مؤتمر نداء تونس يقطع نهائياً مع النهضة وفروع الإسلام السياسي

مؤتمر نداء تونس يقطع نهائياً مع النهضة وفروع الإسلام السياسي


10/04/2019

الجمعي قاسمي

قرر المؤتمر الأول لحركة نداء تونس القطع نهائيا مع الإسلام السياسي، وذلك في موقف وُصف بـ”المُنعرج الحاسم” في مسيرة هذه الحركة التي أربكتها الانقسامات والانشقاقات الناتجة في جزء كبير منها عن تحالفها مع حركة النهضة الإسلامية برئاسة راشد الغنوشي، التي بدأ هامش المناورة يضيق من حولها داخليا وإقليميا.

وجاء هذا القطع واضحا في اللائحة السياسية التي صادق عليها بالإجماع هذا المؤتمر الذي تجري أعماله تحت شعار “الإصلاح والالتزام”، لتستعيد بذلك هذه الحركة هويتها التي فقدتها خلال السنوات الماضية بسبب توافقها “المغشوش” مع حركة النهضة الإسلامية.

وتضمنت هذه اللائحة السياسية فقرة تفرض القطع وعدم التعاطي أو التحالف مُجددا مع الأحزاب ذات المرجعية الدينية، والتمسك بالخط الوطني البورقيبي لحركة نداء تونس التي أسسها الرئيس الباجي قائد السبسي في العام 2012.

وتواصلت الثلاثاء أعمال هذا المؤتمر الذي بدأ الأحد الماضي، وسط تجاذبات سياسية حادة ومنافسات شديدة، حيث تم انتخاب أعضاء اللجنة المركزية للحركة، البالغ عددهم 217 عضوا، على أن يتم في وقت لاحق انتخاب أعضاء الهيئة السياسية (32 عضوا)، بالإضافة إلى انتخاب الأمين العام للحركة ورئيس اللجنة المركزية ورئيس الهيئة السياسية.

وعرفت مُجريات أعمال هذا المؤتمر مُناكفات ومُناورات انتخابية، يُرجح أنها ستنتهي بتقليص صلاحيات المدير التنفيذي للحركة، حافظ قائد السبسي، نجل الرئيس الباجي قائد السبسي، الذي لم يتمكن من السيطرة على اللجنة المركزية المُنتخبة، حيث يُقدر عدد الأعضاء الموالين له بنحو 80 عضوا فقط، ما يعني أن حظوظه في تولي أحد المناصب الهامة (الأمانة العامة أو رئاسة اللجنة المركزية أو الهيئة السياسية) باتت ضعيفة. وترشح لمنصب الأمين العام للحركة، سفيان طوبال الرئيس الحالي للكتلة النيابية لنداء تونس في البرلمان، بينما ترشحت سلمى اللومي مُديرة ديوان الرئيس قائد السبسي لمنصب رئيس الهيئة السياسية، فيما ترشح رجل الأعمال المعروف رؤوف الخماسي لمنصب رئيس اللجنة المركزية.

ويُنتظر أن تؤثر الانتخابات المُرتقبة على مجمل القرارات السياسية، بما فيها قرار القطع مع الإسلام السياسي، ومع ذلك قال القيادي منجي الحرباوي المكلف بالإعلام في حركة نداء تونس، لـ”العرب”، إن المؤتمر الذي يبقى سيد نفسه، أقر بوضوح لا لبس فيه، القطع نهائيا مع كل أشكال التطبيع مع الإسلام السياسي.

وشدد على أن هذا القرار بصيغته الواضحة لا يشمل حركة النهضة الإسلامية فقط، وإنما كافة فروع أخطبوط الإخوان وتنظيمات الإسلام السياسي بمختلف تلاوينها ومشتقاتها الحالية أو التي ستبرز لاحقا.

واعتبر الحرباوي، الذي كان هو من اقترح إضافة الفقرة المذكورة للائحة السياسية المذكورة، أن هذا القرار أصبح أمرا واقعا، ما يعني أن القيادة الجديدة لحركة نداء تونس التي سيُفرزها المؤتمر، مُطالبة بالتقيد والالتزام به، ليكون بذلك بوصلتها أثناء نسج العلاقات والتحالفات مع الأحزاب والقوى الناشطة في البلاد.

ولم يستبعد في هذا السياق أن يتمحور الخطاب السياسي لحركة نداء تونس خلال هذه المرحلة التي تستعد فيها البلاد لانتخابات تشريعية ورئاسية مصيرية، حول هذا التوجه الذي يستند إلى “الخط الوطني الذي سبق أن انتهجه الرئيس التونسي الراحل الحبيب بورقيبة” الذي يُوصف بأنه مؤسس الدولة المدنية في تونس.

وربط مُتابعون للشأن الحزبي التونسي هذا القرار الواضح بما جاء في كلمة الرئيس قائد السبسي خلال الجلسة الافتتاحية لمؤتمر حركة نداء تونس، التي غمز فيها من زاوية ضرورة مواجهة حركة النهضة الإسلامية، عندما شدد على أهمية “تجميع كل القوى الوطنية لمواجهة التيارات التي يجب مواجهتها”. واعتبروا أن المناخ العام في البلاد، وعلى الصعيد الإقليمي، وخاصة منها المُتغيرات المُتسارعة في ليبيا، التي تُنبئ بقرب تفكيك سطوة الميليشيات في العاصمة طرابلس، وانكفاء تنظيمات الإسلام السياسي في البلاد، كان له كبير الأثر في تمرير المصادقة على هذا القرار بإجماع المؤتمرين.

وتدفع هذه التطورات المُرشحة للمزيد من التفاعلات خلال الأيام القليلة القادمة، حركة النهضة الإسلامية إلى دائرة الانحسار، لتقترب أكثر فأكثر من العزلة خارجيا، وكذلك أيضا داخليا، بعد أن فقدت أبرز الحلفاء، باستثناء رئيس الحكومة يوسف الشاهد الذي مازال يوفر لها الغطاء المدني.

وتُؤشر المعطيات المرافقة لهذه التطورات إلى أن قرار القطع النهائي مع الإسلام السياسي الذي صادق عيه مؤتمر حركة نداء تونس، ألقى بظلاله على حركة النهضة التي دخلت في حالة من الارتباك وكذلك أيضا من الضيق، عكستها تصريحات علي العريض نائب الغنوشي الذي اكتفى بالقول “لكل حزب أن يختار مساره واختياراته.. وأحترم قرارات الآخرين”.

وقال في تصريحات سابقة إن حركته “هي حركة أصيلة في المجتمع لها أهدافها الواضحة وخطها السياسي الواضح وإن وجدت من يتعاون معها ويشترك معها في عدد من الأهداف فهي دائما على استعداد للتعاون تحت سقف الدستور ولكن تحترم من له خيارات أخرى لا تشاطره الرأي”.

وعلى وقع هذه المُتغيرات بسياقاتها الداخلية والإقليمية، يتحرك المشهد التونسي بخطى سريعة نحو بلورة معادلات جديدة، بحسابات من شأنها إعادة صياغة التوازنات السياسية، على قاعدة تحجيم دور الإسلام السياسي في البلاد.

عن "العرب" اللندنية



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية