
تتجاوز المخاطر المترتبة على انتشار تطبيق (تيك توك) بعض القيم والحدود الأخلاقية التي تهدد بشكل أو بآخر المجتمعات، وربما يخضع هذا الأمر للنسبية ومعايير القانون المختلفة لدى كل دولة، لكن يبدو أنّ هناك شبه اتفاق بين حكومات الدول وأجهزتها الاستخباراتية حول الأهداف شديدة الخطورة للتطبيق على منظومة الأمن القومي، ممّا دفع عدة دول إلى حظر التطبيق نهائياً خلال الأشهر الماضية، في مقدمتها الولايات المتحدة الأمريكية.
التحذيرات بخصوص التطبيق اتهمت الصين بشكل مباشر بمحاولة توظيفه بغرض الحصول على معلومات مواطني بعض الدول وحكوماتها وأجهزتها الاستخباراتية، فيما يمكن وصفه بأنّه حرب معلومات، زادت وتيرتها بشكل كبير في ضوء التوترات المتصاعدة بين بكين وواشنطن خلال الأشهر الأخيرة.
قلق دولي
تتصاعد مخاوف الحكومات، خاصة داخل الاتحاد الأوروبي، فضلاً عن الولايات المتحدة، من استخدام المعلومات التي حصل عليها التطبيق في عمليات استخباراتية لصالح الصين.
وفي السياق، ذكرت دراسة حديثة صادرة عن المركز المصري للفكر والدراسات الاستراتيجية، تناولت المخاوف الدولية تجاه التطبيق وتداعيات حظره بعدة دول، للباحثة رغدة البهي، أنّ هناك عدداً متزايداً من الدول التي تحركت لحظر التطبيق على الحواسيب والأجهزة التابعة لمختلف المؤسسات الحكومية؛ بسبب مخاوف تتعلق بالأمن القومي (وفي مقدمتها: بريطانيا، وكندا، وبلجيكا، والدنمارك، ونيوزيلندا، وعدد من دول الاتحاد الأوروبي).
وذكرت بعض التحليلات أنّ إجمالي عدد تلك الدول بلغ (24) دولة، وإن اتجهت دول أخرى إلى حظر التطبيق كليّة.
الصين أيضاً فرضت قيوداً شديدة على التطبيق، كما فعلت سلفاً مع تطبيقات من قبيل (يوتيوب) و(فيسبوك) و(واتس أب)، فقد أنشأت إصداراً منفصلاً من التطبيق تحت اسم (Douyin) لمن تقل أعمارهم عن (14) عاماً، لتقتصر ساعات استخدامه على (40) دقيقة فقط يومياً بين الساعة (6 صباحاً و10 مساءً).
وبحسب الدراسة أكد البرلمان الأوروبي أنّ حظر التطبيق وإزالته من أجهزة المؤسسات الحكومية دخل حيز التنفيذ في 20 آذار (مارس) الماضي، وأوصى أعضاءه وموظفيه بإزالته من أجهزتهم الشخصية أيضاً، كما اتجهت المفوضية الأوروبية والبرلمان الأوروبي لاستخدام حق النقض ضد التطبيق لأسباب تتعلق بالأمان وحماية البيانات.
أكد البرلمان الأوروبي أنّ حظر التطبيق وإزالته من أجهزة المؤسسات الحكومية دخل حيز التنفيذ في 20 آذار الماضي، وأوصى أعضاءه وموظفيه بإزالته من أجهزتهم الشخصية أيضاً، كما اتجهت المفوضية الأوروبية والبرلمان الأوروبي لاستخدام حق النقض ضد التطبيق لأسباب تتعلق بالأمان وحماية البيانات
ومنع الجيش السويدي العسكريين من تحميل التطبيق على هواتفهم، كما حظر البرلمان النرويجي تنزيل التطبيق على الأجهزة التي يمكنها الوصول إلى النظام الإلكتروني للبرلمان.
وفي 27 شباط (فبراير) الماضي، أمهل البيت الأبيض الهيئات الحكومية شهراً للتأكد من عدم وجود التطبيق على أيّ من الأجهزة أو الأنظمة التابعة للحكومة الاتحادية التي طُلب منها تعديل عقود تكنولوجيا المعلومات للتأكد من أنّ المتعاقدين يحمون البيانات الأمريكية من خلال وقف استخدام التطبيق على الأجهزة والأنظمة المستخدمة في إطار عملهم.
لماذا يثير التطبيق كل هذا القلق؟
بحسب الدراسة، تدور مخاوف مختلف الدول من تطبيق (تيك توك) حول: استخدامه لأغراض التجسس، وانتهاك خصوصية المستخدمين، وجمع بيانات استخبارية عنهم لصالح الحزب الشيوعي الصيني، وتزايد إمكانية إتاحة بيانات هؤلاء المستخدمين للحكومة الصينية في ظل الترابط بين الشركة المالكة له والاستخبارات الصينية.
ذلك إلى جانب تعدد المخاطر الأمنية للتطبيق الذي يهدد الأمن القومي لكثير من الدول بعد أن تحول إلى أداة في يد الصين، إضافة إلى القوانين الوطنية التي قضت بوجوب تسليم الشركات الصينية للبيانات التي تطلبها منها الحكومة الصينية والتي قد تستخدمها لنشر معلومات مضللة، وأيضاً إقرار شركة (بايت دانس) بأنّ بعض الموظفين في الصين يمكنهم الوصول إلى بيانات المستخدمين الأوروبيين.
الحل الأمثل هو رفع الوعي بمخاطر وسائل التواصل وأهداف الشركات المالكة لها من ناحية، وتعزيز خصوصية المستخدمين بقوانين فاعلة تكفل حماية بياناتهم وتحول دون وصول الشركات المحلية والأجنبية إليها من ناحية ثانية
كما تصف الدراسة البيانات أنّها أضحت "نفط القرن الـ (21)"، ولكونها السلعة الاقتصادية الأبرز، تُثار التساؤلات عن مصير البيانات الشخصية التي يَجمعها التطبيق (مثل: الموقع الجغرافي، ونشاط المستخدمين، وبريدهم الإلكتروني، ونوع أجهزتهم الإلكترونية المستخدمة، والتطبيقات الأخرى الموجودة على أجهزتهم، وغير ذلك).
وهو ما تتزايد خطورته في ظل تعقب خوارزميته لما يشاهده المستخدمون ومقدار الوقت الذي يقضونه لمشاهدة كل مقطع فيديو، لتحديد المحتوى الأكثر تفضيلاً لهم من خلال الوقوف على أنماط سلوكهم. وهو ما دفع البعض للقول إنّ الهدف من جمع تلك البيانات يتمثل في الأغراض التسويقية، بينما دفع آخرون بإمكانية بيعها لحكومات أخرى، وهو ما قاد بدوره إلى مخاوف أمنية دفعت كثيراً من الدول للتحقيق في حجم البيانات التي تمكن التطبيق من جمعها للوقوف على مصيرها المحتمل.
تداعيات محتملة لأزمة التطبيق
على تعدد المبررات والمخاوف التي تتفاقم سوءاً في ظل افتقار عدد من الدول إلى قانون يكفل حماية خصوصية البيانات الوطنية وأنظمة المستخدمين، يتحتم على كثير من الدول وفي مقدمتها الولايات المتحدة الاختيار بين الاستجابة لمخاوفها الأمنية من ناحية، وتلبية متطلبات حرية الرأي والتعبير من ناحية ثانية، وكذا الاختيار بين استرضاء "جيل الألفية"، وفق الدراسة.
وتقول الدراسة: إنّ استطلاع الرأي الذي أجرته شركة (Social Sphere, Inc) في 22 آذار (مارس) الماضي على (1607) من الناخبين المسجلين، تراوحت أعمارهم بين (18 و42) عاماً، خلص إلى أنّ "جيل الألفية" يفضل حظر التطبيق في الداخل الأمريكي بنسبة تتراوح بين (34-49%) بالنظر إلى استخدامه في عملية جمع البيانات، والترويج للدعاية الصينية، ونشر معلومات مضللة، وإن عارض "الجيل زد" ذلك الحظر.
ويسلط ذلك الاستطلاع، وفق الباحثة، الضوء على التداعيات المحتملة لحظر التطبيق التي قد تشمل حدوث رد فعل عنيف في أوساط المستخدمين الشباب وجماعات الحقوق المدنية في الداخل الأمريكي، وردود أفعال الصين المحتملة والحاسمة على الحظر الأمريكي بعد أن دفعت بعض التحليلات بأنّ الموقف الأمريكي من التطبيق لا يعدو كونه حلقة جديدة من حلقات "الحرب البادرة التكنولوجية" التي بات على إثرها التطبيق في قلب المواجهة السياسية بين الدولتين.
وقد يدفع ذلك الصين إلى تبنّي سياسات مماثلة في حق مختلف الشركات التكنولوجية العاملة على أراضيها، ربما تطال التداعيات المحتملة الشركات التكنولوجية الأمريكية، وفي مقدمتها شركة (أوراكل) التي تُعدّ شركة (بايت دانس) أحد أكبر عملائها، وشركة (آبل) عملاق التكنولوجيا الأمريكية التي تُصنع معظم هواتفها وأجهزتها في الصين (وإن نقلت بعض خطوط الإنتاج خارج البلاد في ظل تصاعد حدة التوتر بين واشنطن وبكين).
ما الحل؟
ترى الباحثة أنّ الحظر التام للتطبيق لن يقدم حلاً سحرياً لمخاوف الدول الأمنية منه بالضرورة، ولن يحول أيضاً دون إدمان المستخدمين، لا سيّما الشباب، لوسائل التواصل الاجتماعي ممّن يرجح اتجاههم لتطبيقات أخرى، ويأتي (إنستغرام) في مقدمتها ( بعد أن أتاح خاصية (الريلز) التي تتشابه مع أسلوب (تيك توك).
ولن ينجو الحظر بالضرورة من بعض الدعوات القضائية التي قد تلاحقه لأنّه يقوض حرية تدفق المعلومات، ليظل الحل الأمثل هو رفع الوعي بمخاطر وسائل التواصل الاجتماعي وأهداف الشركات المالكة لها من ناحية، وتعزيز خصوصية المستخدمين بقوانين فاعلة تكفل حماية بياناتهم وتحول دون وصول الشركات المحلية والأجنبية إليها من ناحية ثانية.
مواضيع ذات صلة:
- تورط دبلوماسيين إيرانيين بعملية تجسس في أستراليا... ما الدليل؟