فجر الحديث عن فرض الحجاب في ليبيا، جدلا واسعا على شبكات التواصل الاجتماعي، خلال اليومين الماضيين، وتصاعد النقاش بين من يرى أن البلاد تسير على خطى أفغانستان بالتضييق على حرية النساء، ومن يبارك القرار ويعتبره مجديا لضبط أخلاق المجتمع الذي أصابه التفسخ والانحلال.
حدة الجدل تصاعدت عقب تصريحات لوزير الداخلية في حكومة الوحدة الوطنية “المؤقتة”، عماد الطرابلسي، بشأن أهمية الأخلاق في المجتمع الليبي، ودعوته لمنع الاختلاط بين الجنسين في الأماكن العامة، وتفعيل شرطة الآداب بالشوارع، وغيرها من الإجراءات الرامية لإصلاح المجتمع.
عودة شرطة الآداب
فقد أعلن الطرابلسي "عودة شرطة الآداب"، إذ قال في مؤتمر صحافي في 7 تشرين الثاني / نوفمبر الحالي إن "دوريات شرطة الآداب ستعود للعمل الشهر المقبل"، وشدد على أنها "ستمنع تسريحات الشعر الغريبة وملابس الشباب والنساء التي لا تتماشى مع ثقافة المجتمع الليبي".
وطالب وزير الداخلية بفرض الحجاب على النساء وإلزامهن ارتداء ملابس محتشمة، داعياً وزارة التعليم إلى فرض ارتداء الحجاب على الطالبات، وقال إنه سيمنع سفر المرأة الليبية من دون محرم إلا في حالات استثنائية سيتم التدقيق فيها.
وأكد الطرابلسي أن الشرطة النسائية ستمنع الاختلاط بين الرجال والنساء في الفضاءات العامة والمقاهي، كما سيتم اعتقال كل من يحاول مخالفة هذه القرارات ووضعه في السجن، موضحاً أن قواته ستقتحم البيوت في حال ثبت تورط أي شخص في أعمال منافية للآداب، ومن "يبحث عن الحرية الشخصية عليه أن يذهب إلى أوروبا".
وتطال الإجراءات أيضاً قصات الشعر الرجالية “غير المناسبة” احتراماً لـ “خصوصية المجتمع الليبي” كما قال الطرابلسي، عضو حكومة الوحدة الوطنية التي يرأسها رئيس الوزراء، المنتهية ولايته، عبد الحميد الدبيبة.
وسيتم تطبيق إجراءات المراقبة في الشوارع وخارجها، كما ستتم مراقبة المحتوى المنشور على شبكات التواصل الاجتماعي، ومحاكمة مؤلفي النصوص التي تعدّ “غير أخلاقية”. ويرغب الطرابلسي أيضاً في تقديم دورات دينية لضباط الشرطة الليبية.
حكومة الدبيبة تعمل على إدخال ما يسمى شرطة الأخلاق لتشديد قبضتها على البلاد على غرار حركة طالبان في أفغانستان
يذكر أن “شرطة الآداب” ليست بالأمر الجديد في تاريخ ليبيا، فقد كان لها دور مهم في فترة حكم القذافي، حيث كانت تُستخدم كأداة رقابية اجتماعية لضبط الأخلاقيات العامة.
انقسام الرأي العام الليبي
أدت هذه التصريحات إلى انقسام الرأي العام على الفور، فأيدها البعض، لكن الأغلبية انتقدت موقف الوزير الذي “بدلاً من الاهتمام بأمن الليبيين، يعتدي على حرياتهم”. وهذا هو موقف ليلى بن خليفة، المرشحة للانتخابات الرئاسية، التي تتهم الوزير بأنه “يسعى إلى كسب تعاطف الأصوليين”.
ووفق رئيس المكتب السياسي لحزب ليبيا الأمة، ناصر أبو ديب، فإن القرار "لا يستند إلى رؤية ودراسة واضحة دقيقة، ولعله وسيلة لصرف أنظار الشعب عن الأولويات المتعلقة بالتحول الديمقراطي، بما في ذلك تنظيم انتخابات شفافة ونزيهة في أقرب وقت".
المتحدث أوضح أيضا في تصريح لموقع "فرانس 24"، أن "الموجه الأساسي لمثل هذه القرارات هو دستور الجمهورية، محذرا من أن يؤدي ذلك إلى المزيد من الانقسام والتشرذم وسط الشارع الليبي".
واستدرك أبو ديب موضحا أن حزبه "يدعم بالطبع إرساء الآداب والأخلاق العامة، غير أن مسألة الحجاب وغيرها مما اقترحه الوزير يصعب ضبطها"، مضيفا "يجب وضع ضوابط أساسية بينة والاهتمام بالأخلاق، لكن ليس بمثل هذه التصريحات الإعلامية التي قد تكون متأثرة بوسائل التواصل الاجتماعي… نحن مع حريات الأشخاص ما لم تؤثر على الأمن القومي وعلى حريات الآخرين".
بالمقابل، دعم ليبيون، على رأسهم نشطاء إسلاميون القرارات، معتبرين أن ليبيا "شهدت ظواهر غير أخلاقية خلال الأعوام الأخيرة"، على غرار الناشط بشير بالشيخ، الذي قال إن "وزير الداخلية عماد الطرابلسي كان محقاً في ما قاله، ويجب تطبيق ذلك في أسرع وقت ممكن"، واستدل بـ"إنما الأمم الأخلاق ما بقيت، فإن هم ذهبت أخلاقهم ذهبوا".
ووصفت عواطف محمد فرض ارتداء الحجاب وتفعيل عودة شرطة الآداب بالقرار الصائب، خصوصاً في ظل انتشار الانحلال الأخلاقي، على حد قولها. كما أيدت فاطمة عمر القرار، ودعت إلى سرعة تطبيقه، مطالبة وزير الداخلية بفرض ارتداء "العبايات" على النساء، وذلك بحسب ما رصده موقع "اندبندنت عربية".
مخالفات للقانون
وبحسب ما أورده المركز العربي لدراسات التطرف فإن تصريحات وزير الداخلية تتضمن عدداً من الانحرافات والمخالفات للقانون، خصوصا أنه يفرض نوعاً من الرقابة الأمنية تحت غطاء ديني على أخلاق المجتمع، وهو ما يشكل إهانة وتشويهاً، لأنه يتم بذلك تقديم المجتمع الليبي على أنه منحط أخلاقياً.
وقال المركز إن ما يطرحه في تصريحاته يشكل سابقة خطيرة على مستوى سلوك ولغة المسؤول فيما يتعلق بمسائل حقوق الإنسان والحريات العامة والأساسية وحقوق المواطنة، إذ تتعارض هذه التصريحات تماماً مع الإعلان الدستوري الانتقالي الذي يضمن الحقوق والحريات في ليبيا. ناهيك عن أن ذلك مخالف للقوانين والتشريعات الوطنية الحالية.
وبهذه التصريحات يخرج عن نطاق مهام وزارة الداخلية وأجهزتها الأمنية التي تقتصر على تطبيق القانون وفقاً للتشريعات وليس استحداث التشريعات وإصدارها”.
وتواجه ليبيا حالة من عدم الاستقرار العميق منذ أن أطاحت الانتفاضة التي دعمها حلف شمال الأطلسي بالحاكم القديم معمر القذافي في عام 2011.
ومنذ عام 2011، شهدت ليبيا، ذات الأغلبية المسلمة، تراجعاً حاداً في الحريات الدينية، فيما يعدّ تداول المواد الدينية غير الإسلامية والأنشطة والخطابات التي يُنظر إليها على أنها “مسيئة للإسلام” أمر غير قانوني.
وفي نهاية شهر أيار/ مايو الماضي، أنشأت الهيئة العامة للأوقاف والشؤون الإسلامية التابعة لحكومة الوحدة الوطنية ما أسمته “حراس الفضيلة”، وهو برنامج يهدف إلى “تطوير الدعوة، ونشر القيم، وتحصين المجتمع من الانحراف الأخلاقي”.
أفغنة المجتمع الليبي
من جهتها، أكدت صحيفة "تيليغراف"، أن حكومة الدبيبة تعمل على إدخال ما يسمى شرطة الأخلاق لتشديد قبضتها على البلاد، والقمع تحت ستار الحفاظ على الأخلاق، على غرار حركة طالبان في أفغانستان.
وأشارت إلى أن ليبيا تشهد هجوما شاملا على الحرية الشخصية يهدف إلى عكس تأثير الموضة الأوروبية واتجاهات وسائل التواصل الاجتماعي، مثل الملابس وتسريحات الشعر الشعبية بما في ذلك تصفيف الشعر القصير أو تصفيفه.
وبينت أنه ستكون لشرطة الأخلاق سلطة إغلاق صالونات الحلاقة ومقاهي الشيشة التي لا تمتثل للقواعد الجديدة.
وقالت منظمة العفو الدولية في بيانها إن “تهديدات وزير الداخلية بقمع الحريات الأساسية باسم “الأخلاق” تعد تصعيدًا خطيرًا في مستويات القمع الخانقة أصلًا في ليبيا بوجه الذين لا يمتثلون للمعايير الاجتماعية السائدة”.
كما أثارت هذه الإجراءات قلق العديد من المنظمات الحقوقية المحلية والدولية، التي ترى فيها انتهاكاً لحقوق الإنسان والحريات الأساسية، خاصة فيما يتعلق بحرية التعبير وحرية الفرد في اختيار ملابسه وسلوكياته.
وأشاروا إلى أنها تتصادم بشكل كبير مع المبادئ التي نص عليها الإعلان العالمي لحقوق الإنسان، وعلى رأسها حرية الفكر والمعتقد والحق في الخصوصية، مما يعكس تناقضاً بين التصريحات الرسمية التي تدعي الدفاع عن القيم الاجتماعية والممارسات التي تقيد الحقوق الفردية وتغذي الانقسامات الاجتماعية.