ما أسباب تلويح رئيس الوزراء السوداني بالاستقالة؟

ما أسباب تلويح رئيس الوزراء السوداني بالاستقالة؟


02/01/2022

يعيش السودان اضطرابات سياسية داخلية منذ الإجراءات التصحيحية/ الانقلاب العسكري، الذي قام به رئيس مجلس السيادة الانتقالي، القائد العام للقوات المسلحة، الفريق أول ركن، عبد الفتاح البرهان، ضدّ جزء من المكوّن المدني في الحكم؛ وهو فريق قوى إعلان الحرية والتغيير "قحت". وشهدت البلاد احتجاجات شعبية، منذ اتخاذ هذه الإجراءات، في 25 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، وما تزال مستمرة، وإن كانت لا تتميز بالزخم الكبير، الذي تصوره وسائل الإعلام المحسوبة على الثوار وقحت.

اقرأ أيضاً: هل يجهض اتفاق الخرطوم بين البرهان وحمدوك مخططات الإخوان؟

وبعد ضغوط دولية وإقليمية ومحلية، توصل البرهان ورئيس مجلس الوزراء الانتقالي، عبد الله حمدوك، إلى اتفاق 21 تشرين الثاني (نوفمبر)، والذي أعاد حمدوك إلى منصبه كرئيس للوزراء، بعد إقالته في إجراءات 25 تشرين الأول (أكتوبر).

وكان من المتوقع أن يُساهم الاتفاق في تهدئة الشارع السوداني، إلا أنّ ذلك لم يحدث؛ بسبب استمرار دعوات القوى السياسية من قحت للتظاهر، واستمرار حالة الاحتجاج غير المسيَّسة، التي ترفع شعارات معادية للشراكة مع العسكريين، دون وجود برنامج ورؤية وقيادة لترجمة حراكهم إلى فعل سياسي.

الباحث د. أبو بكر فضل محمد: استقالة حمدوك ستُفقد الثورة أكثر مما تكسب

وإزاء ذلك، جاء تلويح عبد الله حمدوك بالاستقالة من منصبه، وهو القرار الذي يتأجل يوماً بعد آخر، بفعل وساطات محلية ودولية، لا ترغب في منح الغضب الشعبي دفعة قد تؤدي إلى توترات، تزيد من تأزيم الوضع في البلاد.

أهمية بقاء حمدوك

وكانت عدّة صحف سودانية وعربية نقلت عن مصادر داخل مكتب عبد الله حمدوك امتناعه عن الحضور إلى المكتب، وملازمته لمنزله في الخرطوم، وكذلك عن بدء فريق عمله إجراءات تسليم مهامه، وهي إشارة قوية حول اعتزامه الاستقالة.

ومع تكرار المواعيد التي تحدثت عنها وسائل إعلام حول استقالة حمدوك، وعدم تنفيذ ذلك، باتت هناك شكوك قوية حول إقدام الرجل على ذلك، ومن المرجح أن تكون هناك وساطات محلية ودولية وإقليمية وراء تأجيل إعلانه الاستقالة، ومحاولات جادة لثنيه عنها.

مع تكرار المواعيد التي تحدثت عنها وسائل إعلام حول استقالة عبد الله حمدوك، وعدم تنفيذ ذلك، باتت هناك شكوك قوية حول إقدام الرجل على ذلك

وأفاد الباحث في الدراسات الإستراتيجية، أبو بكر فضل محمد، بأنّ "حمدوك هو الخيار الأفضل على الساحة السياسية السودانية حتى الآن، وللأسف، كثيرون لم يفهموا الرجل صاحب الرؤية الثاقبة الهادئة سياسياً، والمنهج البراغماتي اقتصادياً، والبعيد عن الحواضن السياسية والاجتماعية. الذين يرفضون حمدوك اليوم؛ عسكريون ومدنيون، سيندمون كثيراً إذا قدّم الرجل استقالته".

وتنبع أهمية بقاء حمدوك على رأس الحكومة من كونه شخصية قادرة على جمع المدنيين والعسكريين على أرضية مشتركة، والحفاظ على قرار مستقلّ نسبياً عن المكوّن العسكري، خصوصاً بعد إجراءات 25 أكتوبر الماضي، والتي أزاحت قوى قحت السياسية من المشهد السياسي الرسمي، ومن الوثيقة الدستورية.

فضلاً عن ذلك، يحظى حمدوك بدعم وثقة دولية كبيرة، وهي ورقة ضغط لصالحه لتحقيق توازن في تحالفه مع العسكريين، والحفاظ على المسار الانتقالي، نحو إقامة الانتخابات في جوّ ديمقراطي.

لماذا التلويح بالاستقالة؟

ويحلّل الباحث أبو بكر فضل محمد أسباب تلويح حمدوك بالاستقالة: "هي خطوة ذكية تتضمن إرسال عدة رسائل إلى القوى الفاعلة في الشأن السوداني، المحلية والدولية، أولها؛ رسالة إلى القوى السياسية والمهنية والشبابية التي تعارض اتفاق "21 نوفمبر"، ومفادها؛ إما أن تدعموا الاتفاق وتتّجهوا نحو اتفاق سياسي شامل، وفق مبادراته والمبادرات الأخرى دعماً للانتقال الديمقراطي، وإما الاستقالة، وفي استقالة حمدوك في الوقت الراهن، تفقد الثورة أكثر مما تكسب، وأكبر الخاسرين قوى الحرية والتغيير نفسها".

حمدوك غير راض عن استمرار الاحتجاجات

والرسالة الثانية، كما أبلغ أبو بكر "حفريات"، موجّهة إلى العسكريين، ومفادها: "أنّه ماضٍ في ممارسة صلاحياته كرئيس للوزراء، وأيّة عرقلة في ذلك سيقدّم الاستقالة، وهي رسالة لتمرير عدة قرارات مقبلة، كانت موقوفة بسبب الجنرالات. وإذا استقال سيضع الجنرالات أمام ضغط الشارع والضغط الدولي؛ لذلك فهم متمسكون به ليعبر بهم بالمرحلة، وينجيهم من الضغوطات الداخلية والدولية".

اقرأ أيضاً: حمدوك يعود إلى منزله تحت حراسة مشددة.. آخر تطورات الأحداث في السودان

والرسالة الثالثة هي للمجتمع الدولي، ويقول فضل محمد: "مفادها أنّه، كحمدوك، إذا كان خيارهم فعليهم دعمه فوراً، وفكّ تجميد التمويل الدولي، حتى يستطيع مواصلة وإكمال ما بدأه من إصلاحات اقتصادية قبل انقلاب البرهان، وحتى يتمكن من إقناع الشارع الرافض لاتفاق 21 نوفمبر".

ماذا لو استقال؟

ورغم أنّ المحتجين أعلنوا تبرّؤهم من حمدوك، عقب توقيعه الاتفاق السياسي مع البرهان، إلا أنّ استقالته ستكون بمثابة انتصار لاحتجاجهم، وستمنحهم دفعة معنوية للاستمرار. وفي مقابل ذلك سيبارك المؤيدون للبرهان استقالة حمدوك؛ فهم يرونه مُعطلاً للإجراءات التصحيحية التي سبق واتخذها البرهان، فضلاً عن أنّ تعويضه ليس عسيراً، وكذلك ستؤكد استقالته على نهاية حقبة قحت السياسية.

ومن المرجح أنّ استقالة حمدوك، ستدفع المحتجين للاستمرار وزيادة الفعاليات، كما أنها من جانب آخر ستدفع قوى الأمن والجيش إلى إجراءات أمنية أشد لمواجهة تلك الاحتجاجات، التي تبتعد بشكل متسارع عن السلمية، خاصةً أنّها تشتمل على قطع الطرقات، ومهاجمة تمركزات الأمن، بهدف الوصول إلى القصر الرئاسي.

اقرأ أيضاً: احتجاجات السودان: هل يحاول فلول الإخوان الانقلاب على حكومة حمدوك؟

ويقول الكاتب والباحث السياسي، هشام الشواني: "لن يحدث شيء جديد حال قدم حمدوك استقالته، فالأوضاع أصلاً متأزمة، وبالنسبة إلينا الخطوط الحمراء هي المهمة ولا تراجع عنها أبداً: ما قبل ٢٥ أكتوبر صار من الماضي، وحدة السودان وسيادته، تماسك قواته المسلحة، ثم عودة السياسة الحقيقية والوطنية من جديد؛ لأنّ حالة رفض كلّ شيء وحالة التعايش مع اللابديل أمر غير سليم وغير مقبول وغير مسؤول".

هشام الشواني: لن يحدث شيء جديد حال قدم حمدوك استقالته، فالأوضاع أصلاً متأزمة

وأضاف الشواني لـ "حفريات": " لو ذهب حمدوك سنكرر ما قلناه: لا بدّ من التوافق السياسي من أجل ترتيبات انتقالية تقودنا نحو انتخابات، وتشكيل حكومة لتسيير الأعمال، وهذا شيء يستلزم وعياً جماعياً من الناس. وفي نهاية المطاف، طال الزمن أو قصر، لا بدّ من أن يحدث هذا الشيء، فقط نؤكد على أنّ الخطوط الحمراء غير مسموح تجاوزها أبداً".

هل يستقيل حمدوك؟

ويبدو حمدوك، رغم البراجماتية التي يتصف بها، واقعاً في شرك الرضا الشعبي؛ ولهذا جاء تلويحه بالاستقالة لمحاولة مفاوضة المحتجين للقبول بدوره، كونه محسوباً في الأساس على المعسكر المدني الثوري، وهي آفة تجعل القوى السياسية تنقاد للشارع، بدلاً من قيادته.

ولا يمكن إنكار غياب برامج سياسية لدى المحتجين، بل وربما قيادة المحتجين من قبل الأقل تكويناً والأصغر عمراً، من المتّسمين بالاندفاع وغياب الوعي بالظروف الداخلية والخارجية، وهي حالة إذا ربط حمدوك نفسه بها، فسيأتي قرار استقالته لا محالة، لأنّها حالة احتجاج من غير المتوقع أن تنتهي، حتى إن اختفى العسكريون من المشهد.

الباحث أبو بكر فضل محمد لـ "حفريات": حمدوك هو أفضل خيار على الساحة السياسية السودانية حتى الآن، وللأسف كثيرون لم يفهموا الرجل صاحب الرؤية الثاقبة الهادئة سياسياً

ومن زاوية أخرى، كشف قبول حمدوك للوساطة الدولية لتوقيع اتفاق 21 نوفمبر، البعد البراجماتي في شخصيته، الذي جعله يستجيب للوساطات الإقليمية والدولية، التي تعبّر عن صوت سياسي عاقل، غير متأثر بالعاطفة التي تصبغ المحتجين والقوى السياسية المحسوبة على قحت.

وفي سياق ذلك، أفاد مصدر سوداني، فضّل عدم الكشف عن اسمه؛ بأنّ "وجود حمدوك في رئاسة الوزراء لم يمنع خروج المظاهرات، ولهذا فتلويحه بالاستقالة بمثابة تهديد لهم، بما ينتظرهم من موقف أمني حازم حال استقالته".

وأكد المصدر أنّ "استقالة حمدوك سترفع الحرج عن العسكريين، وستجعلهم يختارون بديلاً أكثر تجانساً معهم، لكنّ الأكيد أنّه لن يستقيل، خصوصاً بعد تدخّل الوساطة السعودية".

حمدوك والبرهان في توقيع اتفاق 21 نوفمبر

وكان حمدوك قد استقبل وفداً من حزب الأمة القومي، للتباحث حول اتفاق سياسي، يساهم في تهدئة الاضطرابات السياسية، وأعلن الحزب لاحقاً عن مبادرة سياسية لإنهاء ما وصفه بالانقلاب العسكري، وهي إشارة إلى استمرار تشدّد الحزب في رؤيته للأزمة السياسية؛ لهذا من غير المتوقع أن تثمر عن شيء.

وفيما يبدو تلقياً لرسالة حمدوك، أعلن حزب الأمة رفضه استقالته، في موقف مغاير للعديد من قوى قحت السياسية، التي اتّهمت حمدوك بالمسؤولية عن قيام البرهان بإجراءات 25 أكتوبر، والتي أنهت دور قحت في المرحلة الانتقالية.

اقرأ أيضاً: هل يصلح حمدوك ما أفسده التشظي السياسي في السودان؟

وفي 25 تشرين الأول (أكتوبر) الماضي، أعلن القائد العام للجيش، عبد الفتاح البرهان، عن عدّة إجراءات، وصفها بالتصحيحة، فيما عدّها معارضوه انقلاباً عسكرياً، وتضمّنت الإجراءات: إعلان حالة الطوارئ في جميع أنحاء البلاد، والتمسّك الكامل والالتزام التامّ بما ورد في الوثيقة الدستورية للفترة الانتقالية لعام 2019، والتعديل اللاحق عليها وفق اتفاق سلام السودان الموقَّع في جوبا 2020، وتعليق العمل بالمواد (11، 12، 15، 16، (24-3)، 71، 72) من الوثيقة الدستورية، إلى جانب حلّ مجلس السيادة الانتقالي، وإعفاء أعضائه، وحلّ مجلس الوزراء، وإنهاء تكليف ولاة الولايات، وإعفاء وكلاء الوزراء، وتكليف المدراء العامين في الوزارات والولايات بتسيير دولاب العمل، وتجميد عمل لجنة إزالة التمكين.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية