مات نصر الله، ولكن هل مات حزب الله؟

مات نصر الله، ولكن هل مات حزب الله؟

مات نصر الله، ولكن هل مات حزب الله؟


06/03/2025

ترجمة: محمد الدخاخني

لم يشك أحد في أنّ جنازة زعيم حزب الله السَّابق، حسن نصر الله، سوف تكون حدثاً كبيراً. لكنّ عدد الحاضرين لم يستطع إخفاء أمر جَلي، ألا وهو أنّ الدفن عادةً ما يكون بمثابة إغلاق لصفحةٍ وليس فرصةً للاستئناف. وهذا ينطبق بالتأكيد على جنازة نصر الله، التي تأتي في وقت يحتاج فيه الحزب إلى إعادة اختراع نفسه، ولكنّه لم يبدأ حتَّى في التفكير في القيام بذلك.

منذ تشرين الثاني (نوفمبر)، عندما وقَّع حزب الله على اتفاق وقف إطلاق النار مع إسرائيل، الذي كان قد تفاوض عليه حليفه الرئيس في البرلمان، رئيس مجلس النواب نبيه بري، استوعب الحزب انتكاسات متتالية. فجوزيف عون، الرجل الذي عارض حزب الله توليه رئاسة الجمهورية، أصبح الآن في المنصب. كما أنّ نواف سلام، الذي حاول الحزب أيضاً عرقلة مجيئه، أصبح رئيساً للوزراء. ولم يكن اتفاق وقف إطلاق النار في حد ذاته أقلّ من استسلام، ويبدو أنّ ادعاءات الأمين العام الجديد للحزب نعيم قاسم بأنّ الحزب فاز بالحرب تبدو سخيفة.

وفي ضوء هذا، فقد اعتُبِرت جنازة نصر الله بمثابة وسيلة لحزب الله وأنصاره من أبناء الطائفة الشيعية لتأكيد وجودهم. وهذا أمر مفهوم تماماً، ولكنّه أيضاً مُضلِّل إلى حد ما، حيث لا يفكر أحد في لبنان بجدية في إبعاد الشيعة عن المشهد السياسي.

ما لم ينخرط فيه حزب الله، أو لم ينخرط فيه بعد، هو مناقشة داخلية حول مستقبل أسلحته. ومنذ صرح عون في خطاب تنصيبه في كانون الثاني (يناير) بأنّ الدولة اللبنانية لا بدّ أن تحتكر السلاح، ظل الحزب صامتاً بشأن هذه المسألة، راغباً في تجنب مواجهة مع الرئيس.

الرئيس اللبناني: جوزيف عون

لكن من الواضح على نحو متزايد أنّ حزب الله سوف يظل يواجه صعوبة كبيرة في تبرير الاحتفاظ بسلاحه في غياب استراتيجية إقليمية تجعلها ذات أهمية. ومن غير المرجح إلى حد كبير أن يكون الحزب في وضع يسمح له باستخدامه ضد إسرائيل، لأنّ معقله في جنوب لبنان لا يستطيع أن يتحمل لفترة طويلة أيّ رد إسرائيلي جديد ومدمِّر.

فما الذي تبقَّى إذاً؟ هل يحتفظ بالسلاح لتحويله ضد اللبنانيين وتأمين السلطة في الداخل مرة أخرى؟ من غير المرجح أن ينجح هذا أيضاً، لأنّ المزاج السائد في البلاد مُعادٍ إلى حد كبير للحزب. وأيّ جهد من جانب الحزب لترهيب منافسيه من شأنه أن يؤدي على الأرجح إلى الصراع، في سياق يعاني فيه الحزب عُزلةً. وعلاوة على ذلك، مع أخذ سقوط حليفه الأسد في سوريا في الاعتبار، لن يكون لدى الحزب أيّ وسيلة لإعادة إمداد نفسه.

ومن الناحية العملية، إذا لم تعد الأسلحة تخدم غرضاً، فربما يكون الوقت قد حان لقادة حزب الله ليسألوا أنفسهم ما إذا كان من الأفضل تأمين الأهداف السياسية داخل لبنان من خلال التوصل إلى اتفاق مع الدولة بشأن نزع سلاح الحزب. من شأن هذا أن يمثل ثورة في الحزب، ولكن من المنطقي أن يحدث ذلك في ضوء انهيار استراتيجية إيران لتطويق إسرائيل بجهات فاعلة غير حكومية معادية.

في واقع الأمر، تتمثل المشكلة الرئيسة التي تواجه حزب الله في أنّ إيران اليوم لا وجود لها في أيّ مكان في لبنان. فالاقتصاد الإيراني في أزمة شديدة لدرجة أنّه لا يستطيع توفير المال للمساعدة في إعادة بناء المناطق الشيعية اللبنانية المدمرة. وبالتالي، تم تقويض العقد بين إيران وحلفائها في حزب الله بشكل خطير، وسط تصور بين العديد من أبناء الطائفة الشيعية بأنّ طهران استخدمتهم وقوداً لمدافعها، من دون أيّ فائدة لهم.

ومع ذلك، في حين قد تكون إيران غائبة عن جهود إعادة الإعمار، فإنّ كل المؤشرات تشير إلى أنّها سيطرت فعلياً على حزب الله منذ اغتيال إسرائيل لنصر الله، وخليفته هاشم صفي الدين، والرجل الذي اعتبره كثيرون الثالث في الترتيب، نبيل قاووق، الذي كان نائب رئيس المجلس التنفيذي للحزب ذات يوم. ويُزعم أنّ الإيرانيين هم الذين عينوا نعيم قاسم بعد مقتل الشخصيات الثلاث، على الرغم من أنّ كثيرين ينظرون إليه باعتباره واجهة باهتة لنفوذ إيران.

زعيم حزب الله الراحل: حسن نصر الله

وهناك سؤال آخر يطرح نفسه الآن؛ وهو ما إذا كان حزب الله موحَّداً عندما يتعلق الأمر بقبول اتفاق وقف إطلاق النار. فقد وردت تقارير، فضلاً عن مؤشرات، تشير إلى وجود اختلافات في الرأي داخل الحزب حول كيفية التعامل مع المرحلة المقبلة. ويتجنَّب قاسم في الوقت الحالي الصراعات الداخلية، في حين وردت تقارير عن اتخاذ مجموعة أصغر سناً من نشطاء الحزب إجراءات أكثر عدوانية، بما في ذلك الانخراط مؤخراً في تكتيكات ترهيب على دراجات بخارية وحرق مركبات تابعة للأمم المتحدة على طريق المطار.

ومن غير المرجح أن يؤدي هذا إلى حدوث انقسام في حزب الله، خاصة إذا احتفظت إيران ببعض السيطرة على الحزب، ولكنّه يظهر ارتباكاً في وقت حسَّاس. ولهذا السبب، من المرجح جداً أن ينظر زعماء الحزب إلى جنازة نصر الله باعتبارها مناسبة لتوحيد صفوف الحزب حول ذكرى شخصيته التي هيمنت على مدى (3) عقود.

لكنّ هذا لن يكون كافياً، فمن دون وضوح من جانب إيران بشأن مستقبل الحزب، سيظل في منطقة غامضة، غير متأكد من الاتجاه الذي سيتخذه فيما يتصل بسلاحه، وما هو أبعد من ذلك، وأعني فيما يتصل بهويته ذاتها. وقد يختلف الإيرانيون أنفسهم حول هذا الأمر، حيث يلعب دعم الحزب دوراً في السياسة الفصائلية الإيرانية. كل ما يبدو مؤكداً اليوم هو أنّه ما لم يتم حل مثل هذه القضايا، فإنّ الحزب سيستمر في الانجراف.

كان موت حسن نصر الله بمثابة ضربة قوية لحزب الله، ومن المؤكد أنّه فهم في وقت مبكر المخاطر التي سوف تنجم عن قرار الحزب بدعم غزة بعد هجوم 7 تشرين الأول (أكتوبر) 2023 على إسرائيل. وإذا كان الأمر كذلك، فقد انتهى به الأمر إلى الوقوع في فخ استراتيجية انتحارية. ومع دفنه، يتم دفن هذه الاستراتيجية - إحاطة إسرائيل بحلقة من النار - أيضاً. وما لم يتمكن حزب الله من إعادة تشكيل نفسه بسرعة، فإنّه يخاطر بالسير في الطريق نفسه.

المصدر:

مايكل يونغ، ذي ناشيونال، 25 شباط (فبراير) 2025




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية