أردوغان يخفق في التقارب مع الأسد ويتوغل في شمال سوريا

أردوغان يخفق في التقارب مع الأسد ويتوغل في شمال سوريا

أردوغان يخفق في التقارب مع الأسد ويتوغل في شمال سوريا


20/12/2022

بعدما رفض الرئيس السوري، بشار الأسد، لقاء نظيره التركي، رجب طيب أردوغان، حسبما قال عضو هيئة القرار والتنفيذ المركزي لحزب العدالة والتنمية الحاكم في تركيا، أورهان ميري أوغلو، مؤخراً، فإنّ غيوماً كثيفة تتجمع فوق العلاقات السورية التركية، والتي تتشابك أمامها تعقيدات جمّة، لا سيّما في ظل الاحتلال التركي لمناطق بشمال شرقي سوريا، فضلاً عن التهديدات، المتكررة والتقليدية، بتنفيذ اعتداءات عسكرية جديدة.

الوساطة الروسية

ونقلت وكالة الأنباء الروسية "سبوتنيك"، عن ميري أوغلو، قوله إنّ "دمشق رفضت طلب أنقرة بشأن ترتيب لقاء بين أردوغان والأسد وتنوي تأجيله إلى ما بعد الانتخابات التركية". وتابع: "تركيا وقعت في مواجهة مع كل من روسيا وأمريكا وإيران ودمشق بسبب حزب العمال الكردستاني، وهذا الوضع الحساس قد يؤثر بقدر كبير على الانتخابات الرئاسية والبرلمانية التركية المزمع إجراؤها في عام 2023".

وبالتزامن مع محاولات أنقرة التطبيع مع الحكومة السورية في دمشق، أكد أردوغان على طلب الدعم الروسي بغية تنفيذ عملية برية في شمال سوريا، وتحديداً في مناطق سيطرة الإدارة الذاتية. وقال الرئيس التركي في لقاء صحفي بأنقرة "طلبنا دعمه (الرئيس الروسي فلاديمير بوتين) لاتخاذ قرارات مشتركة وربما العمل معاً لاتخاذ خطوات معاً هنا (في شمال سوريا)"، لافتاً، في الوقت ذاته، إلى أنّ تركيا "لن تطلب الإذن من أحد".

وبين حديث الحرب والمصالحة، يقف أردوغان على أطرافه للبحث عن وسيلة لإنهاء الوجود العسكري الكردي في شمال سوريا، وتصفية أي بيئة وحاضنة مجتمعية وسياسية تسمح بوجود مؤثر للمكون الكردي، الأمر الذي تعتبره تركيا يهدد أمنها القومي. ولذلك؛ مع التصدي الأمريكي والروسي للاندفاع التركي، تبرز محاولات التقارب مع "الأسد".

المحلل السياسي فريد سعدون: هدفان لروسيا

ووفق وكالة الأنباء الألمانية، فإنّ نائب وزير الخارجية الروسي، سيرغي فيرشينين، قال إنّ أنقرة تدرك ضرورة التطبيع، والحفاظ على العلاقات مع دمشق. وتابع: "يبدو أنّ هناك تفاهماً في تركيا على ضرورة تطبيع العلاقات، والحفاظ عليها بين أنقرة وجميع الدول المجاورة في المنطقة، بما في ذلك سوريا. إذا حكمنا من خلال التقارير فهناك اتصال بين أنقرة ودمشق. أكرر نحن نؤيد تطبيع العلاقات".

وقال فرشينين: "أما بالنسبة للتسوية السورية فقد نوقشت هذه القضية بالتفصيل، خلال محادثات إسطنبول، وقمنا بذلك من وجهة نظر ضمان التقدم نحو تسوية مستدامة وطويلة الأجل في سوريا على أساس قرار مجلس الأمن الدولي رقم 2254". ولمّح المسؤول الروسي إلى وجود شبه اتفاق على ضرورة "الاستعادة الكاملة لوحدة أراضي الجمهورية السورية".

التهديد التركي الدائم

كما عرج على الموقف من الأكراد. وقال: "في هذا الصدد نحن دائماً ندعم الحوار بين دمشق وممثلي الأكراد. في سياق العلاقات الثنائية بين تركيا وسوريا نعلم أنّ هذه العلاقات ليست سهلة، لكنّنا نرى أيضاً ضرورة الوصول إلى قاسم مشترك بين هذين البلدين الإقليميين المهمين". وشدد على أنّ "الاتصالات مستمرة حيث لم تبدأ العملية البرية، ما يعني أنّ هناك نجاحات، وسنواصل الاتصالات".

يواصل أردوغان الحديث عن ضرورة تدشين "الممر الأمني" بطول 30 كلم على الحدود السورية التركية، الأمر الذي يعتبره "أولوية لتطهير الحدود السورية مع تركيا من الإرهابيين (يقصد قوات سوريا الديمقراطية) بعمق 30 كلم في المرحلة الأولى بموجب اتفاق سوتشي".

غيوم كثيفة تتجمع في سماء العلاقات السورية التركية، والتي تواجهها تعقيدات جمّة، لا سيما في ظل الاحتلال التركي لمناطق سورية، فضلاً عن التهديدات بتنفيذ اعتداءات عسكرية

وتصاعدت لهجة الرئيس التركي، الذي نفذ بالفعل ضربات عسكرية بواسطة الطائرات المسيرة في شمالي سوريا والعراق، بعد هجوم بقنبلة في اسطنبول، في 13 تشرين الثاني (نوفمبر) الماضي، فيما اتهمت الحكومة التركية حزب العمال الكردستاني وفرعه السوري "وحدات حماية الشعب" بالوقوف وراء الحادث.

وفي ما يبدو أنّ الرئيس التركي لا يجد ثمّة نتيجة إيجابية حيال محاولاته القصوى للحصول على دعم (أو موافقة) من أيّ طرف دولي وإقليمي لتنفيذ العملية العسكرية بشمال سوريا. وفي ظل انشغالاتها التامة بأوكرانيا وانسحابها المؤقت من الملف السوري، فإنّ موسكو تضغط لمنع أيّ تحرك عسكري تركي مباغت بسوريا، بل إنّ الممثل الخاص للرئيس الروسي إلى سوريا ألكسندر لافرنتييف، قال لقناة "العربية" إنّ موسكو تعمل على تنظيم لقاء بين الرئيس السوري ونظيره التركي مرجحاً أنّ مثل هذا الاجتماع سيكون إيجابياً ومفيداً.

وفي حديثه لـ"حفريات" يوضح الأكاديمي والمحلل السياسي، فريد سعدون، أنّ روسيا تضع نصب عينيها هدفين؛ الأول "إرضاء تركيا لتخفف عنها أعباء الحرب الأوكرانية، والثاني محاولة كسب قسد إلى جانبها.

وبالنسبة لتركيا وقسد، فإنّ ما هو واضح لهما أنّ روسيا تسعى إلى إعادة جميع الأراضي السورية إلى سلطة المركز في دمشق، وفق سعدون. بينما ترمي موسكو من وراء ذلك إلى "الاستفادة القصوى من هيمنتها على سوريا وتحقيق أعلى المكاسب". ويردف: "فمن ناحية قسد هذا التوجه مرفوض؛ حيث إنّه في حال وافقت قسد على سحب قواتها العسكرية من الحدود مع تركيا، فإنّها ترفض بالمطلق حل الإدارة الذاتية وتسليم شؤون المنطقة للحكومة السورية".

أبعد من مجرد نبذ الكرد

ويرجح سعود أنّ أمريكا أيضاً لن تسمح لأيّ طرف آخر ببسط سيطرته على شرق الفرات، واستثمار حقول النفط والغاز. وهنا؛ يجب أن لا ننسى الدور الأمريكي الحاسم في مناقشة الترتيبات الجديدة للمنطقة.

ورغم أنّ تركيا تعلن أنّ وجود الجيش السوري محل قوات "قسد" قد يكون مقبولاً، إلا أنّها على أرض الواقع تفعل خلاف ذلك، وفق المصدر ذاته، موضحاً أن ّأنقرة تهاجم مراكز تموضع الجيش السوري سواء بالقصف الجوي أو المدفعي، وهذا يؤكد أنّ تركيا لها أجندات أخرى لا تتوقف عند انسحاب "قسد" من الشريط الحدودي، بل هناك مخطط لإقامة ما تسميه (المنطقة الآمنة) والتي ستكون تحت هيمنة تركيا وبالتالي، تدشين إدارة تابعة لتركيا تشبه السيناريو الذي تم تطبيقه في عفرين.

لذلك؛ يبدو من الصعوبة بمكان أن تنجح روسيا في مسعاها لإقناع تركيا بالتراجع عن مخططها، وأقصى ما يمكن أن تحققه روسيا هو "تأجيل الزحف التركي"، بينما المشروع أو المخطط التركي سيبقى قائماً ما دام هناك إدارة ذاتية في شرق الفرات، يقول سعدون.

وفي ما يخص التطبيع مع حكومة دمشق، شدد الأكاديمي والمحلل السياسي على أنّ هذا التقارب لن يصل إلى "اتفاق شامل"؛ لأنّ القضايا العالقة بين الطرفين لا يمكن حلها النهائي والتام بجلوس الطرفين على طاولة المفاوضات، بما يعني ضرورة وجود أطراف أخرى في ظل "تدويل هذه القضايا"، متسائلاً عن طبيعة الاتفاقات الممكنة والمحتملة بين دمشق وأنقرة بالنسبة لشرق الفرات دون مشاركة أمريكا وقسد، الأمر الذي يؤكد، حتماً، استحالة أي اتفاق ثنائي بمعزل عن الشركاء.

ويتابع: "لنفترض حدوث اتفاق جزئي، فمن المؤكد أنّ تركيا ستشترط حل الإدارة الذاتية وقوات قسد. وبغض النظر عما إذا كان ذلك سيصب في مصلحة دمشق أم لا، فالسؤال: ماذا ستقدم تركيا لدمشق مقابل ذلك؟ إذ إنّ مثل هذا الشرط سيدفع قسد إلى تعزيز تحالفها مع أمريكا وقطع علاقاتها مع دمشق، وبالتالي، خلق بؤرة صراع جديدة قد لا تستطيع الحكومة في دمشق تحمل تداعياتها".

وفي المحصلة؛ فإنّ أيّ اتفاق ثنائي سيزيد من تصاعد الأزمة ولن يسهم في حلها.

وقبل أيام، قالت وزارة الدفاع الأمريكية (البنتاغون)، إنّ الولايات المتحدة استأنفت بالكامل الدوريات المشتركة مع قوات سوريا الديمقراطية في شمال سوريا، وذلك بعد تعليقها على خلفية ضربات جوية تركية في المنطقة. ففي منتصف الشهر الماضي، عمدت تركيا إلى شن ضربات جوية ومدفعية في سوريا والعراق.

الأكاديمي والمحلل السياسي فريد سعدون لـ"حفريات": روسيا تضع نصب عينيها هدفين؛ الأول إرضاء تركيا لتخفف عنها أعباء الحرب الأوكرانية، والثاني محاولة كسب (قسد) إلى جانبها

إذاً، كعادته يحاول أردوغان تصدير معركة من معاركه الداخلية من خلال توتير الأوضاع الإقليمية، تحديداً في شمال وشرق سوريا، وهي الإستراتيجية الوحيدة، الآن، التي لا يتحرج من الاستعانة بها لـ"كسب ود" حلفائه من المتطرفين داخل تركيا، خاصة أنّه خسر كل معاركه الأخرى، حسبما يوضح الصحفي السوري الكردي، باز علي بكاري، الذي أبلغ "حفريات": "حتى في سوريا خسر أردوغان مواجهاته الخشنة مع النظام السوري، واليوم، بات، يحاول خطب ود النظام السوري بينما يرفض الأخير".

بالنسبة للوساطة الروسية، فإنّ الدور الروسي ليس فيه اختلاف أو تراجع؛ فالنهج الروسي تجاه الوضع بشمال وشرق سوريا كما هو، والهدف هو "إعادة سيطرة النظام السوري على المناطق التابعة لقسد والإدارة الذاتية، وبالتأكيد رفض أي توسع تركي في المنطقة"، يقول علي بكاري.

كما أنّ الدور الأمريكي ما يزال بدون تغييرات جذرية، بحسب الصحفي السوري الكردي، موضحاً أنّ "الدعم ما يزال مستمراً على الصعيد العسكري. وخلال اليومين الماضيين كان هناك دخول لشحنات جديدة من الأسلحة منها مدافع وأسلحة أخرى. بكل تأكيد واشنطن تعمل ذلك تلبية لمصالحها بينما تغض الطرف، بين الحين والآخر، عن جرائم تركيا وقصف المناطق الخاضعة لسيطرة قوات سوريا الديمقراطية".

ويختم أنّ خريطة الأوضاع داخل سوريا لا تؤشر إلى حدوث تغييرات كبرى، سواء على الصعيد السياسي أو العسكري، وليس هناك ما يدل على ترتيبات مغايرة في المدى القريب.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية