ماذا وراء قرار الغنوشي حل المكتب التنفيذي لحركة النهضة؟

ماذا وراء قرار الغنوشي حل المكتب التنفيذي لحركة النهضة؟


24/08/2021

في خطوة مفاجئة قام زعيم حركة النهضة التونسي، راشد الغنوشي، بحل المكتب التنفيذي للحركة في ساعة متأخرة أمس الإثنين حسب البيان الصادر من الحركة والمنشور على صفحتها بالفيسبوك. من الواضح أنّ الغنوشي وأعضاء حركة النهضة ما يزالون يعانون من توابع قرارات الرئيس التونسي قيس سعيّد بتجميد البرلمان وحل الحكومة وتشكيل حكومة تنفيذية أخرى، القرارات التي أزعجت وأربكت أعضاء وقيادات النهضة، ففي البداية قاموا برفضها، ثم حاولوا الاستعانة بقوى خارجية، وأمام صلابة موقف الرئيس التونسي وتأييده شعبياً، رأت الحركة عدم الصدام تجنباً لمزيد من الخسائر ثم تبنت قراراته لاحقاً.

بدرة قعلول: عندما دعا الغنوشي أنصاره وأتباعه للتجمهر أمام البرلمان لم يستجب إلا عدد محدود للغاية

يبدو أنّ ابتهاج الشعب التونسي بتجميد البرلمان وحل الحكومة وتقليص نفوذ حزب النهضة، تركت جرحاً غائراً في نفوس أعضاء الحركة، مما دعا البعض لبدء مراجعات داخلية ومحاسبة المتسبب الحقيقي وراء الهزائم المتتالية، وأشارت أصابع الاتهام إلى الغنوشي كمتسبب رئيسي فيما حل بهم من خسائر، وتحميله المسؤولية بسب تعنته وتعاليه، وإصراره على الصدام مع مؤسسة الرئاسة، وتكوينة تنظيما سرياً مسلحاً يشتبه تورطه باغتيال شخصيات معارضة تونسية، وكذلك علاقة الحركة بالتنظيم الدولي للإخوان المسلمين، فضلاً عن تلقيه أموالاً من الخارج بالمخالفة للقانون التونسي، وأخيراً إبرام اتفاقيات مع دول أخرى وزيارتها دون الرجوع لمؤسسة الرئاسة.

الدكتورة بدرة قعلول رئيس المركز الدولي للدراسات الإستراتيجية والأمنية والعسكرية

وفي ظل تبادل الاتهامات وأثناء محاولة النهضة استعادة توازنها في الشارع التونسي، فاجأ الغنوشي الجميع وحل المكتب التنفيذي للحركة، فما الدوافع الحقيقية وراء الحل؟ وما هي مآلات قررات الغنوشي على مستقبل حركة النهضة؟

تقول رئيسة المركز الدولي للدراسات الاستراتيجية والأمنية والعسكرية الدكتورة بدرة قعلول: "إنّ راشد الغنوشي يمر اليوم بفترة حالكة بائسة يائسة، فهو يتخبط يميناً ويساراً، فهو يمر بأحلك لحظات حياته، بعدما فقد مكانته الأدبية والتنظيمية عند أتباعه"، مضيفة في حديثها لـ"حفريات" "أنّه "كان يظن أنّ له وضعاً مرموقاً بين أتباعه، باعتباره الأب الروحي لهم، وله عليهم السمع والطاعة، أي إذا أشار بالحركة تحركوا وإذا أشار بالتوقف توقفوا، لكن عقب قرارات الرئيس قيس سعيّد في 25 تموز (يوليو) الماضي، انهارت تلك المكانة، فعندما قام بدعوة أنصاره وأتباعه للتجمهر أمام البرلمان لم يستجب له إلا عدد محدود للغاية، ربما أقل من مئة شخص، حتى النواب لم يلتحقوا به فكانت صدمة لم يتحملها وعيه ولا وجدانه".

وتستكمل أستاذ علم الاجتماع العسكري: "الغنوشي عندما فقد الأمل في أتباعه خاطب الأمريكان والغرب وباللغة الانجليزية وفي مجلات واسعة الانتشار، ليستنجد بهم فلم يجبه أحد، ثم صعد الموقف ضد مؤسسة الرئاسة فلم يجد آذان تنصت لكلماته، فاكتشف أن الأحداث أكبر منه، فلجأ لمداراة الموقف، واستعمال التقية، وزعم أنّ قرارات الرئيس سعيد هي فرصة للإصلاح، وذهب لمؤازرة الرئيس فلم يجد له أي صدى".

وتؤكد قعلول أنّ "المصائب جاءت للغنوشي متتالية، وهي حصاد تصرفاته، فبعد أن فقد مكانته الروحية ومصداقيته أمام الشعب التونسي، ها هو يواجه اتهامات تزعزع مكانته أكثر داخل جماعته ذاتها، على رأسها أنّه المتسبب الرئيسي فيما حل بالحركة والحزب من خسائر وهزائم، مروراً بفقدان الحزب للشرعية الشعبية، ونفور الشارع التونسي من الحركة، وأخيراً تعالت الأصوات بضرورة محاسبته وعزله عن قيادة الحركة".

 

يواجه الغنوشي اتهامات تزعزع مكانته أكثر داخل جماعته ذاتها على رأسها أنّه المتسبب الرئيسي فيما حل بها

وتضيف قعلول أنّ "أعضاء حزب النهضة لم ينسوا موقف الغنوشي المتعنت والمراوغ عندما طالبته مجموعة المئة في العام 2019 بألا يترشح لقيادة الحركة، لكنّه ماطلهم ولم يستجب لهم، ولم يعقد مؤتمرهم العام، وظل قابعاً على سدة القيادة للحركة، لهذا يواجه اليوم تياراً قوياً رافضاً له من داخل النهضة".

وترى قعلول أنّ "الغنوشي ارتكب خطأ قاتلاً ومفصلياً عندما قام بحل المكتب التنفيذي لحركته، فقد سبق وأن جمّد مجلس الشورى، بهذا يدخل في صراعات مع أجنحة متعددة داخل الحركة، وربما سنسمع قريباً الكثير من الاستقالات، وقد يتشظى الحزب إلى حزيبات صغيرة، وسيتحول حزب النهضة بعدها إلى حزب تقليدي ضعيف، ولن يتبقى معه إلا أعداد قليلة من الصقور القدامى فاقدي الفاعلية في الحياة السياسية أو في مسارات النهضة المستقبلية".

من جانبه يرى الكاتب والباحث التونسي، باسل ترجمان أنّ ما قام به راشد الغنوشي "محاولة للتمسك بمنصبه كقائد وزعيم للحركة" مضيفاً لـ"حفريات" أنّ طول مدة بقاء الغنوشي على رأس الحركة جعله يؤمن أنه هو الحركة والحركة هو، وأن أي محاولة لتبادل المناصب بشكل ديمقراطي المقصود منها هدم الحركة، وهذه إحدى آفات جماعات الإسلام السياسي" .

باسل ترجمان

ويستكمل ترجمان "معلوم أنّه بحسب لوائح حركة النهضة الداخلية الفصل 31 لا يحق لأي عضو أن يتولى رئاسة الحزب لأكثر من دورتين متتاليتين، وقد استنفد الغنوشي الدورتين، ويخشى من عدم السماح بتعديل هذه الفرة ليظل رئيساً مدى الحياة، في ظل أصوات تعالت تطالبه بالتنحي لما سببه من مشكلات للحركة، ولأن أعلى سلطة في الحركة هي المؤتمر العام، وحتى يظل الوضع على ما هو عليه، قام بتأجيل عقد المؤتمر العام أكثر من مرة بحجة الظروف السياسية التي تمر بها البلاد، ليظل رئيساً للحركة مدى الحياة، ولهذا دخل في خلاف كبير مع عدد من أعضاء مجلس الشورى وهذا خلل في منظومة إدارة الحركة".

باسل ترجمان: طول مدة بقاء الغنوشي على رأس النهضة جعله يؤمن أنّه هو الحركة والحركة هو

ويستكمل ترجمان أنّ "قيام الغنوشي بحل المكتب التنفيذي وهو مكتب استحدث بعد موافقة مجلس الشورى، جاء ضمن مجموعة إجراءات قام بها لاستبعاد المعارضين له والأصوات التي تطالب بإقالته وعزله من منصبه"، ويرى أنّ "هذا الإجراء وفي هذا التوقيت ذو دلالة تشير إلى عمق الخلافات داخل صفوف النهضة العليا، فضلاً عن كشف عجز الغنوشي وفشله في تقديم نفسه زعيماً من جديد، كما تدل على التخبط الشديد داخل أروقة الحركة، إضافة إلى ظهور مرض المركزية المفرطة بيد الغنوشي فيما يتصل بأخذ القرار في القضايا المصيرية، مما يعني أنّ قيم مثل الشورى أو الديمقراطية أو الاختلاف في الرأي هي ليست قيماً أصيلة في الحركة مهما ادّعوا عكس ذلك".

يوضح ترجمان "الغنوشي لديه رغبة كامنة أن يكون بمثابة مرشد روحي يبقى إلى الأبد لا يُقال ولا يستقيل، مثل مرشد عام جماعة الإخوان المسلمين؛ الصلة التي حاول كثيراً نفيها، ثم ها هي تتكشف في قراراته الأخيرة، كما تكشف عدم إيمان الإخوان بالديمقراطية، بدليل عدم تطبيقها داخل مؤسساتهم".

ويؤكد "الأزمة التي تمر بها حركة النهضة هي أحد تداعيات قرارات الرئيس قيس سعيّد؛ فالحركة قبلها تختلف عنها بعدها، فقد ثبت فشل الحزب في معارضة الرئيس، وفي تسويق الادعاء بأنّ ما قام انقلاب ومحاولة إعادة تدوير الحزب باعتباره أكبر قوة منظمة؛ كل هذه الإكلاشيهات التي روج لها عناصر النهضة، ثبت كذبها وفشلها وعدم مصداقيتها.. إنّ تحركات الغنوشي بدت مرتبكة ومتوترة إلى حد كبير خلال الأيام القليلة الماضية، وعكست حالة الفوضى داخل النهضة، فبعد تصريحاته التي وصف فيها ما حدث في البلاد بـ"الانقلاب على الدستور"، عاد مرة ثانية وتحدث عما وصفه بـ"فرصة الإصلاح"".

يضيف ترجمان أنّ "ثمة تصدعاً داخلياً في حركة النهضة وعدم قدرتهم على مواجهة التحديات السياسية والاجتماعية التونسية وتصاعد القضايا التي تواجهها حركة النهضة، وتقرير محكمة المحاسبات في التمويل الأجنبي في انتخابات 2019 وقضايا التنظيم السري المسلح المتهم باغتيال شكري بلعيد"، مضيفاً أنّ "التخبط في الحركة وصل إلى أنّهم أصدروا بياناً بعد قيام عناصر من الحركة بالإساءة لرئيس الجمهورية، لكن راشد الغنوشي قام بسحبه ثم أعاد نشره، ثم قام بسحبه مرة ثانية، هذا كله تخبط وارتباك مصدره الخوف مما ستحمله لهم التغييرات الجديدة في تونس؛ فحركة النهضة بعد 25 تموز (يوليو) هي حركة خارج التاريخ".

في حين يرى، الباحث التونسي في القضايا الاستراتيجية الدكتور أعلية العلاني، أنّ الدوافع الرئيسية لإقرار الغنوشي بحل المكتب التنفيذي هو امتصاص الغضب الداخلي في حركة النهضة، ففي تصريح له لـ"حفريات" قال العلاني: "إنّ قرارات الغنوشي الأخيرة تعود لثلاثة دوافع الأول؛ امتصاص الغضب الداخلي في صفوف الحركة وعلى وجه الخصوص مجلس شورى الحركة الذي يعد أعلى سلطة في الحزب والذي يرى أنّ المكتب التنفيذي هو أحد أسباب الأزمة السياسية الأخيرة التي تتعرضة لها الحركة".

أعلية العلاني

أما الدافع الثاني، وفق علاني فيتمثل في "أنّ رغبة الغنوشي بالإمساك بكافة خيوط اللعبة السياسية داخل الحركة، جعلته يصدر مثل هذا القرار فاللوائح الداخلية تنص على أنّ من حق الرئيس تشكيل المكتب التنفيذي وعزله في أي وقت وهو نظام مستنسخ من لاوائح الإخوان المسلمين بمصر".

في حين أنّ الدافع الثالث نابع من "حرص الغنوشي على أن يكون هو عراب المصالحة مع الرئيس قيس سعيد إذا ما سمح بالحوار مع الأحزاب السياسية وهو يخشى صعود أي شخصية قوية في الحزب تحمل الحركة إلى بر الأمان فيطويه الزمن، وهو بهذا القرار يستبق قرارات الرئيس بتمديد فترة التجميد ليؤكد أنه مستعد لكافة التنازلات تجنباً لفتح ملفات الحركة الحساسة مثل تكوين تنظيم مسلح أو الحصول على تمويلات من الخارج أو العلاقة التنظيمية مع جماعة  توصف بالإرهابية في موطنها".

ويؤكد العلاني على حقيقة في السياسة التونسية الحالية وهي "أنّ الرئيس قيس سعيد ماضي قدماً في الإصلاحات الجذرية في المجال السياسي وفي مجال الحوكمة، وهو يؤمن بفساد المنظومة السياسية السابقة لقرارات 25 يوليو، ومن المتوقع أن يصدر في خلال الساعات القادمة ملامح المرحلة المقبلة المتمثلة في الجمهورية الثالثة ويصعب أن يكون للنهضة مكان في السلطة التنفيذية".

 




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية