كيف ستؤثر الانتخابات التركية القادمة على الحرب الروسية الأوكرانية ومنطقة الخليج العربي وسوريا؟

كيف ستؤثر الانتخابات التركية القادمة على الحرب الروسية الأوكرانية ومنطقة الخليج العربي وسوريا؟

كيف ستؤثر الانتخابات التركية القادمة على الحرب الروسية الأوكرانية ومنطقة الخليج العربي وسوريا؟


07/05/2023

بينما يتجه نحو انتخابات على درجة كبيرة من الأهمية في الذكرى المئوية للجمهورية، يواجه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بعد (21) عاماً في السلطة، تحديات كبيرة، بدءاً من الركود الاقتصادي إلى إخفاقات السياسة الخارجية.

ورغم أنّ جزءاً مهمّاً من نجاح أردوغان في الماضي يُعزى إلى عدم كفاءة المعارضة؛ بسبب تباين الإيديولوجيات والأجندات والخلافات الشخصية بين قادة الأحزاب وأتباعها، أكثر من كونه نتاجاً لقدراته القيادية، وعلى الرغم من الأزمة الاقتصادية غير المسبوقة التي تؤثر في جميع شرائح المجتمع، ما زالت أحزاب "طاولة الـ 6" ومؤيدوها ضعفاء ومنقسمين بشأن كل شيء ما عدا القضية المشتركة المتمثلة في إزاحة أردوغان، بحسب دراسة حديثة بعنوان "الانتخابات التركية القادمة وآثارها على الحرب الروسية الأوكرانية ومنطقة الخليج العربي وسوريا".

الدراسة التي أجراها سرحات إس شوبوكشو أوغلو، الباحث الرئيسي لقسم الدراسات الاستراتيجية بمنصة "تريندز للدراسات والبحوث"، لفتت إلى أنّ حزب العدالة والتنمية قدّم عروضاً شعبوية، مثل زيادة الأجور والتقاعد المبكر لإغراء الناخبين، وأنّه على الرغم من وجود الكثير من الشكوك، فإنّ خسارة أردوغان في الانتخابات لن تكون نتيجة محتومة ما دامت المعارضة هشة ولا تملك أجندة متماسكة.

التداعيات الاستراتيجية للانتخابات التركية

الدراسة ركزت على الانتخابات التركية، وما قد يسفر عن نتائجها، خصوصاً في ما يتعلق بالحرب الروسية والأوكرانية ومنطقة الخليج العربي وسوريا، إذ رجّحت أن تستمر المصالحة مع دول الخليج في حال أعيد انتخاب أردوغان.

ولفتت الدراسة إلى ما قامت به تركيا من تحسين علاقاتها مع دولة الإمارات العربية المتحدة بسرعة، حيث وقعتا على اتفاقية تعاون اقتصادي شاملة في آذار (مارس) 2023 بهدف زيادة حجم تجارتهما من (19) مليار دولار إلى (40) مليار دولار خلال الأعوام الـ (5) المقبلة.

يواجه الرئيس التركي رجب طيب أردوغان، بعد (21) عاماً في السلطة تحديات كبيرة

ويعطي أردوغان الأولوية للتوجّه الإقليمي من خلال إصلاح العلاقات والتكامل الاقتصادي بدلاً من استعراض القوة الجيوسياسية، وتشير الدراسة إلى أنّه في حال فوز مرشح المعارضة الرئيسي كليتشدار أوغلو في الانتخابات، ستسرّع تركيا عجلة التقارب مع دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية.

كذلك، يرجح كاتب الدراسة أن توافق أنقرة على توسيع الناتو بضم السويد، ربما مقابل الحصول على دعم إدارة بايدن لطلب تركيا القائم منذ مدة طويلة لشراء مقاتلات من طراز إف-16 ومجموعات من قطع الغيار من الولايات المتحدة، بصرف النظر عن الحزب السياسي الذي سيفوز في الانتخابات التركية.

وفي خضم عدم اليقين بشأن العلاقات بين أنقرة وواشنطن، ثمّة تقارير عن اهتمام تركيا بتوطيد التعاون مع المملكة المتحدة. فقد زار وزير الدفاع التركي خلوصي أكار لندن، والتقى نظيره مرتين خلال الأشهر الـ (6) الماضية، ممّا عزز التكهنات بشأن استعداد تركيا لعقد صفقة مشتريات دفاعية كبيرة تتضمن مقاتلات من طراز يوروفايتر، وفرقاطات من النوع (23)، وطائرات شحن، ومحركات لدبابتها القتالية المحلية.

إذا فاز كليتشدار أوغلو في الانتخابات، فسيسارع على الأرجح إلى تطبيع العلاقات مع نظام الأسد، وإنهاء الوجود العسكري التركي في سوريا

وبحسب الدراسة، تمثل سوريا المشكلة الأكثر إثارة للجدل في الشرق الأوسط، حيث تسعى تركيا إلى منع وحدات حماية الشعب، وهي فرع من جماعة حزب العمال الكردستاني الذي تعتبره تركيا جماعة إرهابية، من إقامة منطقة متاخمة على امتداد حدود تركيا الجنوبية،  وتشير إلى أنّه إذا فاز كليتشدار أوغلو في الانتخابات، فسيسارع على الأرجح إلى تطبيع العلاقات مع نظام الأسد، وإنهاء الوجود العسكري التركي في سوريا، برغم الانتكاسات الاستراتيجية الواضحة التي سيجلبها ذلك على تركيا.

الحرب في الشمال: النزاع بين روسيا وأوكرانيا والبحر الأسود

الباحث الرئيسي لقسم الدراسات الاستراتيجية بمنصة "تريندز للدراسات والبحوث"، يعتقد أنّه، من منظور واقعي، تكمن مصلحة أردوغان في عدم انتصار روسيا وعدم خسارة أوكرانيا، بحيث يواصل المضي عبر المسار الأمثل الذي يمكِّنه من ممارسة التأثير السياسي على جميع الأطراف المعنية، بما فيها الاتحاد الأوروبي والولايات المتحدة.

ويعتبر أنّ تركيا ترغب في الحفاظ على حديقتها الخلفية في البحر الأسود مفتوحة وقابلة للوصول إليها، لذلك فهي ترى أنّ تزايد هيمنة روسيا ونشاط الناتو المفرط في البحر الأسود يشكلان خطراً على أمنها. وهي تحقق التوازن إزاء تلك التهديدات من خلال الحفاظ على التواصل مع كلٍّ من أوكرانيا وروسيا والناتو والتأثير عليها، ويُعتبر ذاك "وضعاً قائماً مستداماً" بالنسبة إلى تركيا.

وزير الدفاع التركي خلوصي أكار

ووفق مضمون الدراسة، فإنّ الحرب زادت من أهمية تركيا الجيوسياسية كحصن في وجه توسع روسيا جنوباً، وذلك من خلال احترام أنقرة الحصيف لاتفاقية مونترو (1936) التي تنظم العبور عبر المضايق التركية.

هذا، وتشير مجريات الحرب في أوكرانيا إلى أنّ تركيا تمكنت من اتخاذ موقف متوازن وغير معادٍ بين كلٍّ من أوكرانيا والناتو وروسيا، مع إعطاء الأولوية للاستقرار بدلاً من المغامرة العسكرية. وإضافةً إلى ذلك، ومن خلال تطور إيجابي نادر الحدوث، برهن اتفاق تصدير الحبوب عبر البحر الأسود، الذي فُتح بموجبه ممر إنساني لشحن الحبوب والأسمدة، على دبلوماسية القوة الناعمة التركية.

في حال فوز مرشح المعارضة الرئيسي كليتشدار أوغلو في الانتخابات، ستسرّع تركيا عجلة التقارب مع دولة الإمارات العربية المتحدة والمملكة العربية السعودية

إلى ذلك، يعتقد الباحث أنّ المعارضة إذا فازت في الانتخابات، فقد تميل إلى تخفيف شروط اتفاقية مونترو وإبداء اهتمام بالانضمام إلى قوة المهام البحرية التابعة للناتو لحراسة الممرات البحرية لممر الحبوب، لكن لا بدّ من المراعاة الدقيقة لردّ فعل روسيا وللآثار المحتملة على المدى الطويل لخطوة إعادة الاصطفاف الاستراتيجي تلك بالنسبة إلى تركيا.

على الصعيد الاقتصادي، منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا، أصبحت روسيا أكبر مُصدِّر لتركيا، خصوصاً في مجال الطاقة والحبوب والمواد الخام. وتحسين العلاقات التجارية يحقق منافع متبادلة للبلدين، حيث تشكل تركيا قاعدة لإعادة التصدير تسمح لروسيا بالتحايل على العقوبات الاقتصادية والوصول إلى الأسواق الخارجية، بينما توفر روسيا لتركيا الغاز الطبيعي بسعر مخفض مع دفعات مؤجلة بالروبل الروسي. كما بدأت بورصة موسكو اعتباراً من 1 آذار (مارس) 2023 قبول معاملات الصرف الأجنبي الآجلة بكل من الروبل والليرة التركية.

الحرب الأهلية السورية والدور التركي

جزء من الدراسة اهتم بالدور التركي في الحرب الأهلية، ولفتت إلى أنّ السياسة التركية تجاه الحرب الأهلية السورية شهدت تغيرات خلال الأعوام الـ (12) الماضية. ففي البداية، كانت أنقرة تدعم فصائل الثوار في الجيش السوري الحر والجهاديين بهدف الإطاحة بالرئيس بشار الأسد في دمشق، ثم تراجعت واتخذت موقفاً دفاعيّاً بعد عام 2016 لإبعاد داعش عن حدودها ومنع وحدات حماية الشعب الكردية من الحضور في المنطقة المتاخمة لحدودها في شمال سوريا.

ولفتت الدراسة إلى أنّ تركيا وروسيا وإيران برزت كقُوى ضامنة لوحدة الأراضي السورية، في إطار محادثات آستانا، لإيجاد تسوية سلمية للحرب الأهلية. ثم تحول تركيز أردوغان بعيداً عن إسقاط نظام الأسد إلى ضمان أمن الحدود الجنوبية لتركيا.

 منذ اندلاع الحرب في أوكرانيا، أصبحت روسيا أكبر مُصدِّر لتركيا، خصوصاً في مجال الطاقة والحبوب والمواد الخام

وعلى الصعيد العسكري، شنت تركيا (3) عمليات برية واسعة النطاق في سوريا منذ عام 2016، وهي درع الفرات (2016)، وغصن الزيتون (2018)، ونبع السلام (2019)، أمّا العملية الكبيرة الأخيرة في محافظة إدلب في عام 2020، فقد حملت اسم "درع الربيع"، واستهدفت الجيش السوري والميليشيات المتحالفة معه ردّاً على غارة جوية أسفرت عن مقتل (34) عسكريّاً تركيّاً.

واستهدفت تركيا وحدات حماية الشعب في سوريا والعراق بضربات جوية في تشرين الثاني (نوفمبر) 2022، بعد تفجير قامت به الوحدات في شارع مزدحم في إسطنبول أسفر عن مقتل (6) مدنيين. وعلى الرغم من أنّ أردوغان شدد على هدفه المتمثل في إنشاء حزام أمني بعمق (30) كيلومتراً على طول الحدود، إلّا أنّه لم ينفذ حتى الآن تهديداته المتكررة بتوغل بري كبير رابع في سوريا.

من المرجح، وفق الدراسة، أن ينتظر الأسد ليرى نتائج الانتخابات قبل أيّ محاولة لتطبيع العلاقات مع تركيا

الدراسة تعتبر أنّ هدف أردوغان الرئيسي الآن هو التعاون مع دمشق لتحييد وحدات حماية الشعب في الأجزاء الشمالية من سوريا، وإنشاء آلية مع سوريا لحماية حدود تركيا الجنوبية من الهجمات الإرهابية، وإدارة عودة بعض السوريين على الأقل إلى ديارهم.

ومن المرجح، وفق الدراسة، أن ينتظر الأسد ليرى نتائج الانتخابات قبل أيّ محاولة لتطبيع العلاقات مع تركيا، وهذا يُعزى جزئيّاً إلى أنّ الأسد يشعر بأنّه أقوى من ذي قبل بعد نيله دعم دول الخليج ومناقشة عودة سوريا إلى جامعة الدول العربية.

ومع ذلك، تؤكد الدراسة أنّ أردوغان يسعى لإعادة انتخابه في 14 أيار (مايو) 2023، وهو على استعداد للجلوس مع الأسد لترسيخ السلام في المنطقة. وأنّه إذا فاز كمال كليتشدار أوغلو في الانتخابات، فسيعجل التقارب مع الأسد، لأنّه يؤمن بشرعية الأسد، وينتقد سياسة أردوغان في التدخل، وسيعمل كمال كليتشدار أوغلو على تطبيع العلاقات الثنائية في وقت أقصر بكثير من أردوغان.

مواضيع ذات صلة:

التقارب بين مصر وتركيا... كيف سينعكس على الملف الليبي؟

شروط سورية للتطبيع مع تركيا واستدعاء المزيد من "الاحتلالات"

مصر تقر حزمة إجراءات لمساعدة رعاياها بتركيا.. ما التفاصيل؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية