لماذا يهاجم أنصار إيران زيارة شيخ الأزهر للعراق؟

لماذا يهاجم أنصار إيران زيارة شيخ الأزهر للعراق؟


07/11/2021

ينظر مراقبون ومحللون إلى الزيارة الرسمية لشيخ الأزهر، الدكتور أحمد الطيب للعراق، بأنها تأتي في لحظة يشهد فيها الحوار بين الأديان مرحلة ذهبية.

الزيارة المقررة خلال الشهر الجاري، تعد خطوة لافتة، سياسياً ودينياً؛ إذ إنّ الدعوة التي بعث بها رئيس الحكومة، مصطفى الكاظمي، من خلال وفد عراقي رسمي، برئاسة رئيس ديوان الوقف السني، سعد كمبش، قد جاءت في أعقاب الزيارة المهمة والناجحة للبابا فرنسيس، وهو ما يأتي ضمن سياق جهود دعم الاستقرار في العراق والمنطقة، ونبذ المقولات الطائفية، وتخفيف التوترات المذهبية، المتسببة فيها التيارات الإسلامية المؤدلجة.

تيار الاعتدال في مواجهة العنف الطائفي

وبحسب شيخ الأزهر، فإنّ زيارته المتوقعة ستشمل العاصمة العراقية بغداد، والنجف، والموصل، وأربيل، وقال الطيب: "العراق بلد عزيز على قلبي وأتمنى زيارته والتقى شعبه الكريم؛ لأنّ هناك مشتركات كثيرة بين العراق ومصر وهما قطبان مهمان في العالم الاسلامي. والأزهر مهتم بدور العراق في القضاء على الإرهاب. كما أنّ وحدة الأمة وتلاحمها مقصد من مقاصد الإسلام، وليس أمامنا إلا هذا الطريق من أجل الأمن والاستقرار والرخاء".

بدوره، قال سفير العراق في القاهرة أحمد نايف الدليمي: "لقد اتفقنا مع مشيخة الأزهر على ترتيب زيارة شيخ الأزهر المهمة للعراق، والتي سيكون لها برنامج واسع وفقرات وفعاليات مهمة. تجرى الاستعدادات على قدم وساق لاستقبال شيخ الأزهر في العراق".

إيران متبرمة جداً من تضخم دور السيستاني، وتوجه يومياً ضربات تحت الحزام لمرجعيته، وتطعن بخطواته الدينية والسياسية والاجتماعية، كما أنّها مستمرة في دعم فروعها بالعراق ولبنان ومناطق أخرى

وفي النصف الثاني من شهر أيلول (سبتمبر) الماضي، التقى الطيب برئيس مجلس النواب العراقي، محمد الحلبوسي، ووصف الأخير زيارة شيخ الأزهر المرتقبة بـ"التاريخية"، بينما قال إنّ "مشاكل المنطقة تحتاج إلى إرساء ثقافة الحوار، وتوحيد الشعوب، وإعلاء القيم الدينية، ليسود التسامح والإخاء وتستقر الأوطان، وهناك خطوات جادة، اليوم، في العراق لضمان أمنه واستقراره"، وتابع: "العراق يعول كثيراً على زيارة شيخ الأزهر للعراق، وستكون زيارة تاريخية لدعم العلاقات الأخوية بين القاهرة وبغداد".

اقرأ أيضاً: "فرق الموت" العراقية أثناء محاكمتهم: لسنا نادمين على اغتيال النشطاء

ومن بين اللقاءات المهمة التي سيقوم بها شيخ الأزهر؛ هي لقاء آية الله السيستاني، المرجع الديني للشيعة الإثنى عشرية، منذ عام 1992، والمعروف بدوره السياسي والإقليمي المؤثر إلى جانب الديني والمذهبي.

السيستاني ومبدأ ولاية الأمة

دان السيستاني النفوذ الإيراني بالعراق، وكذا تنامي نشاطه، السياسي والطائفي والميداني، منذ سقوط نظام الرئيس السابق صدام حسين، بل إنّه تصدى لوكلاء طهران والمقربين منهم. ورغم أنّ السيستاني إيراني الجنسية ومولود في مدينة مشهد، ثلاثينات القرن الماضي، إلا أنّه يقف على النقيض من ملالي طهران، وينبذ مبدأ الولي الفقيه الذي صعد من خلاله الإمام الخميني للحكم في طهران، عام 1979، وفي المقابل، يؤمن بولاية الأمة على نفسها ويتبنى قيم الدولة المدنية.

ولذلك؛ يرى الباحث بمركز مسارات الشرق الأوسط بالجامعة الأوروبية بفلورنسا، جورج فهمي، أنّ زيارة الطيب للنجف تأتي في لحظة يشهد فيها الحوار بين الأديان مرحلة ذهبية، فقد شهدت السنوات الأخيرة تقارباً بين الأزهر والفاتيكان، أسفر عن وثيقة الأخوة الإنسانية التي وقع عليها كل من شيخ الأزهر والبابا فرنسيس، بابا الفاتيكان، في أبو ظبي عام 2019، كما شهد العراق فى آذار (مارس) من العام الحالى زيارة للبابا فرنسيس، والتقى خلالها آية الله السيستاني في منزله في مدينة النجف، وبالتالي، تأتي زيارة أحمد الطيب للنجف متممة للمبادرتين السابقتين.

اقرأ أيضاً: أين تتجه علاقات تركيا مع كردستان العراق؟

وتحقق زيارة الطيب عدداً من الأهداف الدينية، بل والسياسية أيضاً، وفقاً لفهمي في مقاله المعنون بـ"زيارة شيخ الأزهر للنجف"؛ فعلى المستوى الديني، تعطى الزيارة "دفعاً للحوار بين القيادات الدينية السنية والشيعية، وينتظر أن يكون لهذه الخطوة تأثير إيجابي على المجتمعات العربية التي تضم سنة وشيعة، كما هو الحال في العراق ولبنان، وكذلك العديد من دول الخليج العربى، في اتجاه تخفيف حدة التوتر الطائفي. وقد أكد كل من الرمزين الدينيين، الطيب والسيستاني، في تصريحات سابقة على ضرورة إنهاء التوتر بين السنة والشيعة".

الطيب إذ يرفض تكفير الشيعة وتسييس الدين

وتحفل تصريحات شيخ الأزهر بالعديد من المواقف التي ترفض تكفير الشيعة من قبل عدد من رجال الدين المتشددين، حيث سبق أن قال: "نحن نصلي وراء الشيعة، فلا يوجد عند الشيعة قرآن آخر كما تطلق الشائعات، وإلا ما ترك المستشرقون هذا الأمر، فهذا بالنسبة لهم صيد ثمين، ولي بحث في هذا المجال وجميع مفسري أهل السنة من الطبري وحتى الآن لم يقل منهم أحد إنّ الشيعة لديهم قرآن آخر، وواجب الأزهر في المقام الأول وحدة الأمة الإسلامية، وكذلك تجميع المسلمين على رؤية واحدة مع اختلاف الاجتهاد".

وثمّن زعيم التيار الصدري بالعراق، مقتدى الصدر، تصريحات الطيب، حيث أكد على مخاطر العنف الطائفي، ودعاوى التكفير التي تؤدي إلى تنامي دائرة الاقتتال المذهبي، وقال: "الحمد لله الذى من علينا بمثل هؤلاء العلماء الأفذاذ الشجعان، الذين لا يستوحشون طريق الحق لقلة سالكيه، فجزاه الله خيراً على قوله هذا، كما أتمنى من الله أن يكون هذا الرد باباً لإزالة شيطان الطائفية وشبحها وكابوسها الملعون".

وأضاف: "وكما سيصلي (أي شيخ الأزهر) خلف الشيعة فنحن نصلي خلفه، فالعدل أن ينصف الإنسان دينه وعقيدته ومجتمعه وإسلامه، قبل أن ينصف شهواته وميوله الطائفية".

الباحث العراقي محمد نعناع لـ"حفريات: يتوقع أن يقوم التيار الولائي بعمليات إعلامية واسعة ضد زيارة شيخ الأزهر، كما سيحاولون التقليل من شأنها مثلما حدث مع زيارة البابا فرنسيس

الباحث بمركز مسارات الشرق الأوسط بالجامعة الأوروبية بفلورنسا، يرى إنّ الزيارة تحقق جملة من الأهداف والنتائج على المستوى السياسي؛ حيث إنّ هذه الزيارة "تخطو خطوة جديدة على طريق الحد من احتكار إيران للتمثيل الشيعي فى المنطقة العربية"، ويتابع: "فإيران تسعى دوماً إلى استخدام الورقة المذهبية لتعطي نفسها حق الحديث باسم الشيعة، ولا سيما خلال أوقات التوتر الطائفي؛ حيث تقدم نفسها بوصفها حامية الشيعة في الشرق الأوسط. وقد نجحت في تصدير هذه الصورة حتى في وسط المجتمعات العربية نفسها، إلى أن انتشر تصور خاطئ يربط بين المذهب الشيعي والولاء السياسي لإيران.. ربما يصح هذا الأمر مع بعض القوى السياسية الشيعية التي تدعمها إيران، بهدف مد نفوذها في المنطقة، إلا أنّ ذلك ليس حال السيستاني وقطاع كبير من شيعة العراق".

تأثيرات إقليمية لزيارة شيخ الأزهر

وفي حديثه لـ"حفريات"، يشير الأكاديمي العراقي الدكتور محمد نعناع، إلى أنّ هناك أوساطاً شيعية ومنها عوائل تاريخية مؤثرة، كعائلة الخوئي وبحر العلوم وآل الحكيم، تسعى للاستفادة من المنهج المعتدل الذي يدير من خلاله المرجع السيستاني شؤون الطائفة الشيعية، في مواجهة تيارات أخرى مؤثرة في الساحة الشيعية، كالتيار الولائي والتيار الصدري؛ وهذا السعي يهدف إلى تثبيت أواصر العلاقات العربية الشيعية، والشيعية السنية، بغية تلافي الانزلاقات الطائفية والأيديولوجية المحتملة بعد رحيل المرجع السيستاني، والذي تتحدث أوساط مقربة منه بأنّه يوصي باستمرار هذه الأيام بتعميق العلاقات الشيعية مع السنة داخلياً وخارجياً، لمنع تخريبها من قبل التيارات المذكورة، لأنّها تيارات لديها مصالح سياسية ونفعية، بينما لا يهمها مصلحة الشيعة والعراق".

ويرى المرجع السيستاني بحسب مصدر مقرب من مؤسسة الإمام الخوئي، بأنّ الانفتاح على مراكز القوى السنية، ومنها الأزهر الشريف، يمثل "أولوية للسيستاني من أجل ارتباط أطراف الاعتدال الإسلامي ببعضهم البعض، وفهم التحديات المشتركة ومواجهتها"، كما يؤكد الخوئي في تصريح خاص لـ"حفريات" بأنّ "هناك أطرافاً شيعية وسنية متشددة وراديكالية تتحين الفرص من أجل تحقيق مصالحها، حتى لو عن طريق تخريب مسار الاعتدال الإسلامي، كالتيار الولائي الشيعي والتيار الوهابي السني، ولذلك؛ تعد زيارة شيخ الأزهر فرصة مهمة على طريق تنسيق المواقف الدينية والشرعية لتتبعها عملية تعزيز الأخوة العربية لوأد الأزمات السياسية".

اقرأ أيضاً: ماذا يحدث في ديالى العراقية؟ ولماذا حذر الصدر من الفتنة؟

وبسؤال الأكاديمي العراقي محمد نعناع عن الانعكاسات الإقليمية لهذه الزيارة، وأثرها على ضوء السياق المحلي العراقي، تحديداً بعد الانتخابات المبكرة، يجيب: "إيران متبرمة جداً من تضخم دور السيستاني، وتوجه يومياً ضربات تحت الحزام لمرجعيته، وتطعن بخطواته الدينية والسياسية والاجتماعية، كما أنّها مستمرة هي وفروعها في العراق ولبنان ومناطق أخرى في شيطنة المرتبطين به، عن طريق الحملات الدعائية السلبية الكثيرة ضد جهود جواد الخوئي وحامد الخفاف، وكذلك ضد قادة حشد العتبات ميثم الزيدي وحميد الياسري".

ويرجح نعناع أن يقوم التيار الولائي بعمليات إعلامية واسعة ضد زيارة شيخ الأزهر، كما "سيحاولون التقليل من شأنها مثلما حدث مع زيارة البابا فرنسيس"، ويختتم: "لكن الزيارة ستنجح، خصوصاً بعد أن ساد انطباع عربي ودولي عن اعتدال مرجعية السيستاني، وعدم تدخلها، بشكل مباشر، في الخطوات السياسية، لا سيما أنّ نتائج الانتخابات المبكرة كانت مرضية للدول العربية والإرادات الدولية".




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية