ماذا تريد إيران بعد حرب غزة؟

ماذا تريد إيران بعد حرب غزة؟

ماذا تريد إيران بعد حرب غزة؟


02/12/2023

تتعدد الروايات حول دور القيادة الإيرانية في "طوفان الأقصى"، ما بين مساعدة حماس والجهاد الإسلامي، في إطار علاقة استراتيجية تربطها مع فصائل المقاومة العربية والإسلامية، وترددت تسريبات إعلامية غربية قريبة من دوائر صناعة القرار أنّه تم التخطيط لمعركة "طوفان الأقصى" عبر سلسلة اجتماعات عقدت في بيروت بمشاركة قادة من الحرس الثوري بالإضافة إلى حزب الله اللبناني والفصيلين الفلسطينيين: حماس والجهاد الإسلامي، ومع ذلك فإنّه بعد ما يقارب الشهرين على "طوفان الأقصى"، ما زال الدور والمشاركة والمواقف الإيرانية تجاه هذه الحرب موضع شكوك، للدرجة التي تم فيها توجيه اتهامات للقيادة الإيرانية بالتخلي عن حماس وغزة والقضية الفلسطينية، وأنّ عناوين القدس والأقصى لم تكن إلّا مجرد أوراق حانت لحظة قبض أثمانها بالنسبة إلى القيادة الإيرانية، لا سيّما أنّ واشنطن تولت منذ بداية الحرب مهمة الدفاع عن إيران لأنّه لا أدلة دامغة على دور لطهران في التخطيط والتنفيذ لعملية "طوفان الأقصى".

تُعدّ إيران أول الرابحين من "طوفان الأقصى"، فقد حققت مقارباتها ومقولاتها بهشاشة إسرائيل وكسر صورة جيشها الأسطوري، وأعاقت التطبيع العربي ـ الإسرائيلي، وحققت مكاسب بالإفراج عن ملياراتها المجمدة بالعراق

فمع انطلاق "طوفان الأقصى" تواترت تصريحات إيرانية صدرت عن مستويات دوائر صناعة القرار الأولى "المرشد ورئيس الجمهورية ووزير الخارجية" أكدت عدم مشاركة إيران لا في التخطيط ولا التنفيذ، وأنّ إيران لن تدخل الحرب إلّا في حال وصول التهديد العسكري إلى حدودها، وأنّ المقاومة قادرة وحدها على مواجهة العدو، وهو ما أكده الخطاب "المنتظر" لزعيم حزب الله اللبناني، الذي تم الترويج له وباتجاهات أوحت أنّه سيعلن الحرب على إسرائيل نصرة لغزة والأقصى، وهو ما لم يحدث، وما زالت قواعد الاشتباك بحدود ما هي عليه قبل 7 تشرين الأول (أكتوبر) بين حزب الله وإسرائيل، ولعل الجديد فيما يبدو أنّه تأكيد لوحدة المقاومة ما أقدمت عليه جماعة الحوثي بإطلاق صواريخ ومسيّرات ضد إسرائيل، واختطاف سفينة تجارية مملوكة لشركة بريطانية وتديرها شركة يابانية لحساب شركة تجارية إسرائيلية، وتهديد الملاحة الدولية لاحقاً في البحر الأحمر وباب المندب، بالتزامن مع هجمات فصائل تابعة لإيران على قواعد أمريكية في سوريا والعراق.

بحسابات الرابحين والخاسرين من هذه الحرب، وهي حسابات نسبية وأوّلية وغير ثابتة، فإنّ قائمة الرابحين وفقاً لمرجعيات كل طرف تتعدد، وتُعدّ إيران أول الرابحين من "طوفان الأقصى"، فقد حققت مقارباتها ومقولاتها بهشاشة إسرائيل وكسر صورة جيشها الأسطوري، وأعاقت التطبيع العربي ـ الإسرائيلي، وحققت مكاسب بالإفراج عن ملياراتها المجمدة بالعراق، والأهم من ذلك أنّها حجزت مقعدها على طاولة الكبار على الصعيدين الدولي والإقليمي، باعتبارها ركناً دولياً وإقليمياً في السلم والحرب، وبالتزامن فإنّ واشنطن بإدارتها الديمقراطية، ورغم الدعم الأمريكي اللّامحدود لإسرائيل، إلّا أنّ "طوفان الأقصى" وفر فرصة لواشنطن لإعادة إنتاج إسرائيل بصيغة جديدة، عبر رهانات يبدو أنّها ستتحول إلى حقائق قريباً، بإضعاف اليمين الإسرائيلي المتطرف بقيادة نتنياهو، وتحقيق هدف "إنقاذ إسرائيل من نفسها"، وفقاً لمقاربات مرجعية تشكّل قاسماً مشتركاً في أوساط دوائر ومؤسسات الدولة الأمريكية العميقة.

إيران اتخذت مواقف تتوافق مع براغماتيتها، وأرسلت رسائل بأنّها دولة "عقلانية"، يمكن الاعتماد عليها، وهي رسائل وصلت إلى العواصم الدولية والإقليمية، وفي مقدمتها واشنطن

بعيداً عن الخطاب الإعلامي الثوري التحريضي الذي تمارسه القيادة الإيرانية، وهذه الاشتباكات المحدودة لوكلائها مع إسرائيل، والضربات الصاروخية وعبر الطائرات المسيّرة التي تستهدف القواعد الأمريكية في سوريا والعراق، بما فيها تهديد الملاحة الدولية في البحر الأحمر وخليج عُمان وبحر العرب، فإنّ إيران اتخذت مواقف تتوافق مع براغماتيتها، وأرسلت رسائل بأنّها دولة "عقلانية"، يمكن الاعتماد عليها، وهي رسائل وصلت إلى العواصم الدولية والإقليمية، وفي مقدمتها واشنطن، مع الأخذ بعين الاعتبار أنّ هذه البراغماتية الإيرانية أجابت عن تساؤلات إيرانية داخلية حول الموازنة بين ما يمكن أن تحققه من مكاسب داخلية، أو أن تذهب بحرب تطيح بإيران، وربما تسقط النظام الإيراني.

وبالخلاصة، فإنّ تجليات العقلانية الإيرانية لم تتوقف عند هذه المشاركة المحدودة والمدروسة في الحرب إلى جانب حماس، وعبر الوكلاء العرب فقط وبانضباط، بل إنّ مواقفها تكاد تقترب من اتفاق ضمني مع واشنطن جوهره "كشف الغطاء الإيراني عن حماس مقابل إسهام واشنطن بالإطاحة باليمين الإسرائيلي"، وهو ما يتوقع أن تنتهي إليه هذه الحرب، وربما يجدر الإضافة إلى هذه العقلانية والرسائل الإيرانية الناعمة ما تضمنه بيان القمة العربية الإسلامية في الرياض التي شارك فيها الرئيس الإيراني من دعم لجهود حلّ الدولتين بدولة فلسطينية على حدود الرابع من حزيران (يونيو)، وأنّ منظمة التحرير التي لا تشارك بها حماس هي الممثل الشرعي للشعب الفلسطيني، فيما إذا صحت تسريبات حول مقترحات سعودية على طهران باستثمارات واسعة في إيران مقابل تخلي طهران عن دعمها للميليشيات التابعة لها، والموقف الإيراني لاحقاً تجاه تلك المقترحات، ما سيعدّ رسائل إيرانية تؤكد اتجاهاتها الجديدة بعد حرب غزة، وهو ما يرجح معه أن تذهب إيران إلى مزيد من العقلانية، وبما يمكنها من تحقيق هدفها بحجز مقعدها في أيّ مفاوضات سلام قادمة تعقد عبر صيغة مؤتمر دولي جديد للسلام، وهو ما تدفع باتجاهه أمريكا وأوروبا، بالإضافة إلى روسيا والصين.

مواضيع ذات صلة:

هل يكون "طوفان الأقصى" انعطافة في سياسة واشنطن ضد إيران؟

لماذا نفى نصر الله صلة إيران بـ"طوفان الأقصى"؟



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية