نيرمين علي
لا يزال الكلام عن العلاقة بين الموسيقى والكائنات الأخرى موضع شك بين العلماء، بل إن الحديث عن هذه العلاقة غالباً ما يكون صورة فانتازية وحالمة جداً وحتى كرتونية في بعض الأحيان، تتمثل بتمايل الزهور وتراقصها على إيقاع الموسيقى.
من جهة أخرى أصبح من المؤكد أن للموسيقى قدرة على شفاء الروح وتعزيز القوة البشرية وتحسين المزاج، فهي تخلق من خلال الموجات اهتزازاً ينتج منه في وقت ذاته اهتزاز في الأذن يتم تحويله إلى طاقة وتمريرها إلى الدماغ من أجل تمييز الصوت وتفسيره.
لكن ماذا عن النبات؟ وهل يمكن للموسيقى أن تملك التأثير نفسه في النباتات؟ وهل إسماع الموسيقى للنباتات يساعدها في النمو؟
لقد اكتشفت العلاقة التفاعلية بين الموسيقى والنبات منذ زمن طويل وطرحت على نطاق واسع فنياً وعلمياً إلا أنها بقيت في اتجاه واحد، إذ تستخدم النباتات وموادها وأخشابها لصنع معظم الآلات الموسيقية الخشبية النفخية منها والوترية، مثل الناي والربابة والعود الغيتار والكمان وغيرها كثير.
تتأثر وتستجيب
إن فكرة تأثر النباتات بالموسيقى ليست جديدة، فقد أجريت عام 1962 واحدة من أولى الدراسات حول تأثير الموسيقى على النباتات من قبل رئيس قسم النبات في جامعة أناماليا في الهند، قام خلالها بتعريض نباتات البلسم للموسيقى الكلاسيكية، ووجد أن معدل نموها زاد بنسبة 20 في المئة، إلى جانب زيادة بنسبة 72 في المئة في الكتلة الحيوية، ثم قام بتعريض المحاصيل لموسيقى الراجا (موسيقى كلاسيكية هندية) عبر مكبرات الصوت، ووجد أنها أنتجت من 25 إلى 60 في المئة أكثر من المعدل المعروف.
واختبر الباحثون في جامعة أناماليا موسيقى الفلوت والكمان والأرغن وغيرها، وتوصلوا في النهاية إلى أن الكمان كان أكثر الآلات فاعلية.
كما نشر عام 1973 كتاب "الحياة السرية للنباتات" لكريستوفر بيرد وبيتر تومبكينز، وقدم فيه الكاتبان سرداً للعلاقات الجسدية والعاطفية والروحية بين النبات والإنسان، واستكشفا العالم الداخلي للنباتات وعلاقته بالبشر، واستشهدا بدراسات علمية أشارت إلى أن الموسيقى لا تساعد النباتات في النمو وحسب، بل إن للنباتات مستوى من الوعي يمكنها أن تستجيب بذكاء للبشر، وتتالت التجارب بعدها.
حساسة للمنبهات الخارجية
قام عدد من العلماء بأبحاث تتعلق بدرس الاستجابات البيئية المختلفة للنباتات، وخرجوا باستنتاج مفاده أن النباتات والحيوانات تشترك معاً بالحساسية للمنبهات الخارجية مثل الضوء والبرد والحرارة والضوضاء، وأن الضغط الناتج من الموجات الصوتية يخلق ذبذبات تنتقل عبر الهواء وتلتقطها النباتات ثم تظهر استجابة تعاطفية معها.
والأكيد أن النباتات لا تسمع بحد ذاتها ولكنها تشعر بذبذبات الموجات الصوتية، وهذا يمكن أن يسرع الحركة البروتوبلازمية (العمليات الحيوية داخل الكائنات الحية) داخل خلاياها، ويؤثر هذا التحفيز بدوره في إنتاج المواد المغذية التي تساعد في نمو النبات بشكل أقوى وأفضل.
الموسيقى المفضلة
جربت أنواع مختلفة من الموسيقى بما في ذلك الكلاسيكية والجاز والروك، ولوحظ أن النباتات التي تعرضت للموسيقى الأكثر هدوءاً (الجاز والكلاسيكية) نمت باتجاه مكبر الصوت، وحتى إنها انجذبت على شكل ضفيرة حوله.
ومن ناحية أخرى نمت النباتات التي تعرضت للموسيقى الصاخبة (الروك) بعيداً من مكبرات الصوت، إذ يحمل كل نوع من التشكيلات الموسيقية ذبذبات موجات صوتية مختلفة تمارس درجات متفاوتة من الضغط والاهتزاز، فعلى سبيل المثال تضفي الموسيقى المرتفعة والصاخبة مثل موسيقى الروك ضغطاً أكبر يميل إلى التأثير الضار في النباتات، إذ يشبه إلى حد ما تأثير الرياح القوية مقارنة بالنسيم المعتدل، لذا يفضل دائماً اختيار نوع الموسيقى الهادئ والمتناغم الذي يحمل لحناً ناعماً.
والحقيقة أن هناك كثيراً من الأدلة المقنعة التي تدعم الفكرة، ومئات المزارعين حول العالم اليوم يسمعون الموسيقى للفاكهة والخضراوات، ويؤكد بعضهم بالتجربة أنه يمكن للموسيقى أن تمنع انتشار الأمراض في المحاصيل، أي أنها لا تقضي على الفيروسات ولكن توقف انتشارها بشكل ما.
من جهة أخرى، لا زال هناك عدد من علماء النبات الذين ينتقدون هذه التجارب ويصفونها بـ "العلم الزائف" وبكونها "معيبة" علمياً وغير قابلة للتأكيد، معتبرين أن هناك عدداً من المتغيرات التي ربما لم تتم معالجتها أو تفسيرها بشكل صحيح، مثل الضوء والماء وضغط الهواء وحال التربة.
عن "اندبندنت عربية"