ليبيا: متى تدرك حكومة الوفاق عواقب رهاناتها الخاسرة؟

ليبيا: متى تدرك حكومة الوفاق عواقب رهاناتها الخاسرة؟


14/06/2020

ما تزال حكومة الوفاق بقراءتها الخاطئة للوضع الليبي الداخلي والحسابات الإقليمية، تدفع الجميع إلى نفق مظلم، فكل السياسات التي تتبعها، والتصريحات التي أدلى بها ممثلون عنها مؤخراً لا تصب في صالح الحل السياسي؛ بل تنتهي بتصعيد طبول الحرب بحثاً عن انتصارات خادعة على المدى البعيد.

سارعت "الوفاق" إلى رفض المبادرة المصرية تحت مزاعم مجيئها من حليف لأحد أطراف النزاع

سارعت "الوفاق" إلى رفض المبادرة المصرية، التي تدعو لإنهاء الصراع الدائر في ليبيا عن طريق حلّ سياسي عادل وشامل، تحت مزاعم أنّها جاءت من حليف لأحد أطراف النزاع، مع الإصرار على استمرار الاقتتال، فهذا قرار لا ينمّ عن إدراك كافٍ لأبعاد المسألة الليبية، التي يتشابك فيها الواقع الداخلي مع الظروف العالمية والإقليمية، والتي لا تؤيد اندلاع نزاعات مسلحة جديدة بالمنطقة.
من المرجح أنّ يكون رفض الحكومة، التي يقودها فايز السراج، للمبادرة مدفوعاً برغبة تركية لإشعال المنطقة، بغية إحراز انتصار ما في ليبيا، فأردوغان يحتاج إلى مزيد من أموال الشعب الليبي، بخلق المزيد من الفوضى على الأرض، وهو ما سبق أن فعله بالحصول على المليارات مطلع العام الحالي، لدعم اقتصاد بلاده بأيّ ثمن، حتى وإن كان استقرار ليبيا وأرواح أبنائها، في حين أنّ المبادرة المصرية تدعو إلى احترام كافة الجهود والمبادرات من خلال وقف إطلاق النار، وإلزام الجهات الأجنبية بإخراج المرتزقة الأجانب من كافة الأراضي الليبية، والعودة لمسار المفاوضات (5+5) في جنيف، وتشكيل مجلس رئاسي منتخب، والمبادرة التي أيدها أطراف دولية عدة، تعد بمثابة خريطة طريق نحو إحلال السلام، واحترام إرادة الشعب الليبي واختياراته.

اقرأ أيضاً: لماذا لا تستطيع الوفاق الليبية السيطرة على مساحات شاسعة؟.. معهد أوروبي يجيب

أخطأ حلفاء أردوغان في اختيار الحل العسكري بدلاً من المسار السياسي؛ فالوضع ليس في صالح الوفاق، وليبيا ليست سوريا سواء من الناحية الجيوسياسية أو الجبهة الداخلية، وكان على حكومة الوفاق أن تقرأ الوضع الجيوسياسي جيداً، ففي الجوار دولة بحجم مصر لن تسمح أبداً بتدهور الأوضاع الأمنية أو اندلاع حرب أهلية، أو سيطرة الميليشيات المسلحة على الدولة الليبية، لما له من تأثير سلبي على أمنها القومي.

من المرجح أنّ يكون رفض حكومة السراج للمبادرة مدفوعاً برغبة تركية لإشعال المنطقة

كما أنّ اليونان وقبرص، وهما عضوان في حلف الناتو، لن يسمحا بالتدخل التركي في ليبيا لما له من تأثير على اتفاقيات الغاز في المياه الاقتصادية المشتركة بينها؛ فالدفع بالحرب بهدف القضاء على الجيش الليبي والسيطرة على المنطقة الشرقية الليبية لن يتحقق، بل ربما يدفع الطرف الخاسر إلى قبول تقسيم ليبيا إلى دولتين، وعندها تخسر تركيا اتفاقياتها، ولا يصبح لوجودها أي مبرر، وتخسر طرابلس عائدات النفط الموجودة في المنطقة الشرقية، لذا فإنّ الدفع بالخيار العسكري المدعوم تركياً، لن يكون بأي حال في صالح الدولة الليبية الموحدة.
كما كان يجب على حكومة الوفاق إدراك أنّ المجتمع الدولي، وإن تغاضى عن تصرفات تركيا وتدخلها في الشأن الليبي مؤقتاً، فإنّه لن يسمح لها بإشعال المنطقة، ولعل موافقة مجلس الأمن القومي الأمريكي، على المبادرة المصرية لوقف إطلاق النار، ومباشرة مفاوضات 5 + 5 مع إطلاق مفاوضات مباشرة بمشاركة الأمم المتحدة، خير دليل على خطأ قراءة حكومة الوفاق للوضع الدولي، فالدول الكبرى التي تبحث عن مصالحها في ليبيا لا تخدمها حالة عدم الاستقرار ولا تمكنها من تحقيق مصالح حقيقية.

اقرأ أيضاً: الجيش الليبي يصد هجوم الوفاق على سرت.. وتحرك عسكري مصري على الحدود
كما أخطأت حكومة الوفاق في الاستثمار في الحرب الأهلية لصالح تركيا، فطرابلس التي  ضخت أربعة مليارات دولار في خزينة المصرف المركزي التركي لنجدة الليرة التركية المتهاوية، والتي سمحت بتهريب ما يقارب 25 مليار دولار من ليبيا إلى تركيا، بينها 2 مليار خلال الشهرين الماضيين، حسب تصريح صحفي للناطق باسم الجيش الوطني الليبي، اللواء أحمد المسماري، تحول نفسها من دولة ذات سيادة إلى مجرد خزينة لتركيا، على حساب المواطن الليبي الذي يعاني من شح في السيولة.

أردوغان يحتاج الى مزيد من أموال الشعب الليبي بخلق المزيد من الفوضى

الوجود التركي في ليبيا، الغنية بالغاز والنفط والذهب واليورانيوم، يستهدف ثرواتها، وجاء لتعويض رفض أوروبا دخول أنقرة الاتحاد الأوروبي، كما تريد أن تكون قوة ذات ثقل كبير في المنطقة، لتخاطب أوروبا، ولا يشغلها مستقبل ليبيا ولا أمنها واستقرارها، بخلاف رؤية الدولة المصرية للوضع الليبي؛ فكل ما يشغلها تأمين حدودها واستعادة الدولة لمؤسساتها.
الانتهازية التركية لن تترك ليبيا إلا بعد أن تمتص مقدراتها الاقتصادية، نظرا لأن الاقتصاد التركي يعاني منذ شهر نيسان (إبريل) الماضي أزمة طاحنة؛ فقد قفز عجز التجارة الخارجية إلى  182%، وفي أيار (مايو) الماضي أعلن البنك المركزي التركي، أنّ عجز ميزان المعاملات الجارية اتسع إلى 4.92 مليار دولار في آذار (مارس) الماضي بفعل زيادة العجز التجاري، وانخفاض الدخل السياحي ونزوح أموال المحافظ الاستثمارية.
لن يغفر الليبيون أيضاً لحكومة الوفاق رهانها على الجماعات المسلحة؛ والسماح باستمرار تدفق المرتزقة وفلول داعش، ولعل ما ارتكبته الميليشيات المسلحة في ترهونة والأصابعة عقب دخولهم المدينة بعد انسحاب الجيش الوطني الليبي منها، يدل على ما يضمرونه للشعب الليبي، وتلك الجرائم وثّقتها الأمم المتحدة حسب شبكة (BBC) بتقارير عدة تفيد بوقوع أعمال نهب وتدمير للممتلكات في بلدتين، جنوبي العاصمة طرابلس، والتي تبدو في بعض الحالات أنّها جاءت كعقاب وانتقام من عائلات على صلة بقوات حفتر وقدمت الدعم لها، هذه المذابح تهدد بتآكل النسيج الاجتماعي الليبي، وهذه الميليشيات، كما قالت بعثة الأمم المتحدة في ليبيا في بيان لها، تسببت في تشريد أكثر من 16 ألف شخص في ترهونة وجنوبي طرابلس.

مصر لن تسمح بتدهور الأوضاع الأمنية الليبية أو اندلاع حرب أهلية أو سيطرة الميليشيات المسلحة

على الرغم من رفض المجتمع الدولي لإرسال مرتزقة الى ليبيا إلا أنّ الحكومة التركية، حسب  المرصد السوري لحقوق الإنسان، مازالت ترسل أعداداً كبيرة منهم، وبلغ عدد المسلحين الذين نقلتهم تركيا إلى الأراضي الليبية الشهر الماضي وحده، نحو 9 آلاف عنصر، من بينهم مجموعة من غير السوريين. وكشف مدير المرصد، رامي عبد الرحمن، في تصريحات لشبكة "سكاي نيوز عربية" دور الاستخبارات التركية في تشكيل فصيل من داعش لتجنيد مرتزقة سوريين لصالح أنقرة بقوة السلاح.
تسعى حكومة الوفاق إلى التماهي مع مخططات تركيا في استفزاز الدولة المصرية بهدف استدراج جيشها المصري إلى مواجهة غير محسوبة العواقب مع الجيش التركي خارج الحدود المصرية، خلافاً للاختيار المصري لاستراتيجيته الحربية القائم على عدم التدخل العسكري في أي من الأقطار العربية، والاكتفاء بالمساندة والدعم.
ليس أمام حكومة الوفاق إلا القبول بوقف إطلاق النار والعودة إلى مسار المفاوضات، أما دق طبول الحرب، فهو خيار خاسر، فالحرب تنزع الشرعية عنها وتقود المجتمع إلى الخراب وانهيار الاقتصاد، وتمزق المجتمع الليبي لصالح جهة خارجية ستكتفي في النهاية بمراقبة أطلال الخراب البعيد عن حدودها.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية