ما مستقبل المصالحة السورية ـ التركية؟

ما مستقبل المصالحة السورية ـ التركية؟

ما مستقبل المصالحة السورية ـ التركية؟


08/08/2023

بالرغم من البعد الداخلي الذي يندرج عنوانه وتفصيلاته المعقدة والمتشابكة في إطار العلاقات الثنائية بين أنقرة ودمشق، إلا أنّ علاقات أنقرة مع كل من واشنطن وموسكو تحولت مع استمرار واتساع دوائر الحرب الروسية على أوكرانيا إلى محدد رئيس في العلاقات بين دمشق وأنقرة التي لها حساباتها بدور إقليمي ومقتضيات الأمن القومي التركي فيما يخص الأكراد في سوريا بما في ذلك طموحاتهم بالاستقلالية أو إظهار الكيانية، بمستوى الحكم الذاتي، المرفوضة من أنقرة التي ترفع دوماً شعارات وحدة أراضي الدولة السورية، وهي العبارة التي يراد بها رفض إعلان أيّ انفصال للأكراد.

وبعد أكثر من عام على جهود قادتها موسكو لتقريب إنجاز مصالحة بين أنقرة ودمشق واجتماعات أمنية وعسكرية مكثفة في موسكو بين قيادات أمنية وعسكرية تركية وسورية، انضمت إليها إيران لاحقاً، في رسالة واضحة من موسكو حول قدرتها على جمع الأطراف الفاعلة في الملف السوري ضد التوجهات الأمريكية والغربية، وهي رسالة هشة بين أطراف لا تثق ببعضها بعضاً وتحاول أن تجتر صيغة لقاءات (أستانا)، إلا أنّه بات من الواضح أنّ تلك اللقاءات لم تحقق أيّ نتائج تذكر، خارج العبارات الدبلوماسية التي تراوح في مربعات تتخندق فيها دمشق وأنقرة، باستلهام مواقف منذ بداية الثورة السورية، وانحياز أنقرة إلى جانبها، وصولاً إلى دخول الجيش التركي إلى أراضٍ سورية في مناطق شمال غرب وشمال وسط سوريا، تقابلها مطالبات من دمشق بتخلي أنقرة عن دعم الفصائل الإسلامية والجيش الحر، وانسحاب قواتها من الأراضي السورية.

مصالحات واسعة بين قوات (قسد) الكردية والعشائر العربية

تطورات الأوضاع الميدانية في سوريا تشير إلى أنّ تحولات عميقة يشهدها الملف السوري، أبرز عناوينها أنّ خطة جديدة يتم تنفيذها بقيادة أمريكية فيما يُعرف بمناطق شرق الفرات، عنوانها مصالحات واسعة بين قوات (قسد) الكردية والعشائر العربية، لتشكيل جيش موحد قد يكون نواة لدولة عربية كردية جديدة، تفصل بين العراق وسوريا الحالية، هذه الخطة تقابلها جهود مكثفة تقودها موسكو "جوّياً" وإيران "عبر الحرس الثوري" ودمشق عبر "تشكيلات الجيش السوري" هدفها تكثيف العمليات ضد القوات الأمريكية وقواعدها المنتشرة شرق الفرات عبر المسيّرات والصواريخ والعبوات الناسفة، فيما يبدو أنّ الخطة الأمريكية مقبولة من أنقرة لكونها تستجيب لمطلبها بألّا تشكل قوات كردية الأغلبية في هذا الكيان الجديد، وبالتزامن فإنّ أرياف حلب ومناطق إدلب ومناطق حلفاء أنقرة، من تشكيلات المقاومة والجيش الحر، تشهد هي الأخرى تصعيداً، عبر ضربات جوية وغارات جديدة تستهدف حلفاء تركيا.

تطورات الأوضاع الميدانية في سوريا تشير إلى أنّ تحولات عميقة يشهدها الملف السوري، أبرز عناوينها أنّ خطة جديدة يتم تنفيذها بقيادة أمريكية فيما يُعرف بمناطق شرق الفرات، عنوانها مصالحات واسعة بين قوات (قسد) الكردية والعشائر العربية

وبالرغم من أنّ المقاربات التركية تجاه المصالحة تتقاطع إلى حد كبير مع المبادرة العربية بالانفتاح على دمشق "الخطوة بخطوة"، فيما يخص التسوية السياسية السورية وعودة اللاجئين السوريين، وتتزامن مع سياسات "تصفير المشاكل" التي أنتهجها الرئيس التركي بعد المصالحات مع أبو ظبي والرياض والقاهرة، إلا أنّ تغيرات تشهدها المواقف التركية، منذ إعادة انتخاب الرئيس أردوغان، عنوانها إظهار الاقتراب مع واشنطن وأوروبا مقابل الابتعاد عن موسكو، وقد بدأت بتغييرات داخلية عنوانها الاقتصاد أوّلاً وثانياً، وخارجيّاً بزيارات هدفها إنقاذ الاقتصاد التركي من خلال السعودية ودول الخليج، وانفتاح على إسرائيل، ودوليّاً باستقبال الرئيس الأوكراني وإعادة موقوفي كتيبة آزوف الأوكرانية، خلافاً لاتفاق بين موسكو وأنقرة للاحتفاظ بهم في تركيا إلى حين انتهاء الحرب، ثم قبول انضمام السويد لحلف الناتو، وهو ما أدركته القيادة الروسية، بمواقف متشنجة ضد القيادة التركية، بما فيها وقف اتفاقية تصدير الحبوب بين موسكو وأنقرة والأمم المتحدة، بالتزامن مع تصعيد عسكري ضد حلفاء تركيا في إدلب.

يبدو واضحاً أنّ هذه المصالحة أصبحت اكثر ارتباطاً وانعكاساً للتجاذبات الأمريكية ـ الروسية في سوريا

وفي الخلاصة؛ فإنّ المؤكد هو أنّ المصالحة بين أنقرة ودمشق أصبحت تواجه المزيد من التعقيدات التي تتقاطع بشكل أو بآخر مع التعقيدات التي تواجهها المصالحة بين دمشق والعواصم العربية، وقد أصبح مطروحاً لدى هذه العواصم تساؤلات حول الإنجازات التي تحققت بعد قمة جدة العربية، والتي ما فتئت القيادة السورية تؤكد التزامها بتوثيق علاقاتها مع إيران، لكنّ حسابات أعمق لدى أنقرة بمخرجات أيّ مصالحة مع دمشق مرتبطة بتحقيق مصالحها شرق وغرب سوريا، وربما تتميز المقاربة التركية هنا أنّها تجري بشكل معكوس، إذ يبدو السياسي والأمني أكثر أهمية من الاقتصادي.

رغم السياسات "البراغماتية" التي ينتهجها أردوغان، إلا أنّ حسابات المصالح التركية العليا يبدو أنّها أصبحت أكثر ارتباطاً بأمريكا، وهو ما يعني توافقات مع أمريكا ستكون أكثر وضوحاً من قبل تركيا تجاه الملف السوري

ويبدو واضحاً أنّ هذه المصالحة أصبحت اكثر ارتباطاً وانعكاساً للتجاذبات الأمريكية ـ الروسية في سوريا، بوصفها ساحة من ساحات التنافس الروسي الأمريكي، ورغم السياسات "البراغماتية" التي ينتهجها الرئيس أردوغان، إلا أنّ حسابات المصالح التركية العليا يبدو أنّها أصبحت أكثر ارتباطاً بأمريكا، وهو ما يعني انحيازات قادمة وتوافقات مع أمريكا ستكون أكثر وضوحاً من قبل تركيا تجاه الملف السوري، ربما ظهرت بوادرها شرق الفرات بالمواقف الأمريكية تجاه (قسد)، ولكن دون أن يعني ذلك توقف مناورات الرئيس أردوغان للاحتفاظ بعلاقات الحد الأدنى مع موسكو، خاصة بمقاربة الاقتصاد قبل السياسة، إذ إنّ روسيا تشكل رافعة مهمة للاقتصاد التركي، عبر الكثير من المبادرات والمشاريع التي قدّمها الرئيس بوتين للرئيس أردوغان في حقلي الطاقة "الغاز" والحبوب، وإنشاء محطات نووية لغايات سلمية، بالإضافة إلى استفادة الاقتصاد التركي من كون تركيا تحولت بعد العقوبات الغربية على موسكو إلى رئة تتنفس منها روسيا.

مواضيع ذات صلة:

أردوغان يخفق في التقارب مع الأسد ويتوغل في شمال سوريا

باحثان يكشفان لـ"حفريات" سر استدارة أردوغان باتجاه الأسد

المصالحة بين المعارضة و"الأسد": تركيا في مواجهة "الإخوة الأعداء"



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية