المصالحة بين المعارضة و"الأسد": تركيا في مواجهة "الإخوة الأعداء"

المصالحة بين المعارضة و"الأسد": تركيا في مواجهة "الإخوة الأعداء"


16/08/2022

بعثت التصريحات التركية بشأن حديث المصالحة بين المعارضة والنظام السوري، في دمشق، ردود فعل عنيفة، لا سيما في مناطق عديدة من شمال سوريا (أكثر من ثلاثين منطقة)، بحسب المرصد السوري لحقوق الإنسان، ومقرّه لندن، تحديداً تلك المناطق التي تخضع لسيطرة القوات التركية، والتنظيمات الميليشياوية المدعومة منها، حيث خرجت تظاهرات واحتجاجات عارمة في مدن، منها إعزاز وجرابلس وعفرين والباب، تبنّت جميعها هتافاً موحداً هو: "لن نصالح".

مراهنة تركية برعاية روسية

ورغم أنّ الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، قطع علاقاته بالنظام السوري، منذ عام 2011، بينما تحتل قواته المسلحة (بالتعاون مع تنظيمات محلية متشددة) مناطق عديدة في شمال سوريا، بحجة القضاء على "الإرهاب"، في إشارة تقليدية للتهديدات الكردية، إلا أنّ تصريحات وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، حول ضرورة إجراء مصالحة بين النظام والمعارضة، قد أثارت استياء الأخيرة والتي قدّمت أنقرة الدعم العسكري والسياسي لها على مدار عقد كامل.

وعلى ما يبدو فإنّ هناك مراجعة سياسية تمت من قبل تركيا لهذه التصريحات التي عكست انفتاحاً لافتاً تجاه نظام "الأسد"؛ حيث إنّ وزير الخارجية التركي، الذي أعلن عن لقاء جمعه بنظيره السوري، فيصل المقداد، على هامش اجتماع حركة عدم الانحياز، في بلغراد، تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، عاود التأكيد على أنّ الاتصالات بين البلدين مقتصرة على أجهزة الاستخبارات، ومشدداً على أنّه من غير المتوقع حدوث اتصال في القريب بين الأسد وأردوغان، رغم إلحاح الطرف الروسي على ذلك.

المحلل السوري درويش خليفة: كان لمسار أستانا العسكري دور مهم

وقال وزير الخارجية التركي: "من غير الوارد أن يكون هناك أيّ اتصال من هذا النوع، وأردوغان أجاب عن ذلك من قبل. هناك مطالب قديمة وحديثة من قبل الرئيس الروسي، فلاديمير بوتين، بالتواصل مع النظام السوري، وإجراء اتصال بين أردوغان والأسد، لكنّ الرئيس التركي قال إنّ تواصل أجهزة الاستخبارات سيكون مفيداً".

وعرج جاويش أوغلو على اللقاء الذي جمعه بنظيره السوري، في بلغراد، موضحاً أنّه كان "حديثاً سريعاً". وقال: "كان لديّ حديث سريع مع المقداد عند الحديث وقوفاً مع بقية الوزراء".

وتابع: "كانت هناك لقاءات في الماضي بين أجهزة استخبارات تركيا والنظام السوري، لكنها انقطعت، والآن جرى استئنافها.. بالنهاية اللقاءات بين أجهزة الاستخبارات تتطرق لموضوعات مهمة".

بالعودة لتصريحات أوغلو، تقول الوقائع؛ إنّ هناك مساراً سياسياً بدأ يتشكّل منذ صفقة إسقاط حلب مقابل درع الفرات، وهو ما أسّس لتحوّل إستراتيجي في الموقف التركي من دعم الثورة

وقال أوغلو إنّ "الحل الوحيد في سوريا هو عبر التوافق السياسي وتطهير البلاد من الإرهابين بمختلف المسميات، ويجب أن يعمّ السلام بين النظام والمعارضة، وتركيا تدعم هذا الأمر، وتدعم وحدة سوريا أكثر من أيّة دولة أخرى؛ إذ إنّ السلام ينعكس عليها إيجاباً، وغير ذلك ينعكس سلباً".

وتابع: "في النهاية؛ ليس لها (أي تركيا) أيّة مخططات في سوريا، لكن إن لم تتوحد سوريا فهي مهدّدة بالتقسيم، وكلّ الدول الأخرى تقول إنّ وحدات الحماية الكردية هدفها تقسيم البلاد، ولمنع ذلك يجب أن تكون هناك قيادة قوية في البلاد تسيطر على كامل التراب السوري، وهذا ما نقوله دائماً، وعلى خلاف اللقاء السريع مع الوزير (والذي تمّ وقوفاً)، لم يكن هناك أيّ تواصل مع النظام".

ما الجديد في موقف تركيا؟

إذاً، لم تحمل تصريحات وزير الخارجية التركي، مولود جاويش أوغلو، مفاجآت جمّة، لكنّ ما أثار غضب جموع السوريين، في شمال حلب وإدلب وخروج عشرات التظاهرات، على مدار يومين، هو "الوصاية التركية على المعارضة والثورة السورية بطلب الوزير التركي من المعارضة التصالح مع النظام"، حسبما يوضح المحلل السياسي والكاتب السوري، درويش خليفة، وذلك بعد عشرة أعوام من القتل والتهجير، فضلاً عن تدمير معظم المناطق التي خرجت عن سيطرة النظام، قبل أن يستعيدها "الأسد" بمعاونة حلفائه الإيرانيين براً والتغطية الجوية الروسية.

كما كان لمسار أستانا العسكري (روسيا – تركيا – إيران) دور مهم في سيطرة النظام على مناطق واسعة من الشمال الغربي في سوريا، واقتطاع مساحات لم يكن النظام ليصل إليها لولا التزام فصائل المعارضة بهذا المسار الذي أضعف أوراق التفاوض السياسية، وفق خليفة في حديثه لـ "حفريات"، موضحاً أنّ الصراعات العسكرية والتحركات الميدانية لها تداعياتها المباشرة على السياسة، أو بالأحرى التفاوض السياسي الذي يتحكّم فيه الاعتبارات الجيوسياسية.

المحلل السياسي السوري درويش خليفة لـ "حفريات": ما أثار غضب السوريين هو الوصاية التركية على المعارضة والثورة السورية بطلب الوزير التركي من المعارضة التصالح مع النظام"

وبالعودة لتصريحات أوغلو، تقول الوقائع إنّ هناك مساراً سياسياً بدأ يتشكّل منذ صفقة إسقاط حلب مقابل درع الفرات، وهو ما أسّس لتحوّل إستراتيجي في الموقف التركي من دعم الثورة بإسقاط الأسد، ثم إقامة حاجز أمني بعمق 30 كم على طول الحدود السورية التركية، وهذا ما صرّح به، أكثر من مرة، صنّاع القرار التركي. ولتحقيق ذلك الأمر يتطلب توافقات وصفقات مع الروس، وكذا الولايات المتحدة، بحسب المنطقة الجغرافية، إذا كانت تخضع للنفوذ الروسي أو الأمريكي في سوريا، وهذا المسار مستمر وقد يتطلب تطبيعاً تركياً مع نظام بشار الأسد لاحقاً.

لكن ما يزال السوريون ينتظرون "موقفاً عربياً حازماً، ربما، يكون المنقذ لهم من التدخلات الإقليمية والدولية، وإيلاء الملف السوري اهتماماً سياسياً وليس إغاثياً فقط"؛ يقول خليفة.

تخوّفات أردوغان ومصالحه

وأثناء رحلة عودته من سوتشي، عقب لقاء الرئيس الروسي، قال أردوغان: "بوتين لديه مقاربة تقوم على تفضيله لجوء تركيا إلى خيار حلّ مسألة مكافحة الإرهاب مع النظام، ونحن نقول إنّ أجهزة استخباراتنا تتواصل أساساً مع استخبارات النظام حول هذه المواضيع، لكنّ المهم التوصل إلى نتيجة، فإن كانت أجهزة استخباراتنا تلتقي مع مخابرات النظام، ورغم ذلك يتحرك الإرهابيون في المنطقة، فيجب عليكم (روسيا) دعمنا في هذا الأمر، ولدينا اتفاق بهذا الخصوص".

الصحفي السوري علي نمر: فتش عن الضغط الروسي

وفي تقدير الكاتب الصحفي السوري، علي نمر، فإنّ تركيا قد استعجلت حين وجهت دعوة لبدء مصالحة بين المعارضة والنظام في دمشق، موضحاً لـ "حفريات" أنّه لم يكن في الإمكان أن يحدث ذلك لولا الضغط الروسي، حيث أبدت تركيا مرونة واضحة في هذا الاتجاه، من خلال تصريحات وزير خارجيتها، والذي لم ينفِ أصلاً قطع العلاقات الاستخباراتية مع النظام السوري.

وبعد "الجَلبة" التي حدثت، اضطرت أنقرة، ومن خلال بيان رسمي، نفي ما دعت إليه، ولو بشكل غير مباشر.

ويرجع ذلك الاضطراب في المواقف لسببين، حسبما يوضح نمر، أولهما أنّ "هناك تخوفات من المعارضة التركية واستغلالها لهذه النقطة، وكانت تصريحات أوغلو واضحة بهذا الخصوص"، وثانيهما "الضغط الأمريكي والأوروبي والذي لا ينسجم مع الموقف التركي الجديد، بالتالي، هناك تجاوز واضح للقرار الدولي 2254. وما كان من الحكومة التركية سوى إيجاد طريقة للتحايل على الموضوع برمته، وأعتقد أنّ عقدة التراجع عن المواقف أصبحت ملازمة للنظام التركي منذ سنوات".

وفيما يتّصل بتداعيات الموقف التركي، يقول نمر إنّ "التبعات بدأت منذ اللحظة الأولى، ومن المتوقع أن تصبح ورقة اللاجئين السوريين، من جديد، مادة للتراشق السياسي بين الحكومة والمعارضة، لتحقيق مكاسب سياسية داخلية، وفي طليعتها الانتخابات القادمة. ومن جهة أخرى بدأت الأمور تتصاعد، بوتيرة عالية، في مناطق النفوذ التركي والمحتلة في سوريا بعد حرق العلم التركي أثناء التظاهرات المنددة بالخطوة التركية المحتملة والتقارب الوشيك. ورغم اللقاء الذي جمع وزير الخارجية بممثلي المعارضة، إلا أنّ الأمور ما تزال في حالة من الاحتقان، سواء في الداخل التركي، أو المناطق التي تديرها (أنقرة) من خلال الفصائل المسلحة والميليشياوية بواسطة ما يسمى "الجيش الوطني"".

ويرجّح نمر، في حال استمرار الأوضاع بهذا التعقيد، وتطور الخلافات على الأرض لمواجهات عسكرية بين الأطراف التابعة لتركيا، من ناحية، والأطراف التابعة لهيئة تحرير الشام، فرع تنظيم القاعدة في سوريا، من ناحية أخرى، يرجّح حدوث موجة هجرة جديدة نحو تركيا.

ويتابع: "يبدو أنّ التراجع التركي كان في معظمه خوفاً من تلقي المزيد من المهاجرين، في الفترة القادمة، بينما تخطط، بشكل مستمر، لإعادة اللاجئين لديها إلى سوريا، علماً أنّها استخدمت هذه الورقة لابتزاز أوروبا وتهديدها منذ 10 سنوات، وما تزال".

ويختتم: "لا أعتقد أنّ تركيا قد تقوم بدور منفرد، في الفترة القادمة، حتى لو جرت لقاءات ثنائية روسية-تركية، أو ثلاثية بضمّ إيران إليها، قبل العودة إلى واشنطن والشركاء الأوروبيين؛ إذ إنّ أيّة خطوة من هذا القبيل سوف تعني أنّ تركيا لن تلقى دعماً كافياً في الملف السوري، مع الوضع في الاعتبار أنّ أنقرة لا تكفّ عن ممارسة ضغوطاتها ودعايتها للحصول على دعم فيما يخصّ طرحها المتكرر والتقليدي لبناء منطقة آمنة على الشريط الحدودي، وإعادة اللاجئين بحجج باتت معروفة".




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية