ليبيا: السلطة القضائية تنجو من الانقسام والتوظيف السياسي

ليبيا: السلطة القضائية تنجو من الانقسام والتوظيف السياسي

ليبيا: السلطة القضائية تنجو من الانقسام والتوظيف السياسي


27/09/2022

تسلم المستشار عبدالله محمد أبورزيزة مهام منصبه رئيساً للمحكمة العليا، الأحد (25) أيلول (سبتمبر)، من المستشار محمد القمودي الحافي بمقر المحكمة العليا بالعاصمة طرابلس، لينهي أزمة هددت السلطة القضائية بالانقسام.

ويتفق الليبيون رغم اختلافاتهم المتعددة، على أنّ السلطة القضائية هي آخر الأجسام الرئيسية في البلاد، التي لم ينل منها الانقسام، ولم تدخل المعترك السياسي بشكل يجعلها منقسمة، كحال جميع المؤسسات في البلاد.

ورغم أنّ التوظيف السياسي للقضاء حدث في عدة مرات خلال (11) عاماً، هي عمر الصراع الحالي، منذ إطاحة نظام العقيد معمر القذافي، في ثورة فبراير، كحلّ مجلس النواب عبر الدائرة الدستورية، ثم إغلاق الدائرة، وإعادة افتتاحها في وقت تهيمن الميليشيات فيه على العاصمة، طرابلس، وكذا عدد من التعيينات في رأس السلطة القضائية، إلا أنّ ذلك لم يهدد بانقسام السلطة القضائية، وظلت محافظةً على وحدتها.

وعلى خلفية الصراع الدائر منذ أشهر قليلة بين رئاسة مجلس النواب، ورئيس أعلى جهة قضائية؛ المحكمة العليا، والذي وصل إلى تكليف المجلس لرئيس جديد للمحكمة، بات في البلاد رأسان للسلطة القضائية، أسوةً بجميع المؤسسات المنقسمة. ورغم ذلك مازال الليبيون يأملون تجاوز الأزمة، ونجاة القضاء من أزمة الانقسام التي تعصف بالبلاد.

أزمة المحكمة العليا

وتوترت العلاقة بين مجلس النواب ورئيس المحكمة العليا، المستشار محمد الحافي، منذ أيار (مايو) الماضي، عندما رفض الأخير قرار مجلس النواب بتعيين (45) مستشاراً جديداً في عضوية المحكمة العليا، وهي أعلى سلطة قضائية في البلاد، تنبثق عنها الدائرة الدستورية، برئاسة رئيسها.

رئيس مجلس النواب، عقيلة صالح يصافح رئيس المحكمة العليا، عبد الله أبو رزيزة

وفي جلسته بتاريخ (15) من أيلول (سبتمبر) الجاري، كلف مجلس النواب، المستشار عبد الله أبو رزيزة رئيساً للمحكمة العليا، بعد ترشيحه من الجمعية العمومية للمحكمة وموافقة مجلس الدولة، بحسب تصريح المتحدث باسم المجلس. وأدى أبو رزيزة اليمين القانونية أمام رئيس مجلس النواب، عقيلة صالح، في (18) من الشهر الجاري، ليصبح للمحكمة العليا رئيسين، الأول المستشار الحافي، والثاني الرئيس المُكلف من مجلس النواب.

يرى مراقبون ليبيون أنّ عدم تفعيل الدائرة الدستورية في المحكمة العليا منذ العام 2016 حتى إعادة تفعيلها العام الجاري، هو توظيف سياسي بحت

وفي خضم الأزمة بين النواب ورئيس المحكمة العليا، بعد رفضه تعيينات المستشارين الجدد في الجمعية العمومية للمحكمة، قام المستشار الحافي بتفعيل الدائرة الدستورية في المحكمة، والتي كانت مُعطلة منذ العام 2016. وقبل تفعيلها بيومين أصدر مجلس النواب، قرار رقم (4) لعام 2022، ويقضي بتعديل حُكم في القانون رقم (6) لسنة 1982، الخاص بإعادة تنظيم المحكمة العليا. ونصت المادة الأولى من القانون الجديد على "تعدل الفقرة الثانية من المادة الثامنة من القانون رقم (6) لسنة 1982م بإعادة تنظيم المحكمة العليا لتكون على النحو الآتي: "ويكون حلف اليمين أمام مجلس النواب أو هيئة رئاسة المجلس"، وهي الخطوة التي جاءت بعد رفض المستشار الحافي استقبال الأعضاء الجدد في الجمعية العمومية لحلف اليمين القانونية.

ومطلع الشهر الجاري، وجه رئيس مجلس النواب خطاباً إلى رئيس المجلس الأعلى للقضاء ومستشاري المحكمة العليا، استناداً إلى قرار المجلس رقم (6) لسنة 2014، بنقل مقر جلسات انعقاد المحكمة العليا مؤقتاً إلى مدينة البيضاء، واعتبار انعقاد المحكمة في غير مقرها القانوني غير صحيح. ويترتب على ذلك بطلان ما تتخذه من إجراءات.

ومن جانبه، رفض رئيس المجلس الأعلى للدولة، خالد المشري، قرار نقل المحكمة العليا إلى البيضاء، استناداً على أنّ الاتفاق السياسي لعام 2015 (اتفاق الصخيرات)، بدخوله حيز التنفيذ ألغى القرارات السابقة التي تتعارض مع بنوده.

المستشارة فوزية بوصبع: الحافى سيحترم قرار الجمعية العمومية

وفي الوقت ذاته، لم يصدر بيان عن المشري برفض قرارات مجلس النواب بخصوص تعيين المستشارين الجدد في المحكمة العليا، وتكليف المستشار أبو رزيزة برئاسة المحكمة. وفي سياق متصل، كان المجلس الأعلى للقضاء، أكد صحة قرار مجلس النواب بتعيين المستشارين في المحكمة، في جلسة بتاريخ (20) آب (أغسطس) الماضي. وبحسب مراقبين يصبح انعقاد الجمعية العمومية للمحكمة بدون حضور هؤلاء المستشارين المعينين باطلاً، إضافةً إلى بطلان ما ترتب عن ذلك الانعقاد الباطل كقرار إعادة تفعيل الدائرة الدستورية بالمحكمة العليا.

العوار القانوني

وتعيش ليبيا وضعاً يتحكم فيه السياسي بالدستوري والقانوني؛ حيث كانت الأزمة السياسية لعام 2014، والتي وُصفت بالانقلاب على مجلس النواب المُنتخب، سبباً في التوصل لاتفاق الصخيرات، الذي خطّ مساراً جديداً للدستوري والقانوني في البلاد، ولهذا قد يُسبب تطبيق مواد دستورية وقانونية في خلق أزمات سياسية أكبر، خصوصاً فيما يتعلق بمسألة شرعية الأجسام السياسية المبنية في الأساس على اتفاق الصخيرات.

وتقول المستشارة بمحكمة استئناف  طرابلس، فوزية ناجي بوصبع: "نال تكليف المستشار عبد الله أبو رزيزة برئاسة المحكمة العليا مباركة وترحيب فى وسط القضاء الليبي؛ حيث إنّه مرشح الجمعية العمومية للمحكمة، والتي لم تسمح بفرض رئيساً لها من أى جهة، وبذلك قررت باستقلال تامّ اختيار رئيسها، ولها كلمة الفصل".

وكانت المستشارة فوزية بوصبع في حديثها لـ"حفريات" أكدت أنّ "المستشار محمد الحافي سوف يحترم قرار الجمعية العمومية فيما انتهت إليه، وإذا كان لديه اعتراض سوف يسلك الطريق القانوني   للطعن، والفصل سيكون للقضاء الليبي".

د. زياد الشنباني: "، لم تخل جلسة مجلس النواب من عيوب قانونية

وأشارت إلى أنّ "هناك توجهاً لإنشاء محكمة دستورية، سيكون لها دور كبير في النظر في القضايا كافة والطعون ذات الطابع الدستوري". وكان مجلس النواب قرر في جلسته بتاريخ (15) من الشهر الجاري، إحالة مشروع قانون المحكمة الدستورية للجنة التشريعية، وتعميمه على السادة النواب للاطلاع، وعرضه خلال الجلسات المُقبلة.

ومن جانبه، يرى المستشار القانوني، زياد الشنباشي، أنّ "قرار البرلمان بتكليف المستشار أبو رزيزة سليم في مجمله، وذلك بالعودة إلى نص المادة (51) من القانون رقم (6) لسنة 1982، التي تحدد الخريطة التي من خلالها يتم اختيار رئيس المحكمة العليا، والتي بدأت من الاجتماع الذي شكلته الجمعية العمومية للمحكمة العليا، والذي قيل بأنه قد صدر باجماع الأغلبية المطلقة، ثم اعتماده من المجلس الأعلى للدولة، وأخيراً مرحلة التصديق من مجلس النواب".

المستشارة بمحكمة استئناف  طرابلس، فوزية ناجي بوصبع لـ"حفريات": نال تكليف المستشار عبد الله أبو رزيزة برئاسة المحكمة العليا مباركة وترحيب أوساط القضاء الليبي

ولكن وفق حديث المستشار الليبي لـ"حفريات"، لم تخلُ جلسة مجلس النواب من "عيوب قانونية، تؤدي إلى إمكانية الطعن في قرار التكليف للمستشار أبو رزيزة". وبحسبه "يكمن الخلل في عدم اكتمال النصاب القانوني في الجلسة، وفق ما حددته اللائحة الداخلية للمجلس، ولهذا كان على رئيس المجلس تأجيل الجلسة لحين اكتمال النصاب".

ومن زاوية أخرى، نوه الباحث القانوني والسياسي الليبي، عبد الله الديباني، بأنّ "مجلس الدولة قد صوت على المستشار بو رزيزة بناءً على اختيار الجمعية العمومية بالمحكمة العليا، وتمت مراسلة مجلس النواب بذلك، وقام مجلس النواب بإصدار قرار التكليف".

وأشار إلى أنّ "المستشار الحافي انتهت مدة خدمته القانونية، التي كانت مُددت لعام، ولهذا سيقبل بقرار تكليف المستشار بو رزيزة".

خطر الانقسام

ويرى مراقبون ليبيون أنّ عدم تفعيل الدائرة الدستورية في المحكمة العليا منذ العام 2016 حتى إعادة تفعيلها العام الجاري، هو توظيف سياسي بحت؛ لتجنب الطعن على حكومة الوفاق الوطني السابقة، بقيادة فائز السراج، التي لم تنل الثقة من مجلس النواب، كما نصّ الاتفاق السياسي.

ومع إعادة تفعيلها يخشى المراقبون من تكرار التوظيف لصالح أحد المتصارعين. ويقول المستشار القانوني، زياد الشنباشي: "المحكمة العليا هي أعلى سلطة قضائية، وتمارس اختصاصاتها كمحكمة دستورية، والأهم أنّ المبادئ التي تقرها ملزمة لجميع المحاكم الأقل درجةً، ولجميع السلطات في البلاد".

عبد الله الديباني: السلطة القضائية في ليبيا موحدة

ولفت إلى أنّ "هناك تسارعاً كبيراً لاغتنام هذا الجسم القضائي، الذي كنا نراه الملجأ الوحيد للخروج من هذه الأزمة؛ حيث من يمتلك المحكمة العليا فقد امتلك الشرعية، لأنه ستوجد ولاءات بشكل أو بآخر، خاصة أن القانون بشكل عام مثل اللعبة، يمكن توظيفه".

ولم يتوقع الباحث عبد الله الديباني حدوث انقسام في الجسم القضائي "التكليف صدر بناء على تزكية واختيار من قبل أعضاء الجمعية العمومية بالمحكمة العليا، وبناءً على التعديل الاخير لقانون المحكمة العليا، يصدر قرار التكليف عن مجلس النواب".

وحول خطر الانقسام، قال لـ"حفريات": "المحكمة العليا هي هيئة قضائية من عدة هيئات قضائية، التي تتمثل في المحكمة العليا ومحاكم الاستئناف والمحاكم الابتدائية وإدارة القضايا والمحاماة العامة وإدارة القانون، وجميعها تتبع المجلس الأعلى للقضاء، الذي يمثل السلطة القضائية في ليبيا، وهو موحد، وبالتالي فإن المحكمة العليا رغم أنّها أعلى هرم  المحاكم، إلا أنّها تتبع هذا المجلس، ولهذا لن نرى انقساماً أو انشطاراً لهذه المحكمة، في ظل وحدة المجلس الأعلى للقضاء في ليبيا".

ويذكر أنّ الاتفاق السياسي الليبي لعام 2015 نصّ في المادة (15) على توافق مجلس النواب بالتشاور مع مجلس الدولة، حول شاغلي المناصب القيادية للوظائف السيادية التالية؛ محافظ مصرف ليبيا المركزي، رئيس ديوان المحاسبة، رئيس جهاز الرقابة الإدارية، رئيس هيئة مكافحة الفساد، رئيس وأعضاء المفوضية العليا للانتخابات، رئيس المحكمة العليا، والنائب العام.




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية