ما تداعيات صعود اليمين المتطرف في أوروبا على الشرق الأوسط؟

ما تداعيات صعود اليمين المتطرف في أوروبا على الشرق الأوسط؟

ما تداعيات صعود اليمين المتطرف في أوروبا على الشرق الأوسط؟


06/10/2022

مرّت السياسة الأوروبية على مدار الأعوام الماضية بعدة منعرجات؛ أدت إلى تغير كبير في ملامحها العامة نتيجة صعود التيار القومي وقوى اليمين المتطرف في مواجهة الديمقراطيات، تلك التحولات ستؤثر بما لا يدع مجالاً للشك على خريطة السياسة الأوروبية، داخلياً وخارجياً، وستفرز تحولات جديدة لتحالفات لم تكن قائمة في مقابل نهاية تحالفات أخرى، كما تلقي هذه التحولات بظلالها على منطقة الشرق الأوسط الذي من المتوقع أن تشهد علاقاته بأوروبا "إعادة ترتيب"، على حدّ وصف المراقبين.

 ومنذ مطلع العام الجاري سجل اليمين المتطرف صعوداً تاريخياً في دوائر السلطة في كل من المجر والنمسا والسويد وفرنسا، وصولاً إلى إيطاليا التي فازت فيها زعيمة اليمين المتطرف جورجيا ميلوني في الانتخابات التشريعية التي جرت في البلاد في تشرين الأول (أكتوبر) الحالي، الأمر الذي يثير مخاوف عديدة من ساسات اليمين المتطرف حول عدة ملفات أبرزها "الهجرة".

ما أسباب صعود اليمين المتطرف؟ لماذا تغير المزاج الأوروبي؟

وضعت الباحثتان بالمركز المصري للفكر والدراسات الإستراتيجية آية عبد العزيز والشيماء رفعت مجموعة من الأسباب لصعود اليمين المتطرف داخل أوروبا مؤخراً، أبرزها "فشل السياسات النيوليبرالية، فقد ساهمت الأزمة المالية العالمية التي اندلعت في عام 2008 في اتباع سياسات تقشفية، والتخلي شيئاً فشيئاً عن سياسات دول الرفاه التي اتسمت بها أغلب الدول الأوروبية، وهو ما دفع لظهور أجندة معادية لسياسات الاتحاد الأوروبي الهادفة لخفض عجز الموازنة، والسعي لاتباع أجندة قومية ذات صبغة حمائية، تعلي هذه الأجندة من أهداف الاستثمار في الصناعات الوطنية وتقديم الدعم للمواطنين، بغضّ النظر عن تأثير ذلك على الموازنة العامة".

تفاقم أزمات اللجوء والهجرة غير الشرعية

 أمّا السبب الثاني لصعود اليمين المتطرف، وفق ما أوردته الباحثتان في دراستهما المنشورة تحت عنوان: "تداعيات صعود اليمين المتطرف في أوروبا على مصر والشرق الأوسط" فهو: "تفاقم أزمات اللجوء والهجرة غير الشرعية، التي كانت في أقوى صورها بعد موجة اللجوء السورية عام 2015، والتي وصلت إلى ما يزيد عن مليون لاجئ سوري، وفي ظل اقتصادات كانت منهكة بالفعل؛ بسبب التقشف جراء الأزمة الاقتصادية، قوبلت تلك الموجة بشعور بالفزع لدى الكثيرين من الأوروبيين، وخاصة الموجودين في المناطق الفقيرة بأوروبا.

 في حين يتمثل السبب الثالث في الشعور بالتهديد الثقافي؛ لأنّ هذا الشعور نتيجة للسببين السابقين؛ فخطط التقشف أثرت أغلبها على الأفراد، ومع مواجهتهم لموجة مهاجرين كانوا أكثر تساهلاً من ناحية سياسات العمل، ورفعوا المنافسة على الفرص القليلة المتاحة، بالإضافة إلى استفادتهم من الإعانات المدفوعة من ضرائب هؤلاء المواطنين.

دراسة: من المتوقع أن تشهد الفترة المقبلة مزيداً من التعاون المشترك مع دول المنطقة، فيما يتعلق بالملفات الحيوية التي تتعلق بالأبعاد الأمنية مثل الهجرة غير الشرعية ومكافحة الإرهاب والجريمة المنظمة

 

 وقد أضيف إلى تلك المعادلة الشعور بالتهديد بسبب التصور بمهاجمة القيم المسيحية لأوروبا بسبب تصاعد أعداد المسلمين من جهة، ومن جهة أخرى السياسات التي يتبنّاها الاتحاد التي تدعم حقوق مجتمعات المثليين والإجهاض والعديد من القيم التي تخالف القيم المسيحية التقليدية المحافظة، كلّ تلك الأسباب المتشابكة مجتمعة ساهمت في صعود اليمين المتطرف الذي يدعو إلى أجندة اجتماعية محافظة، ويقوم على معاداة الأجانب، وفق الدراسة.

وأخيراً جاءت الحرب الروسية لتفاقم الأوضاع الهشة التي كانت تعيشها القارة بسبب التداعيات الاقتصادية التي خلفتها جائحة فيروس كورونا، والتي فرضت على الدول الأوروبية دفع فاتورة كبيرة لدعم الأسر والشركات.

 ما تأثير صعود اليمين المتطرف على الشرق الأوسط ومصر؟

تتوقع الدراسة أن تشهد الفترة المقبلة مزيداً من التعاون المشترك مع دول المنطقة، فيما يتعلق بالملفات الحيوية التي تتعلق بالأبعاد الأمنية مثل الهجرة غير الشرعية، ومكافحة الإرهاب، والجريمة المنظمة، وخاصة مع مصر التي لديها تجربة رائدة قائمة على نهج شامل لمعالجة هذه الملفات من قبل، كما أنّها شريك موثوق فيه لدى الدول الأوروبية ومن مصلحتهم استمرار التعاون معها.  

 وبالرغم من أنّ قضايا المناخ لا تحتل أهمية كبيرة على أجندة هذه القوى، إلا أنّه من المرجح أن تكون من ضمن الاهتمامات المستجدة خلال الفترة المقبلة، إلا أنّها نتيجة تنامي ضغوط الرأي العام الأوروبي لإعادة النظر في السياسات العامة المُتبعة بشأنها، وخاصة مع تزايد تداعيات تغير المناخ التي تشهدها العواصم الأوروبية، لذلك ترى الباحثتان أهمية أن تستغل مصر قمة المناخ (كوب 27) المزمع انعقادها في شرم الشيخ في تشرين الثاني (نوفمبر) المقبل لتعزيز شراكتها مع هذه الدول في القضايا البيئية والمناخية.   

 واتصالاً بتوجهات قوى اليمين المتطرف بشأن ملف المناخ، تتوقع الدراسة أن تشهد المرحلة المقبلة زيادة لمعدلات الاستثمار في مصادر الطاقة التقليدية بالاعتماد على الطاقة النووية، والتوسع في استخدام الفحم، وزيادة الاستثمارات في مجال التنقيب عبر شركة "إيني" الإيطالية على سبيل المثال.

 وفيما يتعلق بالجانب الاقتصادي والشراكات التنموية، ترجح الدراسة أن ينصبّ الاهتمام على الأبعاد الأمنية للعلاقات التعاونية أكثر من الشراكات التنموية، بجانب التركيز على القطاع الخاص، وهو ما قد ينعكس بشكل متباين على دول المنطقة ومصر وفقاً لحجم التعاون والشراكة.

أمّا مصالح الشرق الأوسط، فسوف ترتبط، بحسب الدراسة، بالمصالح الوطنية للدول الأوروبية التي صعد فيها اليمين المتطرف إلى السلطة، لذلك "من المرجح أن تدعم تحقيق الاستقرار في الدول التي تعاني من أزمات مثل سوريا والعراق وليبيا على سبيل المثال، وذلك كهدف للحدّ من تدفقات الهجرة غير الشرعية، وطلبات اللجوء المتواصلة، نتيجة الأوضاع غير المستقرة والحروب الأهلية.

مصالح الشرق الأوسط سترتبط بالمصالح الوطنية للدول الأوروبية التي صعد فيها اليمين المتطرف إلى السلطة؛ لذلك من المرجح أن تدعم تحقيق الاستقرار في الدول التي تعاني من أزمات

 

 وترى الدراسة أنّه بالرغم من تنامي صعود قوى اليمين المتطرف في بعض الدول الأوروبية، إلا أنّه من المبكر تقييم تجربتهم في الحكم، وخاصة أنّنا نشهد وضعاً غير مسبوق منذ عقود، كما أنّ برامجهم السياسية المعلنة التي تمّ الترويج لها إبّان حملاتهم الانتخابية كانت ذات أولويات داخلية أكثر من كونها خارجية، باسـتثناء موقفهم مـن الحرب الروسية الأوكرانية، وذلك لنفي أيّ صلة بين قوى اليمين المتطرف وروسيا، التي بالفعل شهدت أعواماً من التوافق والتعاون بين الجانبين.

 لذلك تتوقع الدراسة أنّ تداعيات صعود اليمين المتطرف على مصر والمنطقة ستأتي في سياق توجهاتهم تجاه المنطقة بشكل عام، كما أنّها ستكون مرهونة بالأولويات الداخلية لهذه القوى، ولذلك قد يكون من المفيد بالنسـبة إلى الدولة المصرية البدء في خلق مساحة مشتركة للتعاون مع هذه القوى، وخاصة أنّ مصر لديها تجربة رائدة وجهود كبيرة في محاربة التطرف، والأفكار الراديكالية، وهو ما يُعدّ مجالاً محتملاً للتعاون، هذا إلى جانب فتح قنوات للتواصل مع هذه القوى كنهج استباقي.  

مواضيع ذات صلة:

بعد صعود اليمين المتطرف في إيطاليا... هل الجاليات المسلمة في خطر؟

اليمين الأوروبي ونهاية الحفلة

صعود اليمين ومحنة المسلمين الأوروبيين

 



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية