لهجة التهديد والوعيد الإيرانية ترفع درجة التأهب في إسرائيل

لهجة التهديد والوعيد الإيرانية ترفع درجة التأهب في إسرائيل


كاتب ومترجم فلسطيني‎
02/12/2020

تواصل إسرائيل إعلان حالة التأهب القصوى، غداة مقتل العالم النووي الإيراني، فخري زاده، وتوجيه الحرس الثوري الإيراني أصابع الاتهام إلى الموساد الإسرائيلي، بالتورّط في تنفيذ العملية والتوعّد بردّ قاسٍ؛ حيث رفعت إسرائيل درجة التأهب في كافة سفاراتها وجالياتها حول العالم، وأعلنت الاستنفار في صفوف الجيش الإسرائيلي، تحسّباً لأيّ ردّ محتمل سيأتي من محاور إيران في المنطقة، خاصّة بعد تصعيد القيادة الإيرانية من لهجة التوعّد بالردّ.

اقرأ أيضاً: محللون لـ"حفريات": اغتيال زاده يعني أن إيران مخترقة أمنياً

وأعلنت وزارة الدفاع الإيرانية، مساء الجمعة الماضي، وفاة فخري زاده، أبرز العلماء النوويين، متأثراً بجروحه، بعد أن أطلق مجهولون النار صوب سيارته التي كان يستقلها في مدينة أبسرد دماوند شرق طهران؛ حيث يوصف فخري بأنّه "رأس البرنامج النووي الإيراني" الذي تحاربه الولايات المتحدة وإسرائيل، اللتان تسعيان إلى منع طهران من امتلاك أسلحة نووية.

العالم النووي الإيراني، فخري زاده

وأفادت تقارير استخباراتية إسرائيلية بأنّ سقف المواجهة مع إيران بات مرتفعاً، خاصة مع استغلال إسرائيل وجود دونالد ترامب على سدّة الحكم، وبحسب التقارير الواردة؛ فإنّ إدارة ترامب تراجعت مؤخراً عن نواياها في توجيه ضربة عسكرية ضدّ إيران، رغم التهديد والتلويح المسبق، وفي مقابل ذلك؛ ضغطت الإدارة على إسرائيل وطالبتها بتصعيد الحرب السرّية ضدّ إيران، التي تعدّها أكثر ذكاءً ونجاعة، وذلك قبل مغادرة ترامب البيت الأبيض، نهاية كانون الثاني (يناير) القادم.

رجّح سياسيون إسرائيليون أن تقدم إيران على ردّ عسكريّ في الدقيقة الأخيرة قبل مغادرة ترامب البيت الأبيض، وتتجنّب بذلك أية ردود فعل عسكرية قاسية

ووجهت إيران رسالة إلى مجلس الأمن الدولي، قالت فيها إنّ هناك مؤشرات خطيرة على مسؤولية إسرائيل عن اغتيال العالم النووي، فخري زاده، وإنّ ما حصل إنما هو خطوة متهورة وخاطئة من قبل الولايات المتحدة وإسرائيل، وأبلغت إيران في رسالتها إلى مجلس الأمن أنّ الحرس الثوري اتّخذ القرار بالانتقام الشديد من قتلة العالم زاده.

اقرأ أيضاً: هكذا سترد إيران على اغتيال زاده.. ما علاقة حزب الله؟

ولم تعلّق إسرائيل رسمياً على تورّطها في تنفيذ عملية الاغتيال، على الرغم من توجيه إيران التهم لإسرائيل بالضلوع بالعملية والتوعّد بردّ قاسٍ، لكن ألمح رئيس الوزراء الإسرائيلي، بنيامين نتنياهو، وخلال مقطع مسجل نشره، استعرض من خلاله مجموعة وثائق، وصفها بالسرّية، عن مشروع إيراني، عرض ضمنها صورة لفخري زاده، وبحسب مراقبين إسرائيليين؛ فإنّ هذا الاستعراض يلمح إلى مسؤولية إسرائيل عن تنفيذ عملية الاغتيال، وجاء نشره تزامناً مع حادثة الاغتيال.

ماذا فقدت إيران باغتيال زاده؟ 

من جهته، قال الكاتب الصحفي والباحث الإيراني، يوسف عزيزي، إنّ إيران، باغتيال العالم فخري زاده، قد فقدت العقل المحدث والمطور للبرنامج النووي الإيراني، والمبتكر في مجال تركيب الرؤوس النووية على الصواريخ الباليستية، وهو الشخصية لها وزنها في جهاز إيران الأمني، ويتمتع بكفاءة عالية وبإمكان فقدانه أن يؤثّر بشكل كبير في مستقبل التطور في البرنامج النووي، حتى إن وجد خلفه علماء، فلن يمتلئ الفراغ الذي أحدثه زاده، فهو عقلية تتمتع بخبرات عالية ومتقدمة في مجال الأسلحة النووية.

الكاتب الصحفي والباحث الإيراني، يوسف عزيزي

واستبعد الباحث الإيراني، في حديثه لـ "حفريات": إقدام طهران في الوقت الحالي على تنفيذ أيّ ردّ عسكري، سواء داخل إسرائيل أو خارجها، فالوقت بالنسبة إليها غير مناسب، وإدارة ترامب ما تزال على سدّة الحكم وتسخّر لإسرائيل كلّ أساليب الدعم، وتعطي الضوء الأخضر بالدفاع عن نفسها في مواجهة أيّ خطر، خاصة التهديد الإيراني، وبهذا فإنّ أيّة محاولة من قبل إيران للردّ، فذلك يعني حرباً شاملة عليها، وستخسر بذلك كثيراً، في ظلّ ما تعانيه من حصار اقتصادي ينعكس سلباً على الواقع المعيشي، ولم يستبعد الباحث عزيزي أن يأتي ردّ ضدّ أهداف في إسرائيل من قبل محاور إيران في المنطقة، سواء من قبل حزب الله أو من سوريا، أو حتى الفصائل الفلسطينية في قطاع غزة، التي تلقّت تهديداً إسرائيلياً عبر الوسيط المصري، للتحذير من مغبة الإقدام على تنفيذ هجمات انتقامية ضدّ إسرائيل.

اقرأ أيضاً: إيران مُحرجة عسكرياً وسياسياً بعد اغتيال فخري زاده.. ما علاقة بايدن؟

وأوضح عزيزي؛ أنّ إيران مسمومة داخلياً؛ فهي تعاني، منذ وقت طويل، من فجوات عميقة وهناك خلافات كبيرة بين الأجهزة الأمنية والشعب الإيراني، إلى جانب وجود اختراق أمني إسرائيلي وأمريكي، أدى ذلك في مجمله إلى إضعاف النظام الإيراني.

 واستدلّ الباحث عزيزي على هذا الاختراق الكبير بعملية اغتيال الرجل الثاني في تنظيم القاعدة، أبو محمد المصري، والذي اغتيل قبل أشهر على مقربة من وزارة الاستخبارات العسكرية الإيرانية، وذلك بأمر من أمريكا وبتنفيذ من الموساد الإسرائيلي.

العملية لن تضعف إيران النووية

أما المختصّ في الشأن الإسرائيلي، عليان الهندي، فقد أكّد أنّ عملية اغتيال العالم الإيراني، فخري زاده، لن تضعف إيران النووية، ولن تؤثر في استكمال جهودها في تطوير البرنامج النووي؛ حيث إنّ أهداف عملية الاغتيال، بحسب الهندي، جاءت وفق مسارَين بالنسبة لإسرائيل؛ الأول توصيل رسالة إلى إدارة بايدن القادمة، والتي تلوّح بعودة الاتفاق مع إيران، بأنّ الحسابات مفتوحة مع إيران حول جهودها المتواصلة في تطوير سلاحها النووي الذي يشكّل خطراً على إسرائيل والمنطقة، وأنّ أيّ اتفاق قادم بين الولايات المتحدة وإيران, لا يعني أنّ الهجمات ضدّ أهداف إيران وطموحاتها في المنطقة ستتوقف.

المختصّ في الشأن الإسرائيلي، عليان الهندي

والمسار الثاني؛ هو محاولة تسجيل بنيامين نتنياهو إنجازات في سجله السياسي، لتعزيز موقفه بين الجمهور الإسرائيلي ومحاولة الهرب والتملص من قضايا الفساد المتورّط بها، خاصة بعد استمرار خروج المظاهرات الأسبوعية المطالبة برحيله، بعد تورطه مؤخراً بقضية الغواصات وفشله في إدارة أزمة كورونا.

اقرأ أيضاً: إيران ما بين اغتيال محسن فخري زاده وأيمن الظواهري

وأشار الهندي، في حديثه لـ "حفريات" إلى أنّ "طبيعة عملية اغتيال زاده بهذه الطريقة ليست من أساليب أفراد جهاز الموساد الإسرائيلي، فشاهدنا سلسلة من العمليات النوعية التي قام بها الموساد سابقاً، لم تكن بهذا الشكل الذي من الممكن أن يشكّل خطراً على أفراد المجموعة المنفذة للاغتيال، لكنّ طبيعة الهجوم المسلح الذي أدّى إلى القتل يبرز أنّ هناك أطرافاً داخلية في إيران تعمل وفق أجندات خارجية تقف وراء الهجمات المتكررة في إيران، والتي وصلت خلال الأشهر السابقة إلى المفاعلات النووية، وأحدثت بداخلها الضرر والحرائق.

الباحث الإيراني يوسف عزيزي لـ"حفريات": باغتيال زاده، فقدت طهران العقل المطور للبرنامج النووي، والمبتكر في مجال تركيب الرؤوس النووية على الصواريخ الباليستية

وتابع: بالنسبة إلى إيران؛ الأمور تتجه تدريجياً نحو التهدئة، وذلك بالتزامن مع الصمت الذي أظهره مرشح الرئاسة الأمريكية، جو بايدن، من عملية الاغتيال، ورغبة إيران بتحسين ظروفها مع دخول بايدن البيت الأبيض، وسعيها نحو عودة الولايات المتحدة للانضمام مجدداً للاتفاق النووي في ظلّ وجود نوايا إيجابية لدى بايدن في العودة إلى الاتفاق مع إيران.

هل تمتلك إيران القنبلة النووية؟

وبحسب المختص الهندي؛ فإنّ تقارير استخبارية أمريكية تحدثت عن أنّ إيران تمتلك القنبلة النووية منذ سنوات بفضل شبكة من العلماء من ذوي الخبرة العالية في الأسلحة النووية، لكنّ أمريكا تكتّمت على المعلومات السرّية التي حصلت عليها مسبقاً، وتشير التقارير إلى أنّ وصول إيران إلى صناعة القنبلة النووية بات مهمة ليست بالصعبة على طهران، التي وصلت إلى مراحل متقدمة في تطوير برنامجها النووي.

اقرأ أيضاً: كيف ستبدو سياسات بايدن حيال الملف النووي الإيراني؟

وقالت وكالة مهر الإيرانية؛ إنّ معلومات أمنية حصلت عليها أجهزة الإستخبارات الإسرائيلية، تفيد بأنّ إيران وحزب الله نجحا بتزويد حركتي حماس والجهاد الإسلامي بصواريخ كروز وطائرات مسيّرة نفاثة عبر الأراضي السورية، وكذلك التزويد بالتكنولوجيا اللازمة لتصنيعها في غزة, والمعلومات أيضاً بيّنت أنّ المسؤول الأول عن عمليات التهريب هذه هو العالم فخري زاده، وهذا يفسّر تكثيف الغارات مؤخراً على سوريا من قبل سلاح الطيران الإسرائيلي.

اقرأ أيضاً: سياسيون إسرائيليون بعد هزيمة ترامب: السماء سقطت على إسرائيل

في سياق ذلك، بيّن الخبير في الشأن الإسرائيلي، هاني حبيب، أنّ وصول إيران إلى حالة من الضعف سواء على المستوى الأمني أو الاقتصادي، نتيجة العقوبات الصارمة التي فرضها ترامب، جعل منها دولة مخترقة أمنياً، وسهّل ذلك عمليات الاختراق الأمني، وهي الآن ملزمة، قبل أية عملية ردّ، بالعمل على إعادة تطهير مؤسساتها والتخلص من العملاء، خاصة في ظلّ وجود متسع من الوقت قبل مغادرة ترامب البيت الأبيض، وإمكانية استغلال إسرائيل لتلك المدة بتنفيذ مزيد من عمليات التخريب والاغتيال.

 الخبير في الشأن الإسرائيلي، هاني حبيب

وأوضح حبيب، في حديثه لـ "حفريات": أنّ "سياسة ضبط النفس التي تتبعها إيران، وعدم تنفيذ ردود موجعة على عمليات اغتيال سابقة، تعرّض لها عدد من علمائها النوويين، ومواقع عسكرية لها، أعطى ذلك الفرصة لأعداء إيران بمواصلة تنفيذ الهجمات دون تردّد، لاعتقادهم بأنّ إيران لن تردّ، وإن ردّت سيكون الردّ إعلامياً أكثر من أن يكون ميدانياً، وهذه مشكلة كبيرة بالنسبة إلى إيران، التي ترى أنّ العمليات تتكرر بين الفينة والأخرى، وهي عاجزة عن تنفيذ أيّ ردّ نتيجة العزلة التي تعيشها. 

اقرأ أيضاً: لماذا شبّه أردوغان خطاب ماكرون بالمحرقة اليهودية؟

ويكمل حبيب؛ لا يريد الإيرانيون الدخول حالياً في دائرة العنف والتهديد التي تهدّد حياتهم اليومية بعد عام من الإغلاق وانتشار فيروس كورونا، والعقوبات الأمريكية المستمرة، ووصول كثيرين منهم إلى حافة الفقر، فهم يعوّلون على ما بعد كانون الثاني (يناير)، ومحاولة إدارة بايدن الدخول في مفاوضات ورفع العقوبات والتخفيف من الظروف الصعبة، فالوقت الآن حرج بالنسبة إلى إيران، طالما لم يغادر ترامب البيت الأبيض، وإنّ أيّة محاولة ردّ ستطال إسرائيل، أو حلفاءها، ستخلق وضعاً سيئاً مع الإدارة الأمريكية الجديدة، ويصعّب بذلك العودة إلى تفاهمات 2015 حول الاتفاق النووي وترميم أوضاعها. 

اقرأ أيضاً: لماذا تتوجس إسرائيل من تقارب العلاقات بين روسيا وحماس؟

وفي خضمّ التهديدات المتواصلة من قبل إيران، وتأكيد عدد من الخبراء على أنّها لن ترد على العملية في الوقت الحالي، إلا أنّ سياسيين إسرائيليين طالبوا المؤسسة الأمنية في إسرائيل بأخذ التهديدات بعين الاعتبار، فلدى إيران نفوذ حول إسرائيل وحدود إسرائيل مكشوفة أمام أعين حلفائها، فيما رجّح سياسيون ومراقبون إسرائيليون أن تقدم إيران على ردّ عسكريّ في الدقيقة الأخيرة قبل مغادرة ترامب البيت الأبيض، وتتجنّب بذلك أية ردود فعل عسكرية قاسية من قبل إدارة ترامب.



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية