ما أبرز السيناريوهات المحتملة للانتخابات الرئاسية التركية؟

ما أبرز السيناريوهات المحتملة للانتخابات الرئاسية التركية؟

ما أبرز السيناريوهات المحتملة للانتخابات الرئاسية التركية؟


11/05/2023

تنطلق الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في تركيا في 14 أيار (مايو) الجاري، وسط توقعات متفاوتة بشأن نسب المشاركة، وحظوظ المرشحين، فيما تواجه البلاد تداعيات سياسية واقتصادية متفاقمة في ضوء تصاعد الأزمة الاقتصادية، والآثار السلبية الناجمة عن زلزال شباط (فبراير) الماضي.    

ومن المرتقب أن تشهد الانتخابات منافسة محتدمة بين (4) مرشحين؛ هم: الرئيس التركي رجب طيب أردوغان مرشح تحالف "الشعب"، وكمال كليجدار أوغلو مرشح تحالف "الأمّة" المعارض، ومحرم إنجة "حزب الوطن"، وسنان أوغان تحالف "الأجداد"، وسيتمكن من يحسمها من تغيير خارطة الحكم السياسي في البلاد التي يسيطر عليها حزب العدالة والتنمية منذ أكثر من عقدين. 

إلى ذلك، تناولت دراسة حديثة صادرة عن المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، للباحثة غادة عبد العزيز، السيناريوهات المحتملة للانتخابات المقبلة في ضوء جملة من التداعيات التي تحكم مسارات العمل السياسي في الداخل التركي. 

لماذا تحظى الانتخابات المقبلة بأهمية خاصة؟

بحسب الدراسة، تُعقد هذه الانتخابات في توقيت تواجه فيه تركيا مجموعة من القضايا المهمة والملحة، لا سيّما تأزم الوضع الاقتصادي وتداعيات زلزال شباط (فبراير) المدمر، وتعزو الدراسة أهمية نتائج هذه الانتخابات إلى أنّها لن تقرر فقط من سيحكم تركيا؛ بل ستقرر أيضاً طبيعة حكمها، وما ستؤول إليه سياساتها الاقتصادية، فضلاً عن تحديد طبيعة الدور الذي ستلعبه تركيا على الساحتين؛ الإقليمية والدولية. 

تنطلق الانتخابات الرئاسية والبرلمانية في تركيا في 14 أيار المقبل

وربما تؤدي هذه الانتخابات إلى استمرار حقبة الرئيس رجب طيب أردوغان، الذي يقود تركيا طيلة عقدين من الزمن، في حال فوزه بها، أمّا في حال فوز مرشح المعارضة كمال كليجدار أوغلو وتحالفه، فسيكون ذلك بداية حقبة جديدة مغايرة في تركيا، لا سيّما مع تعهد المعارضة بالتراجع عن العديد من سياسات أردوغان، والعودة إلى النظام البرلماني، وتطبيق سياسات نقدية أكثر صرامة، واستعادة استقلال البنك المركزي. 

لعبة التناقضات السياسية... هل تنقذ أردوغان مجدداً؟ 

تلقي الدراسة الضوء على عوامل القوة والضعف لدى المرشحين الـ (4)، باعتبارها أبرز المحددات الحاكمة للسيناريوهات المستقبلية لمن سيحكم تركيا. 

على سبيل المثال، تمثل الكاريزما السياسية لأردوغان أحد عوامل قوته، فضلاً عن هويته الإسلامية المحافظة، ممّا جعله يتمتع بشعبية لدى طيف واسع من الناخبين، ويرجح أن تصوّت له القواعد الشعبية المحافظة والقومية. 

باحثة: يتمتع أردوغان بخبرات ومهارات في مخاطبة الجمهور وإقناعه بأنّه الأفضل، وهو ما مكنه من الفوز في (10) استحقاقات انتخابية على التوالي؛ بفضل مهاراته في اللعب على التناقضات السياسية الداخلية وتحويل الأزمات الكبيرة التي واجهها إلى فرص

وبحسب الدراسة، يتمتع أردوغان بخبرات ومهارات في مخاطبة الجمهور وإقناعه بأنّه الأفضل، وهو ما مكّنه من الفوز في (10) استحقاقات انتخابية على التوالي؛ بفضل مهاراته في اللعب على التناقضات السياسية الداخلية، وتحويل الأزمات الكبيرة التي واجهها إلى فرص، وفي هذه الانتخابات الرهان الانتخابي لأردوغان لا يقتصر على احتواء تداعيات الزلزال وحلحلة الأزمة الاقتصادية، بل يشمل أيضاً اللعب على نقاط ضعف المعارضة. 

كما تشير الدراسة إلى قدرة أردوغان وحزبه على توظيف أزمة زلزال شباط (فبراير) إلى منحة سياسية، فبرغم الانتقادات التي طالت أردوغان وحزبه في بداية الأزمة إلّا أنّهم سرعان ما حولوا المحنة إلى منحة لاستعادة جزء من التأييد الشعبي، فسارعوا في إظهار قدرتهم على إدارة هذه الكارثة، مع إقرار أردوغان بوجود ثغرات في الاستجابة الأولية للكارثة، فضلاً عن اتخاذه إجراءات بالدعم الاقتصادي لإغاثة المتضررين، وتعهداته بإعادة إعمار المناطق المنكوبة على نفقة الدولة خلال عام. 

عوامل ضعف تهدد شعبية أردوغان

في المقابل، تشير الدراسة إلى عدة عوامل تسببت في تآكل شعبية أردوغان وحزبه خلال الأعوام الماضية، في مقدمتها المخاوف الاقتصادية التي تمثل عاملاً رئيسياً في تقليص شعبية أردوغان، حيث تعاني تركيا من مشاكل اقتصادية متفاقمة، وشهدت تضخماً غير مسبوق وصل إلى أعلى مستوى له في (24) عاماً مسجلاً 85% العام الماضي. 

 تمثل الكاريزما السياسية لأردوغان أحد عوامل قوته

وذلك فضلاً عن الانخفاض الحاد في سعر صرف الليرة التركية، ويلقى باللوم في ذلك كله على سياسات أردوغان والحكومة، وتشير التقديرات إلى أنّ الكلفة الاقتصادية لزلازل شباط (فبراير) بلغت نحو (104) مليارات دولار؛ ممّا فاقم الضغوط على الاقتصاد، وعمّق أزمة الحزب الحاكم في تركيا. 

ومن ناحيته يدرك أردوغان جيداً أنّ زيادة معدلات التضخم وارتفاع تكاليف المعيشة يهدد احتمالات إعادة انتخابه، لذلك أعلن عن حزم اقتصادية واحدة تلو الأخرى مع اقتراب موعد الانتخابات لكسب المزيد من التأييد له. 

وعلى الرغم من فشل مساعي أردوغان في استمالة المستثمرين الأجانب، وإعادة قطب الاقتصاد التركي السابق محمد شميشك إلى الحكومة، بعد استقالته من منصب نائب رئيس الوزراء عام 2018، إلّا أنّ أردوغان قد يستعمل ورقة علاقات تركيا الخارجية مع أمريكا وروسيا لعقد صفقات تحقق مكاسب لتركيا ممّا يزيد من شعبيته، وفق الدراسة. 

ماذا عن عوامل القوة والضعف لدى المعارضة؟ 

تشير الدراسة إلى محاولات المعارضة توظيف إخفاق السياسات الحكومية، باعتبارها واحدة من أهم عوامل قوتها، حيث يوظف كليجدار وتحالفه الأزمات التي تمر بها تركيا، لا سيّما الأزمات الاقتصادية، وتداعيات زلزال شباط (فبراير)، في توجيه الانتقادات اللاذعة لسياسات أردوغان وتحالفه، وتأجيج السخط الشعبي بشأنها لكسب المزيد من الأصوات. 

خاصة مع تعهدات البرنامج الانتخابي للمعارضة بخفض معدلات التضخم خلال عامين، واستعادة استقرار الليرة التركية، وضمان استقلالية البنك المركزي، وغيرها من السياسات التي تجد قبولاً عند الكثير من الاقتصاديين، وتجذب المزيد من الاستثمار الأجنبي، ممّا قد يعمل على توسيع قاعدة الناخبين المؤيدين لتحالف المعارضة.

في حال فوز مرشح المعارضة كمال كليجدار أوغلو وتحالفه، فسيكون ذلك بداية حقبة جديدة مغايرة في تركيا، لا سيّما مع تعهد المعارضة بالتراجع عن العديد من سياسات أردوغان، والعودة إلى النظام البرلماني، وتطبيق سياسات نقدية أكثر صرامة، واستعادة استقلال البنك المركزي

كما يمثل التنوع الفكري والإيديولوجي داخل التحالف مؤشراً لقوة وضعف تحالف الطاولة السداسية في الوقت نفسه، ففي حال استطاع التحالف التماسك دون وقوع أيّ نزاعات داخلية، فسيصل إلى أطياف مختلفة من الشعب التركي، حيث يضم التحالف أحزاباً من خلفيات يسارية وقومية وإسلامية ومحافظة وليبرالية، لذا فهو يعبّر عن مختلف توجهات ومواقف الناخبين؛ ممّا يعزز من حظوظه الانتخابية.

وبالنسبة إلى عوامل الضعف، تشير الدراسة إلى محدودية الكاريزما السياسية لكمال كليجدار مقارنة بأردوغان، كما أنّه لم يتمكن من الفوز في أيّ انتخابات سابقة خاضها أمام أردوغان وحزب العدالة والتنمية، منذ ترشحه لانتخابات إسطنبول المحلية وتوليه رئاسة الحزب عام 2010، وقد حصل على فوز محدود في الانتخابات البلدية عام 2019، كما أنّه لا يتمتع بخبرات تنفيذية وإدارية تمكنه من إقناع الناخب التركي، على عكس خبرات أردوغان الممتدة والبارزة. 

أيضاً تجد أحزاب المعارضة صعوبة كبرى في إيصال رسالتها إلى الناخبين، فخلال الانتخابات الرئاسية عام 2018 وجدت أحزاب المعارضة صعوبة كبيرة للحصول على بعض الوقت عبر القنوات التلفزيونية التركية التي تدعم أردوغان بشدة. 

 تشير الدراسة إلى محدودية الكاريزما السياسية لكمال كليجدار

ووفق الدراسة، قد يؤدي ترشح كلٍّ من محرم إنجه، وسنان أوغان، إلى تفتت أصوات المعارضة، وخاصة أنّ محرم إنجه قد يتمكن من استقطاب فئة من الناخبين داخل حزب الشعب الجمهوري ممّن يعارضون ترشح كليجدار، كذلك استقطاب مجموعة من الأصوات القومية التي تعارض التعاون مع حزب الشعوب الكردي. 

فضلاً عن أنّه قد يكون خياراً مفضلاً لدى الناخبين الشباب الذين يشكّلون وزناً في هذه الانتخابات، ويُقدّر عددهم بنحو (6) ملايين شاب سيصوتون للمرة الأولى.

ما السيناريوهات المتوقعة للانتخابات؟ 

أوردت الدراسة (3) سيناريوهات متوقعة للانتخابات التركية، استندت فيها إلى التحليل الذي أجرته (فيتش سوليوشنز) "Fitch Solutions". 

السيناريو الأول؛ يتمثل في نجاح تحالف الجمهور في الرئاسة وخسارته البرلمان، حيث يرجح مراقبو (فيتش سوليوشنز) بنسبة تصل إلى 55% تمكن أردوغان من تحقيق الفوز في الانتخابات الرئاسية، مع عدم تمكن تحالفه من تحقيق أغلبية البرلمان، وهنا قد يمنح أردوغان المعارضة حقائب وزارية مهمّة، وقد تلعب المعارضة دوراً أكبر في السياسات الاقتصادية، مع عدم إحداث تغيير كبير في السياسات المالية، ممّا قد يحقق نمواً منخفضاً للاقتصاد التركي، ووفقاً للمراقبين قد يكون هذا السيناريو الأكثر سلبية للاقتصاد التركي.

إلّا أنّ هذا السيناريو قد لا يتحقق، في ظل تراكم أزمات تركيا الاقتصادية وتأثيرها السلبي على مستوي معيشة المواطن الذي قد يكون مدفوعاً بهذه التأثيرات في تصويته في الانتخابات للبحث عن بديل، هذا إلى جانب اجتماع المعارضة بقوة قواعدها الانتخابية على هدف إسقاط أردوغان وسياسته.

السيناريو الثاني؛ يتمثل في نجاح تحالف المعارضة في الرئاسة والبرلمان، ويتوقع هذا السيناريو بنسبة 25.5%، وسيشكل هذا السيناريو واقعاً جديداً في تاريخ تركيا، حيث سيؤدي إلى حكومة تقودها المعارضة تحاول إعادة وضع سياسات اقتصادية جديدة غير تقليدية وجاذبة للاستثمار، هذا إلى جانب تنفيذ توجهات المعارضة بتغيير النظام السياسي التركي من رئاسي إلى برلماني.

أمّا السيناريو الثالث؛ فيتمثل في نجاح تحالف الشعب في الرئاسة والبرلمان، ووفقاً لمراقبي (فيتش سوليوشنز) فإنّ هذا السيناريو قد يصعد انتقادات ومزاعم المعارضة بشأن احتمالات التلاعب بالانتخابات، وبشكل عام سيؤدي هذا السيناريو إلى استمرار طبيعة الحكم في تركيا وسياستها الخارجية والداخلية، مع احتمالية تطويرها لحلّ الأزمات الملحة والعاجلة.

وتضيف الباحثة إلى الاحتمالات الـ (3) احتمالاً رابعاً، يتوقع نجاح كليجدار في الرئاسة وخسارة تحالف الأمّة للبرلمان، ويُعدّ هذا السيناريو الأكثر التباساً؛ لأنّ الرئيس الجديد سيكون معادياً لأغلبية البرلمان، وهو وضع سياسي لم يعايشه سابقاً حزب العدالة والتنمية. 

ويعزز هذا السيناريو الهدف المشترك للمعارضة في إسقاط حكم أردوغان، ممّا قد يؤثر على نتائج الانتخابات الرئاسية، إلّا أنّ هذا السيناريو قد يضعفه ضعف شعبية كليجدار لدى الأوساط الشعبية الداعمة للمعارضة، واحتمالية تصويت فئة من قواعد تحالف المعارضة لا سيّما المحافظة والقومية لأردوغان، لعدم قناعتهم بشخصية كليجدار.

مواضيع ذات صلة:

كيف ستؤثر الانتخابات التركية القادمة على الحرب الروسية الأوكرانية ومنطقة الخليج العربي وسوريا؟

التقارب بين مصر وتركيا... كيف سينعكس على الملف الليبي؟

عشية الانتخابات التركية: أردوغان يبعث رسائل مفخخة للأكراد



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية