عشية الانتخابات التركية: أردوغان يبعث رسائل مفخخة للأكراد

عشية الانتخابات التركية: أردوغان يبعث رسائل مفخخة للأكراد

عشية الانتخابات التركية: أردوغان يبعث رسائل مفخخة للأكراد


13/04/2023

تبعث محاولة اغتيال قائد قوات سوريا الديمقراطية (قسد)، مظلوم عبدي، بواسطة طائرة مسيّرة تركية في مطار السليمانية الدولي بإقليم كردستان العراق، بعدّة رسائل خشنة من قبل تركيا، لا سيّما في هذا التوقيت المهم بالنسبة للأخيرة، ودلالاته المباشرة.

تصعيد تركيا ضد قائد "قسد" أثناء وجوده بالسليمانية مع ثلاثة مسؤولين أمريكيين، إثر الاجتماع مع جهاز مكافحة الإرهاب بالمنطقة الخاضعة لحكم حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، يبدو أمراً مقصوداً بهدف توجيه رسائل لسائر الأطراف السابقة، بداية من الحزب الكردي، وكذا قوات التحالف الداعم للقوات الكردية في شمال شرقي سوريا، وبطبيعة الحال قائد الأخيرة. مع الأخذ في الحسبان الاعتبارات السياسية البراغماتية التي يسعى إليها الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، ضمن حساباته الانتخابية، بعدما فشل في تحقيق تهديداته بتنفيذ عملية عسكرية في مناطق سيطرة الإدارة الذاتية.

اللافت أنّ هناك حالة ارتباك وقع تحت وطأتها الجهاز الإعلامي للإدارة الذاتية وجناحها العسكري، وذلك في ما يخص التصريح بمحاولة الاغتيال الفاشلة. نفت "قسد" الأخبار المتداولة، ثم ما لبثت أن تراجعت عن هذا النفي. فيما خرج مظلوم عبدي للكشف بنفسه عن الحادث الذي لا يعد الأول، وقد سبقته محاولة مماثلة نهاية العام الماضي في أحد مقرات "قسد" بالحسكة شمال سوريا. بل ووجه (عبدي) الاتهامات مباشرة للطرف التركي. كما طالبت العراق بالاعتذار الرسمي من قبل تركيا على خلفية انتهاكاتها للسيادة العراقية.

قائد قوات سوريا الديمقراطية أعلن أنّ كثيراً من "رفاقه" قد تم استهدافهم من قبل تركيا التي تتوحش في عدوانها على المناطق الكردية بشمال غرب سوريا، حيث ما تزال القوات التركية، وميليشيات ما يعرف بـ "الجيش الوطني السوري" المدعوم من أنقرة، تحتل عفرين ورأس العين (سري كانيه) وغيرها من المناطق، بل وتمارس عناصرهما المسلحة والعسكرية التغيير الديمغرافي بالمنطقة. واتهم القائد الكردي، في بيان رسمي، الرئيس التركي بمحاولة الاغتيال، الأمر الذي يخدم حساباته الانتخابية و"خلق حالة من الفوضى وخلط الأوراق بين القوى الكردستانية في إقليم كردستان العراق المجاور".

 زارا صالح: أردوغان يسعى إلى شرخ البيت الكردي

وقال عبدي في بيانه الأحد الماضي: "ندين بشدة استهداف مطار السليمانية من قبل تركيا، هذه الانتهاكات مستمرة في العراق وسوريا ولها أبعاد خطيرة ضد المنطقة".

وأضاف: "موقف الاتحاد الوطني القومي المساند لأشقائه في سوريا يزعج تركيا".

وشدد قائلاً: "سنستمر في علاقاتنا المبدئية مع أشقائنا وحلفائنا في السليمانية، وإنّنا في صف واحد ضد هذه الانتهاكات".

محاولة إضعاف البيت الكردي

ولمّح عبدي إلى أنّ "أردوغان يبحث عن حجج وذرائع لخدمة مصالحه في مرحلة الانتخابات التركية المزمع إجراؤها في شهر مايو (أيار) المقبل". وتابع: "تركيا تستمر في هجماتها وتدخلاتها المستمرة على المنطقة، في مسعى لخلق الفوضى وخلط الأوراق، بهدف استكمال مخططاته الداخلية والخارجية، ووضعها في خدمتها لكسب الانتخابات المقبلة، دون الإشارة إلى وجوده في مطار السليمانية لحظة استهدافه بطائرات مسيّرة".

إلى ذلك، دانت رئاسة إقليم كردستان العراق العملية، بينما ذكرت في بيان: "تتكرر العمليات العسكرية التركية على إقليم كردستان، وآخرها قصف مطار السليمانية المدني. ونحن إذ ندين هذه الاعتداءات السافرة على العراق وسيادته فإنّنا نؤكد عدم وجود مبرر قانوني يخول القوات التركية الاستمرار على نهجها في ترويع المدنيين الآمنين بذريعة وجود قوات مناوئة لها على الأراضي العراقية. وفي هذا الصدد نطالب الحكومة التركية بتحمل المسؤولية وتقديم اعتذار رسمي عن هذه التصرفات ووقف هذه الاعتداءات وحل مشكلاتهم الداخلية عن طريق فتح منافذ الحوار مع الأطراف المعنية. وفي حال تكرار هذه الاعتداءات سيكون هناك موقف حازم لمنع تكرارها مستقبلاً".

تصعيد تركيا ضد قائد "قسد" أثناء وجوده بالسليمانية مع ثلاثة مسؤولين أمريكيين، إثر الاجتماع مع جهاز مكافحة الإرهاب بالمنطقة الخاضعة لحكم حزب الاتحاد الوطني الكردستاني، يبدو أمراً مقصوداً

إذاً، تركيا أو تحديداً حزب العدالة والتنمية بزعامة أردوغان، يحاول الاستفادة من هذا الحادث الفاشل، وتوظيفه ضمن حملة (أردوغان) الانتخابية، حسبما يوضح الدكتور زارا صالح الباحث السياسي في دراسات السلام وحل النزاعات الدولية في جامعة كوفنتري ببريطانيا، موضحاً لـ"حفريات" أنّ تركيا ستشهد "انتخابات برلمانية ورئاسية، في الوقت الذي يعاني أردوغان، وتحالفه، من أزمات عديدة لها آثار سلبية صعبة على حواضنه، بما يضعف حظوظه أمام منافسه وخصمه السياسي كمال كيليجدار أوغلو، خاصة بعد أن حسم الكرد في تركيا (حزب الشعوب الديمقراطي وتحالفه من الأحزاب الكردية) موقفهم الانتخابي بدعم مرشح المعارضة في الانتخابات الرئاسية من أجل هزيمة أردوغان".

كما أنّ التصعيد السياسي والاقتصادي التركي ضد الكرد والاتحاد الوطني الكردستاني، قد سبق عملية استهداف موكب قائد قوات سوريا الديمقراطية مظلوم عبدي في مطار السليمانية، حيث قامت تركيا بحظر وإغلاق المجال الجوي أمام الطيران الذي يستخدم مطار السليمانية، وكذا تعليق الطيران بحجة استخدامه من قبل جهات تعتبرها تركيا "أنشطة إرهابية"، أي حزب العمال الكردستاني الذي يمتلك علاقة مميزة مع الاتحاد الوطني الكردستاني.

من يحمي سيادة العراق؟

وبسؤال صالح عن الرسائل التركية، يجيب: "الرسائل تبدو موجهة إلى أكثر من جهة وطرف، لتحقيق أجندات متعددة، منها توظيف الحادث في الاستقطاب الانتخابي وتعبئة المشاعر التركية القومية المتطرفة لكسب المزيد من الأصوات. من بين الأهداف المطلوب تحقيقها من قبل أردوغان اللعب على وتر الخلاف الكردي-الكردي في إقليم كردستان، ومحاولة تصعيده، بهدف إحداث شرخ في البيت الكردي، وزيادة الانقسام والخلاف. ولعل التصريحات المتعددة والمختلفة التي صدرت عن إقليم كردستان، سواء الاتحاد الوطني الكردستاني، أو حكومة الإقليم، فضلاً عن رئاسة العراق، تؤكد ذلك التباين في تناول هذا الحدث وكذا الانتهاكات التركية ضد الكرد، وسيادة الإقليم والعراق".

 شيار خليل: من الضروري أن تقوم حكومة بغداد بالتنسيق مع إقليم كردستان بحماية الحدود العراقية

الرسالة التركية وصلت إلى "الحليف" الأمريكي أيضاً بحكم وجود ثلاثة عسكريين من قوات التحالف ضمن وفد مظلوم عبدي، فيما يحاول أردوغان دوماً إظهار الجانب الأمريكي بأنّه داعم "للإرهاب" بحكم وجوده في سوريا، وفي المناطق الكردية، بالإضافة إلى دعم قوات سوريا الديمقراطية التي يحاول (أردوغان) إيجاد صلات بينها وبين حزب العمال الكردستاني، حسبما يقول صالج

بدورها، دانت الرئاسة العراقية الحادث ووصفته بأنّه تجاوز "غير قانوني على سيادة العراق وإقليم كردستان" الذي يعاني من التدخلات العسكرية التركية، وعمليات القصف المستمرة لمناطق الإقليم، لا سيّما المناطق الحدودية، بما يؤدي إلى مقتل المدنيين وتشريد سكان القرى الحدودية بحجة ملاحقة حزب العمال الكردستاني، وذلك من دون البحث عن "جذور المشكلة" و"إيجاد حل عادل للقضية الكردية في تركيا"، وفق الباحث السياسي في جامعة كوفنتري، الذي يؤكد أنّ هذا "ما يحدث في سوريا أيضاً، حيث يواصل الاحتلال التركي جرائمه التي وصفتها التقارير الحقوقية والرسمية بأنّها عمليات إبادة وجرائم حرب بحق الكرد".

الاغتيال بوصفه استثماراً انتخابياً

ولا تعدو الانتهاكات التركية بحق الكرد كونها أمراً طارئاً أو عرضياً، بحسب المصدر ذاته، بل إنّ ثمة سوابق عديدة للخروقات الحقوقية الموثقة، ومنها "استمرار عمليات القصف والاغتيالات بحق الكرد (في شمالي سوريا والعراق) باستخدام الطائرات المسيّرة والميليشيات المتطرفة من المعارضة السورية التابعة لأنقرة، وآخرها ما حدث في جنديرس عشية عيد النوروز وقتل أربعة مدنيين كرد".

وفي ما يتصل بالنفي الذي تمّ من قبل "قسد"، ومن ثم التأكيد، لاحقاً، على محاولة الاغتيال التركية للجنرال مظلوم عبدي، فهو بمثابة "تخبط إعلامي وعسكري تتحمل المؤسسة العسكرية التابعة لقوات قسد مسؤوليتها عنه"، بحسب الكاتب والصحفي السوري الكردي شيار خليل، الذي يلفت في حديثه لـ"حفريات" إلى أنّ التخبط بالإعلان عن الموضوع والتوضيح ثم التعليق المتأخر يتعلق في جانب منه بـ"الخوف العسكري من المخططات التركية من قبل أردوغان وحزبه بحق المنطقة بشكل كامل".

الباحث السياسي في دراسات السلام وحل النزاعات الدولية بجامعة كوفنتري ببريطانيا زارا صالح لـ"حفريات": أردوغان يحاول الاستفادة من هذا الحادث الفاشل، وتوظيفه ضمن حملته الانتخابية

ويردف: "ما حدث من استهداف لموكب الجنرال مظلوم عبدي وإلهام أحمد برفقة مسؤولين من قوات التحالف، تتحمل الدولة التركية تفاصيله وملابساته ونتائجه بالدرجة الأولى. أردوغان يحاول خلق نتائج ومكتسبات سياسية في الخارج كما هي العادة للتأثير على الانتخابات في تركيا، وتغيير الوضع الصعب والمتأزم الذي يمر به أردوغان، محلياً. ومن الضروري أن تقوم حكومة بغداد بالتنسيق مع إقليم كردستان بحماية الحدود العراقية والمرافق العامة. فما جرى هو انتهاك صارخ وواضح للسيادة العراقية في البلاد".

تحاول تركيا بشتى الطرق "خلط الأوراق" بين الحزب الديمقراطي والاتحاد الوطني في الإقليم، بما يؤدي لحدوث أو تعميق الخلافات بينهما، بحسب خليل، وهنا "كانت لتركيا الدور الكبير أو بالاحرى المشبوه في محاولة الترويج الإعلامي بأنّ هناك جهة كردية حاولت تسريب معلومات عن رحلة مظلوم عبدي في السليمانية، إلا أنّ وعي الجهات الكردية لتلك المخططات، ومعرفتهم الكاملة بسعي أنقرة لكسب النقاط على حساب القوى الكردية في الإقليم، منع حدوث مشاكل سياسية كبيرة".




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية