
تأسس الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين عام 2004 في دبلن عاصمة أيرلندا، بدعم مباشر من اتحاد المنظمات الإسلامية في أوروبا التابع للتنظيم الدولي لجماعة الإخوان المسلمين، وهي مؤشرات يصعب التغاضي عنها، حتى مع النفي المتكرر لمجلس أمناء الاتحاد لوجود أيّ علاقة بجماعة الإخوان المسلمين، وإقرار الاتحاد الدائم أنّه اتحاد شعبي يستهدف التصدر للفتوى في عصر الحداثة موجّهًا خدماته لكل المسلمين بجميع مذاهبهم السنّية والشيعية. لكن حتى مع التصديق على تصريحات مجلس الأمناء فمن الصعب التغاضي عن وجود مجلس أمناء نصف أعضائه عناصر قيادية بارزة في جماعة الإخوان المسلمين بدول شمال أفريقيا ومنطقة الشام، والنصف الآخر عناصر قيادية بالجماعة الإسلامية في دول آسيا، وهي الجماعة المرادفة للإخوان في القارة.
سقوط الإخوان في مصر يغيّر مسار الاتحاد
العلاقة بجماعة الإخوان تتضح جليَّا حين نقرأ تاريخ الاتحاد العالمي لعلماء المسلمين منذ التأسيس حتى الآن؛ سنجد أنّ الجمعية العمومية الثالثة المنعقدة عام 2010 في إسطنبول هي التي شهدت وضع الرؤية والرسالة للاتحاد بشكل واضح، وليست الجمعية الأولى المنعقدة في أيرلندا عام 2004. ووضعت أيضًا ميثاقًا جديدًا أعلنت خلاله نقل المقر إلى الدوحة بعد موافقة أمير قطر، وانعقدت تلك الجمعية في تموز (يوليو) 2010 قبل ثورات الربيع العربي بـ (6) أشهر فقط. يقول علي القره داغي رئيس الاتحاد في تصريحات صحفية: إنّ نقل مقر الاتحاد إلى الدوحة كان يحتاج إلى استثناءات وإجراءات عاجلة، فصدر قرار من أمير قطر بتأسيس الاتحاد بشكل يتجاوز جميع العقبات، مؤكدًا أنّ ذلك القرار صدر من أجل مؤسستين فقط داخل قطر؛ الأولى تأسيس قناة (الجزيرة)، والثانية مع نقل مقر الاتحاد من أيرلندا إلى قطر، النقل الذي حدث بشكل نهائي في آذار (مارس) 2011 بعد شهرين من أحداث 25 كانون الثاني (يناير) في القاهرة.
تلك التحركات العاجلة لا نستطيع إلّا أن نضعها في الاعتبار ونحن ننظر إلى تحركات الاتحاد وعلاقته بالحكومات العربية، مثال على ذلك حين ننظر إلى البيانات التي أصدرها الاتحاد عن مصر في الفترة من 2013 حتى 2018 سنجد أنّه أصدر العديد من البيانات ضد أحكام صدرت عن القضاء المصري بالإعدام ضد منتمين للّجان النوعية المسلحة داخل الإخوان المسلمين، وقد ذكر الاتحاد أنّها إعدامات سياسية، منها البيان الصادر بتاريخ 17 أيار (مايو) 2015، الذي وصف السلطة في مصر بأنّها سلطة انقلاب. أيضًا البيان الصادر في 11 نيسان (أبريل) 2015 الذي وصف الإعدامات بأنّها صدرت بحقّ رافضي الانقلاب. وفي 8 آذار (مارس) 2015 أصدر الاتحاد بيانًا ضد إعدام متهم يُدعى محمود رمضان. وقبل ذلك أصدر الاتحاد بيانًا في 26 تموز (يوليو) 2013 دعا من خلاله الجيش المصري إلى الانسحاب من السياسة. واللّافت للانتباه ليس فقط تعدد البيانات التي هاجمت مصر، والتي لم تقدّر ثورة الشعب المصري في حزيران (يونيو) ضد حكم جماعة الإخوان، لدرجة أنّ البيانات وصفت المسألة بأنّها مجرد انقلاب، لكنّ اللافت أكثر من ذلك أنّ الاتحاد لم يُصدر خلال تلك الأعوام أيّ بيان يدين العمليات الإرهابية في سيناء، التي شهدتها مصر بكثرة في 2014 و2015. أضف إلى ذلك أنّ البيان الوحيد الذي أصدره الاتحاد يدين فيه عملًا إرهابيّا في سيناء جاء بعنوان: "القره داغي يدين أحداث سيناء، ويعزّي الشعب المصري في مصابه الأليم"، دون أن نجد وصف "إرهابي" في العنوان، وهي المسألة التي اتبعها الاتحاد في وصف جميع العمليات الإرهابية التي وقعت في تركيا في الفترة نفسها وما قبلها وما بعدها، أضف إلى ذلك أنّ البيان وصف شهداء الجيش بالقتلى، ولكن عندما وقع زلزال تركيا في الفترة نفسها أصدر الاتحاد فتوى اعتبرت قتلى الزلزال في تركيا بمنزلة الشهداء. أيضًا صدرت جميع البيانات ضد إعدامات أعضاء الإخوان بمصر في اليوم نفسه لتنفيذ الإعدام، لكن في حادث سيناء الذي استُشهد فيه العقيد أحمد منسي أصدر الاتحاد البيان في اليوم الثاني لوقوعه.
أصدر الاتحاد العديد من البيانات التي نددت بأحكام قضائية مصرية صدرت بحق مسلحين إخوان.
الاتحاد العالمي وصلته بتنظيم القاعدة
أصدر الاتحاد بيانًا آخر أدان فيه حادثًا إرهابيًا وقع ضد أقباط الكنيسة الأرثوذكسية في صعيد مصر في 26 أيار (مايو) 2017، وهو بيان يتسق مع أهداف الاتحاد التي تخاطب الغرب الأوروبي وتقدّم علماء الاتحاد بالصورة الوسطية التي تُقدّر الآخر وترفض القتل على الهوية أو الدين أو العرق. ذلك البيان صدر بعد عامين من بيان سابق للاتحاد بتاريخ 7 كانون الثاني (يناير) 2015 أدان خلاله الهجوم على صحيفة (شارلي إيبدو)، وهي من الفتاوى النادرة التي أدان فيها الاتحاد عملًا إرهابيًا خارج تركيا!
وعلى الرغم من محاولة الاتحاد أن يُقدّم نفسه باعتباره صورة للتجديد الديني، فهو يضمّ بين مجلس أمنائه نخبة من أبرز داعمي الإرهاب في العالم العربي والإسلامي، ومعظمهم وُضع بشكل شخصي على قوائم الإرهاب، عربيًا أو دوليًا، في المقدمة منهم الأمين العام الحالي للاتحاد ومسؤول لجنة الإعلام علي الصلابي، الموضوع على قوائم الإرهاب في مصر والسعودية والإمارات والبحرين.
وقد ذكرت وثائق هيلاري كلينتون أنّ الصلابي كان حلقة الوصل بين المخابرات الأمريكية وتنظيم (القاعدة) فترة الثورة الليبية، ويُعتبر شقيقه إسماعيل الصلابي القيادي في تنظيم القاعدة المسؤول عن أغلب الميليشيات التي لعبت دورًا في إسقاط النظام الليبي. المسألة التي وصفها تفصيلًا الكاتب السياسي الأمريكي وخبير مكافحة الإرهاب جون روسوماندو في كتاب "حيلة الربيع العربي: كيف خدع الإخوان المسلمون واشنطن في ليبيا وسوريا". لاحقًا قال روسوماندو، في مقابلة صحفية أجرتها سارة برزوسكيويتش: "تُظهر رسائل هيلاري كلينتون الإلكترونية أنّ مستشار الأمن القومي الحالي جيك سوليفان أبلغها بأنّ قادة الإخوان المسلمين، مثل علي الصلَّابي، كانت لديهم اتصالات مع تنظيم (القاعدة) في ليبيا خلال انتفاضة شباط (فبراير) 2011. كما أبلغها سيدني بلومنتال - صديق السيدة كلينتون ومستشارها - أنّ جماعة الإخوان المسلمين في مصر كانت لها صلات وثيقة بالجهاديين خلال "الربيع العربي". لكنّ ذلك لم يمنع إدارة أوباما من الاحتفاء بأعضاء الإخوان، ودعم تطلعاتهم الانتخابية".
من ليبيا أيضًا سالم الشيخي عضو مجلس أمناء المجلس الأوروبي للإفتاء والبحوث ووزير الأوقاف في الحكومة الليبية المشكّلة بعد سقوط نظام القذافي، والشيخي أحد أبرز عناصر جماعة الإخوان المسلمين في أوروبا. ومثل الكثيرين من إخوان الخارج عاد إلى ليبيا بعد اندلاع الثورة الليبية عام 2011، وانخرط في الثورة، ثم عُيّن وزيرًا للأوقاف بالمجلس الوطني الانتقالي، إلى جانب توليه منصب عضو الهيئة المركزية للرقابة الشرعية في مصرف ليبيا المركزي.
ومن أعضاء مجلس الأمناء الباكستاني واصف لقمان قاضي عضو الجماعة الإسلامية في باكستان، التي اتهمتها الهند بالضلوع بالحادث الإرهابي في كشمير 23 نيسان (أبريل) 2015. ومن أعضاء مجلس الأمناء أيضًا مروان أبو راس أحد أبرز أعضاء حركة حماس، والعضو السابق في المجلس التشريعي الفلسطيني عن غزة. ومن أعضاء حركة حماس أيضًا في مجلس أمناء الاتحاد نواف التكروري. ومؤخرًا اختارت حكومة الجولاني في سوريا مفتيًا عامًا للبلاد من بين مجلس أمناء الاتحاد، وهو الشيخ السوري أسامة الرفاعي.