يساعد أردوغان للفوز في انتخابات 2023".

مواضيع ذات صلة:

ما مكاسب تركيا من الوساطة لحل أزمة الحبوب الدولية؟

علاقة حزب العدالة والتنمية بالمؤسسة العسكرية في تركيا.. لماذا اكتسبت طابع المواجهة؟

"فايننشال تايمز": تركيا قد تتراجع عن العملية العسكرية في سوريا.. ماذا تغير؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية