ماليزيا: من واحة التسامح الآسيوي إلى نقطة ترانزيت للجماعات الإرهابية... ما دور الإخوان؟

ماليزيا: من واحة التسامح الآسيوي إلى نقطة ترانزيت للجماعات الإرهابية... ما دور الإخوان؟


13/07/2022

كانت ماليزيا، لوقت طويل، نموذجاً على تسامح الإسلام الآسيوي، وقدرته على قبول الآخر، وتكريس دولة المواطنة، بعيداً عن التحيزات الدينية والمذهبية، لكنّ صعود الأحزاب الإسلاميّة في السنوات الأخيرة، وخصوصاً الحزب الإسلامي الماليزي (باس) الذراع السياسيّة للإخوان المسلمين، أحدث نوعاً من التغيير في أنماط التديّن، وتسبّب في جنوح كثيرين تجاه التعصب الديني، خاصّة في مناطق نفوذ الحزب الإسلامي، والذي أصبح رئيسه، عبد الهادي أوانج، حاكم ولاية ترغكانو (دار الإيمان)، مبعوثاً خاصّاً لرئيس الوزراء الماليزي، لشؤون الشرق الأوسط.

وعلى الرغم من أنّ ماليزيا، لم تشهد أعمالاً إرهابيّة على أراضيها مؤخراً، لكن البلاد تحولت إلى نقطة عبور مركزية لأعضاء الجماعات الإرهابية، بما في ذلك تنظيم داعش، وجماعة أبو سياف (ASG)، وتنظيم القاعدة، والجماعة الإسلامية، واتخذ منها البعض ملاذاً آمناً للإقامة والتخطيط وتوجيه العمليات، وسط تسهيلات كبيرة على الأرض من قبل التيارات الإسلاميّة.

كما أصبحت ماليزيا أحد أبرز قواعد التنظيم الدولي للإخوان، والذي يتخذ من منتدى كوالالمبور، الذي يرأسه الإخواني الجزائري، عبد الرزاق مقري، ذراعاً سياسياً عابراً للحدود، وكان للمنتدى دور مهمّ في تنظيم قمة كوالالمبور الإسلاميّة في العام 2019، بحضور قادة الأذرع والأحزاب الإخوانية عبر العالم.

ماليزيا نقطة عبور إستراتيجيّة للجهاديين

بحسب تقرير صادر عن الخارجية الأمريكية، يتعلق برصد تحركات أعضاء الجماعات الإرهابيّة، خاصّة المنتمين لتنظيمي؛ داعش وأبو سياف، اتضح أنّ هؤلاء اتخذوا من ماليزيا نقطة عبور؛ للوصول إلى جنوب الفلبين أو مناطق القتال في الشرق الأوسط.

بدورها، قامت السلطات الأمنية في ماليزيا بمراقبة واعتقال وترحيل ومحاكمة عدد من المشتبه بهم من أعضاء الجماعات الإرهابية، كما تعاونت ماليزيا مع الولايات المتحدة وغيرها؛ لزيادة فاعلية أمن الحدود في المطارات وفي بحر سولو؛ لمكافحة تجنيد الإرهابيين، مع اتخاذ التدابير القضائية الخاصة بالجرائم المتعلقة بالإرهاب.

تزايد نفوذ الحزب الإسلامي الماليزي وتغلغل قياداته في مفاصل الدولة ومؤسساتها المهمة

شهد العام 2020، بحسب تقرير الخارجية الأمريكية، نشاطاً متزايداً فيما يتعلق بدخول أعضاء الجماعات الإرهابية إلى ماليزيا، والانطلاق منها إلى مناطق أخرى، كما أصبحت البلاد مركزاً لأنشطة الخطف مقابل الفدية، التي ترتكبها الشبكات الإرهابية؛ ففي 16 كانون الثاني (يناير) من العام نفسه، تمّ اختطاف خمسة صيادين إندونيسيين، قبالة سواحل لحد داتو، بولاية صباح، على يد مسلحين من جماعة أبو سياف، وبحسب السلطات الماليزية، فقد جرت نحو 40 محاولة اختطاف، داخل منطقة صباح الشرقية بين عامي 2018 و 2020.

الخارجية الأمريكية انتقدت في تقريرها الحكومة الماليزية، لافتة إلى أنّ الأخيرة لم تقم بإجراء أيّ تغييرات على قوانينها المتعلقة بالأمن، بما في ذلك قانون الإجراءات الخاصّة بجرائم الإرهاب، وقانون منع الإرهاب، وقانون التحريض على الفتنة، والتي كانت قيد المراجعة الحكومية في العام 2019، وربما يعود ذلك إلى تزايد نفوذ الحزب الإسلامي، وتغلغل قياداته في مفاصل الدولة، ومؤسساتها المهمة.

 

السلطات الأمنية أعلنت أنّها قامت باعتقال مجموعة من المواطنين الماليزيين؛ لمحاولتهم إنشاء خلية تابعة لداعش، هي أنصار الله التوحيد، لافتة إلى أنّ عملية التجنيد جرت عبر مجموعات الدردشة على شبكة الإنترنت

 

كانت ماليزيا قد شهدت في الأشهر الماضية مجموعة من الأحداث الطائفية، تتعلق بتحويل الأطفال من البوذية إلى الإسلام، كما شنّ الحزب الإسلامي حملة على الأماكن والشركات السياحية، بداعي مخالفتها الشريعة الإسلاميّة، ويطرح الحزب باستمرار مقترحات بتعديل الدستور، من أجل تطبيق الشريعة، وبالتزامن مع ذلك تزايدت حوادث العنف الطائفي في البلاد، ومن أمثلة ذلك ما كشف عنه محمد فوزي هارون، قائد الشرطة، والذي أعلن في وقت سابق،  اعتقال رجل يشتبه في صلته بتنظيم داعش، حاول طعن رهبان بوذيين في كوالالمبور وسيلانجور.

وكانت السلطات الأمنية قد أعلنت أنّها قامت باعتقال مجموعة من المواطنين الماليزيين؛ لمحاولتهم إنشاء خلية تابعة لتنظيم داعش، هي أنصار الله التوحيد، لافتة إلى أنّ عملية التجنيد جرت عبر مجموعات الدردشة على شبكة الإنترنت.

ماليزيون على جبهات القتال في سوريا والعراق

مؤخراً، نجحت وزارة الداخلية الماليزية في إعادة 16 مواطناً ماليزيا (12 بالغاً و4 أطفال) إلى ماليزيا من سوريا والعراق، بالإضافة إلى ثمانية أشخاص يقضون عقوبات جنائية، وتمّ قبول المفرج عنهم في برنامج إعادة التأهيل الذي تديره الحكومة.

الحكومة الماليزية سمحت لمواطنيها بالعودة من سوريا والعراق؛ شريطة امتثالهم للضوابط، والانخراط ضمن برنامج إعادة التأهيل الذي تديره الحكومة، وبحسب ما ورد في تقرير الخارجية الأمريكية، عملت ماليزيا مع دول أخرى لتسهيل عمليات إعادة مواطنيها إلى البلاد، وبحسب التقديرات الأمريكية، فإنّ هناك عشرات الإرهابيين الماليزيين، مازالوا منخرطين في أعمال القتال، في بؤر التوتر بمنطقة الشرق الأوسط.

الحكومة الماليزية سمحت لمواطنيها بالعودة من سوريا والعراق شريطة انخراطهم ضمن برنامج إعادة التأهيل الذي تديره الحكومة

جدير بالذكر أنّه في العام 2018، حكم على المواطن محمد أوانج، الذي اعترف بالذنب في تهم تتعلق بمحاولة السفر إلى سوريا في شباط (فبراير) العام 2017 للانضمام إلى تنظيم داعش، بالسجن ثمانية أعوام، وكان من المفترض بحسب القانون، أن يواجه حُكماً بالسجن لمدة 30 عاماً، لكن الضغوط التي مارستها التيارات الإسلاميّة، وعلى رأسها الحزب الإسلامي، نجحت في تخفيف العقوبة.

نقطة مرور للأوعية المالية الخاصّة بالإرهاب

يوجد في ماليزيا عشرة منافذ دخول، متصلة بقواعد البيانات الاسمية الخاصّة بالإنتربول الدولي، ومع تكرار عمليات دخول عناصر إرهابية إلى البلاد، وتحت الضغط الدولي، عززت كوالالمبور بشكل كبير من إجراءات فحص الركاب للمسافرين الدوليين القادمين، مع محاولة ضبط عمليات العبور، بالإضافة إلى ذلك، ساهمت ماليزيا في تحديث سجلات قاعدة بيانات الإنتربول الدولي، من خلال التشغيل الآلي.

 

في العام 2018، حكم على المواطن محمد أوانج، الذي اعترف بالذنب في تهم تتعلق بمحاولة السفر إلى سوريا في شباط العام 2017 للانضمام إلى داعش، بالسجن ثمانية أعوام

 

لكنّ البلاد تواجه أزمة فيما يتعلق بمرور الأموال عبر أراضيها، حيث أفادت تقارير متعددة، أنّ ماليزيا تعد أحد أبرز المسارات التي تمر عبرها أموال التنظيم الدولي للإخوان، وذلك بمساعدة الحزب الإسلامي الماليزي، والذي يمتلك صناديق ادخارية ضخمة، تحت غطاء الأعمال الخيرية، ومشروعات الإسكان الشعبي، وإغاثة المنكوبين، الأمر الذي يضع ضغوطاً هائلة على عاتق وحدة مكافحة الإرهاب الماليزية.

وتضطلع وحدة مكافحة الإرهاب، التابعة للشرطة الملكية الماليزية (RMP)، بدور كبير في إنفاذ قانون مكافحة الإرهاب، وأفاد مسؤولو الشرطة العسكرية الملكية، مؤخراً، بتراجع كبير في الاعتقالات المتعلقة بالإرهاب، مشيرين إلى حصول سبعة اعتقالات في العام 2020، مقارنة بـ 72 في العام 2019. وأشارت السلطات إلى أنّ إغلاق الحدود، وتقييد التحركات داخل البلاد خلال جائحة كوفيد – 19، كان عملاً مساعداً في الحد من عبور الشبكات الإرهابية، لكن في المقابل زادت عمليات تجنيد الإرهابيين عبر المنصات الإلكترونية.

تضطلع وحدة مكافحة الإرهاب، التابعة للشرطة الملكية الماليزية (RMP) بدور كبير في إنفاذ قانون مكافحة الإرهاب

وتُعد ماليزيا من الأعضاء الفاعلين في مجموعة العمل المالي الدولية ( FATF)  والتي تهدف لمحاربة تزوير العملات وتمويل الإرهاب، وكذلك فإنّ وحدة الاستخبارات المالية الماليزية، عضو في مجموعة إيغمونت، لمكافحة تمويل الإرهاب، وكانت ماليزيا قد سنّت في كانون الثاني (يناير) 2020، وثيقة تنظيمية للبنك المركزي؛ لمكافحة غسل الأموال وتمويل الإرهاب، وأوضحت فيها العقوبات المالية الموجهة للأعمال والمهن، والمؤسسات المالية غير المصرفية، وتحل الوثيقة محل التوجيهات السابقة، التي تمّ إصدارها في العام 2013.

ونشرت الحكومة إرشادات إضافية، حول ضرورة التحقق من هوية العميل، وبشكل إجمالي، فإنّ الإرشادات المحدثة، تنقح آليات عمل المؤسسات المالية، فيما يتعلق بمتطلبات مكافحة غسل الأموال، ومكافحة تمويل الإرهاب؛ بهدف ضمان أنّ المناطق ذات المخاطر العالية، تخضع لضوابط أمنية معززة.

 

في العام 2020  استضاف المركز الإقليمي لجنوب شرق آسيا لمكافحة الإرهاب (SEARCCT) التابع لوزارة الخارجية الماليزية، عدة ندوات عبر الإنترنت، ونظم دورات تدريبية افتراضية ركزت على مكافحة الإرهاب

 

وفي العام 2020،  استضاف المركز الإقليمي لجنوب شرق آسيا لمكافحة الإرهاب (SEARCCT) التابع لوزارة الخارجية الماليزية، عدة ندوات عبر الإنترنت، ونظم دورات تدريبية افتراضية، ركزت على مكافحة الإرهاب، ومكافحة التطرف العنيف. تضمنت هذه الجهود سلسلة من الندوات عبر الإنترنت، بالتعاون مع جامعة ديكين في أستراليا، وجامعة سنغافورة الوطنية، حول اتجاهات الإرهاب في حقبة كوفيد – 19، وجرت مناقشات منفصلة لمعالجة الاتجاه المتزايد لخطاب الكراهية في ماليزيا، من خلال منصات الإنترنت. ونظم المركز أيضاً مناقشة مع منظمات المجتمع المدني في شرق ماليزيا؛ لفهم دوافع التطرف العنيف في البلاد.

موضيع ذات صلة:

لماذا منع "الإخوان" نصر حامد أبو زيد من دخول ماليزيا؟

هكذا امتزجت الثقافة المالاوية بالإسلام في ماليزيا

هل تصبح ماليزيا قاعدة جديدة للتنظيم الدولي للإخوان؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية