ما حقيقة الحديث عن تطبيع صومالي مع إسرائيل؟

ما حقيقة الحديث عن تطبيع صومالي مع إسرائيل؟


01/06/2022

بعد انتخاب حسن شيخ محمود رئيساً للصومال، للمرة الثانية، أعادت صحيفة إسرائيلية نشر أخبار عن اجتماعات سرّية عقدها حسن شيخ خلال رئاسته الأولى مع رئيس الوزراء الإسرائيلي السابق، بنيامين نتنياهو، عام 2016، وتوقّع صحفيون وباحثون من إسرائيل والولايات المتحدة أن تشهد العلاقات بين الصومال وإسرائيل انفراجة في عهد حسن شيخ، بسبب علاقته مع دول خليجية تقيم علاقات مع إسرائيل.

وخلال الأعوام الماضية، وُجدت عدة دلائل عن تسرّب مفهوم التطبيع إلى ساسة في وزارة الخارجية الصومالية، ما استدعى رداً حازماً من الوزارة بإقالة وطرد مسؤول على خلفية ذلك.

حديث عن التطبيع

وعقب انتخاب حسن شيخ محمود، في 15 أيار (مايو)، نشرت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" تقريراً جاء فيه أنّ حسن شيخ محمود أجرى زيارة سرية إلى تل أبيب بصحبة مسؤولين رفيعي المستوى، خلال حزيران (يونيو) 2016، إبان فترة رئاسته الأولى، والتقى نتنياهو ومسؤولين إسرائيليين. وبحسب الصحيفة؛ أكّد مسؤول قريب من حسن شيخ عقد اللقاء في تل أبيب، ووجود لقاءات أخرى على مستويات عليا بين البلدين في الوزارات المعنية بالاقتصاد.

وكانت الصحيفة نفسها قد نشرت تقريراً، في تموز (يوليو) 2016، أكدت فيه، على لسان المسؤول المذكور، عقد اللقاء بين الطرفين، وردّاً على سؤال من الصحيفة لم ينفِ ولم يؤكد نتنياهو شيئاً بخصوص اللقاء، وقال: "لا أريد أن أجيب عن سؤالك المحدد. أستطيع أن أقول إنّ لدينا كثيراً من الاتصالات مع دول ليست لدينا علاقات رسمية معها، الكثير من الاتصالات".

هل التقى الرئيس الصومالي حسن شيخ محمود مسؤولين إسرائيليين؟

ويثير تقرير الصحيفة الإسرائيلية عدداً من الملاحظات، بحسب الصحيفة ذاتها، كان موقع "Caasimada Online"، المعارض لحسن شيخ، هو من نشر الخبر أولاً، وفي وقت كانت البلاد على أعتاب انتخابات رئاسية مقبلة، ما يثير الشكوك في مصداقية الخبر، فضلاً عن غياب أيّ حديث رسمي بالإيجاب أو النفي من الحكومة الصومالية بشأن اللقاء، ومن جانب آخر؛ فالتوقيت نفسه له دلالة، حيث سبق بأيام جولة لنتنياهو إلى دول شرق أفريقيا، شملت إثيوبيا وكينيا، والتي تجمعهما علاقات وطيدة بالساسة والحكومة في الصومال، فضلاً عن الحدود المشتركة.

هناك قطاع من المسؤولين في الصومال يرغب في التطبيع مع إسرائيل، ويمكن تفسير ذلك، كون الغالبية من المسؤولين رفيعي المستوى لديهم علاقات قوية بالدول الغربية.

وإن كان ما سبق يقع في خانة الاحتمالات، فالأمر الأكيد أنّ هناك قطاعاً من المسؤولين في الصومال يرغب في التطبيع مع إسرائيل، ويمكن تفسير ذلك كون الغالبية من المسؤولين رفيعي المستوى لديهم علاقات قوية بالدول الغربية، وإقامات بل وجنسيات وعائلات في هذه الدول خصوصاً الولايات المتحدة، بفعل الهجرات وموجات اللجوء.

وكشف موقفان عن هذا التوجه؛ الأول حين امتنعت بعثة الصومال في الأمم المتحدة عن التصويت على قرار قدمته المجموعة العربية إلى مجلس حقوق الإنسان الأممي بإدانة اعتراف الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، بسيادة إسرائيل على الجولان السورية، في آذار (مارس) عام 2019، قبل أن تتراجع البعثة وتصوّر القرار على أنّه بـ "الخطأ"، وردّاً على ذلك استدعت وزارة الخارجية الصومالية سفيرتها لدى الأمم المتحدة في جنيف، وأصدرت بياناً أكّدت فيه على "سوريا الجولان" والتزامها بالموقف العربي تجاه قضية فلسطين.

وتبعاً لهذا الموقف، أعلنت الوزارة إقالة الدبلوماسي، عبد الله طول، من منصبه كمدير لمكتبها في الشهر نفسه، بعد تغريدات على تويتر، هاجم فيها الفلسطينيين، ودعا إلى إنشاء علاقات مع إسرائيل.

والتقت صحيفة "تايمز أوف إسرائيل" الدبلوماسي المُقال خارج الصومال، التي تركها خوفاً على سلامته الشخصية، وأكّد لها، في حديثه، وجود مسؤولين يريدون التطبيع، وفي السياق ذاته نشر "معهد واشنطن" البحثي تقريراً حول وجود فرص للتطبيع مع إسرائيل في عهد الرئيس حسن شيخ.

ردود صومالية

ويقول الباحث الصومالي في السياسة والتاريخ، عبد العزيز محمد جوليد: "هناك إشاعات أنّ الرئيس حسن شيخ التقى نتنياهو في نيروبي، ومرة أخرى في تل أبيب، عام 2016، لكنّ الأكيد أنّه لا يوجد سياسي صومالي يجرؤ على ذكر التطبيع؛ بسبب الغضب الشعبي وما يعنيه ذلك من انتهاء مستقبله السياسي".

صورة منسوبة للسفير المتجوّل عبد الرشيد سيد خلال لقاء نتنياهو على هامش اجتماعات الجمعية العامة للأمم المتحدة

وأكّد جوليد، لـ "حفريات"، على أنّه "لم تكن أبداً هناك علاقات بين الدولة الصومالية وإسرائيل منذ الاستقلال، وحتى بعد سقوط الحكومة المركزية وإعادة تأسيس الدولة الفيدرالية لم يُجد أيّ شيء حول العلاقات مع إسرائيل، بل طردت الصومال عقب حرب 1967 القلة اليهودية التي كانت تعيش في مقديشو".

ومن جانبه، أكّد الباحث الصومالي في شؤون القرن الأفريقي، بشير مالم: على أنّ "موقف الشعب الصومالي، مثل جميع الشعوب العربية والإسلامية، يرفض إسرائيل، ولن نتصالح معها لأنّها غاصبة للحقّ الفلسطيني، والقدس عاصمة دولة فلسطين".

وبسؤاله عمّا يمكن لإسرائيل تقديمه للصومال، نفى، لـ "حفريات"، وجود أية فوائد من التطبيع، وقال: "لا تربطنا أيّة علاقات بإسرائيل، ولا فوائد مرجوّة من ورائها، بل هي جزء من العدوان على دولنا، ولا يمكن لأيّ رئيس صومالي اتخاذ خطوة التطبيع".
بخلاف ذلك، يرى الباحث جوليد أنّ هناك منافع قد تعود على الصومال جراء التطبيع، ومنها "ملف الأمن والتدريب العسكري، ومحاربة الإرهاب، وإعادة الإعمار والملف الاقتصادي"، لكنّه شدّد على أنّ "كشعب الصومال لا نريد منهم أيّ شيء، وندعم فلسطين كدولة في المحافل الدولية كافة".

حركة الشباب الإرهابية

وإلى جانب الرفض الشعبي للتطبيع، هناك قضية الإرهاب؛ فإذا كانت إسرائيل قادرة على تقديم الدعم الأمني ضمن حزمة الإغراءات التي قد تلوح بها، أو قد تروّج لها القلة التي تحدثت عن التطبيع، فحركة الشباب ستستفيد حتماً من هكذا قرار؛ عبر اتّهام الحكومة الصومالية بالعمالة لإسرائيل.

ويرى مدير مركز "هرجيسا" للدراسات والبحوث، محمود محمد حسن عبدي؛ أنّ "سردية حركة الشباب ستلقى قبولاً كبيراً إذا ما أقدمت مقديشو على التطبيع، لأنّ الشعب يريد تطبيق الشريعة الإسلامية بينما الحكومة عاجزة، وحال حدوث التطبيع مع إسرائيل سيمنح ذلك الزخم لحركة الشباب بضمّ عناصر بأعداد كبيرة ونيل قبول، وربما نشهد تكرار تجربة المحاكم الإسلامية".

بشير مالم: لا تربطنا أية علاقات بإسرائيل

وتأكيداً لما سبق، ذهب الباحثان، عبد العزيز جوليد وبشير مالم، إلى أنّ "التطبيع يعني مكاسب كبرى لحركة الشباب وأيديولوجيتها، بما يهدّد الدولة الصومالية ذاتها".

ووفق ذلك؛ فإنّه حتى لو روّج أحد لقدرات إسرائيل الأمنية، فلن تكون مجدية للصومال، الذي هو في غنى عن منح الخطر الأكبر، حركة الشباب المجاهدين، المصنّفة إرهابياً دولياً ومحلياً، المبرّر لتكرار نموذج أفغانستان، وهذه المرة بدعم شعبي نابع من النقمة على الحكومة.

فضلاً عن ذلك، فطبيعة الحكم الفيدرالية في الصومال، وغياب نظام ديمقراطي انتخابي مباشر، مع وجود نظام الانتخاب العشائري، لا يمنح أيّ رئيس الشرعية والقبول الشعبي الكافي للإقدام على مغامرة العلاقات مع إسرائيل، إلى جانب أنّ هذا الأمر لا يعدّ أولوية للصومال.

مناكفات صومالية

ومن زاوية أخرى، هناك حديث عن وجود قبول شعبي ورسمي في صوماليلاند، الإقليم الذي أعلن استقلاله من طرف واحد، عام 1991، للتطبيع مع إسرائيل، كخطوة يمكن من خلالها كسب الدعم الغربي، وخصوصاً الأمريكي، بشأن الاعتراف بالإقليم كدولة ذات سيادة.

وحول ذلك، قال الباحث عبد العزيز محمد جوليد: "يختلف فكر شعب الصومال وصوماليلاند بخصوص التطبيع؛ الأول يرفض بساسته، بينما شعب وساسة صوماليلاند لديهم تأييد كبير لإقامة علاقات مع إسرائيل، كخطوة تُسلط الضوء الإعلامي الدولي عليهم، وتكسبهم دعماً في سبيل الاعتراف بهم كدولة مستقلة".

عبد العزيز جوليد: التطبيع يعني مكاسب كبرى لحركة الشباب وأيديولوجيتها

وبسؤال مدير مركز "هرجيسا" للدراسات والبحوث، الذي يتّخذ من عاصمة صوماليلاند، هرجيسا، مقرّاً له، حول ذلك، قال: "الحديث عن قبول شعبي ورسمي لإقامة علاقات مع إسرائيل في صوماليلاند ليس جديداً، وموجود منذ ظهور المعارضة في الإقليم لحكم سياد بري في عقد السبعينيات من القرن الماضي، وهو حديث وقفت المخابرات الصومالية وراء نشره، بهدف تشويه سمعة المعارضة التي تركزت في صوماليلاند".

الباحث الصومالي بشير مالم لـ "حفريات": موقف الشعب الصومالي مثل جميع الشعوب العربية والإسلامية يرفض إسرائيل، ولن نتصالح معها لأنّها غاصبة للحقّ الفلسطيني

وتابع لـ "حفريات": "القبيلة التي تشكّل 70% من سكان صوماليلاند هي "الإسحاقيين"، وتمّ استغلال هذا الاسم على يد نظام سياد بري للإيحاء بوجود روابط دم مع اليهود، وترديد اتهامات بارتباط الحركة الوطنية الصومالية (SNM) التي أسقطت نظام سياد بري بإسرائيل".

وبحسب مدير مركز هرجيسا، شكّلت عقود من الاتهامات ردّ فعل لدى شعب صوماليلاند "باتوا يردّون على هذه الاتهامات بالقول إنّه لا مانع لديهم من التطبيع مع إسرائيل"، لكن "لا يخلو هذا الردّ من مجرد ألاعيب المناكفة المحلية في إطار الصراع بين صوماليلاند والصومال، وحقيقة الأمر أنّ التطبيع مرفوض تماماً من سائر الصوماليين، فهم أمة عانت، وما تزال، من احتلال أراضيها من جيرانها، ولهذا فرفض الاحتلال مبدأ متجذّر في نفوسهم، عدا عمّا لقضية فلسطين من مكانة لديهم".

مدير مركز هرجيسا: حركة الشباب ستلقى قبولاً كبيراً إذا ما أقدمت مقديشو على التطبيع

وبحسب ما ذكره البروفيسور الصومالي، عبد القادر سلوى، في مقطع فيديو عبر صفحته على فيسبوك؛ فقد كان لإسرائيل دور محدود في تدريب عدد من الضباط والجنود المنشقّين عن نظام سياد بري، والذين عادوا للمشاركة في الحرب ضدّه، حتى سقوطه عام 1991، ولم يكونوا من المعارضة التي انطلقت من صوماليلاند.

مواضيع ذات صلة:

المشهد السياسي في الصومال: سيناريوهات تنتظر الرئيس الجديد.. ماذا عن التحديات؟

ملفات ملتهبة على طاولة الرئيس الصومالي الجديد

مراقبون صوماليون لـ"حفريات": هذا ما نتوخاه من الرئيس الجديد



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية