لماذا يحتفي جمهور حزب الله بالقاتل "المقاوم" سليم عيّاش؟

لماذا يحتفي جمهور حزب الله بالقاتل "المقاوم" سليم عيّاش؟


20/08/2020

في خطوة استفزازية أشعلت مواقع التواصل الاجتماعي، ومنابر إعلامية متعددة، رفع أهالي بلدة حاروف في النبطية بجنوب لبنان يافطة ترحيبية لعضو حزب الله سليم عيّاش، الذي أدانته المحكمة الخاصة بلبنان أول من أمس، الثلاثاء، بخمس تهم ترتبط بجريمة اغتيال رئيس الوزراء الأسبق، رفيق الحريري.

اقرأ أيضاً: هل هناك علاقة بين محاكمة قتلة الحريري وتفجير بيروت؟

وقالت اليافطة الاستفزازية إنّ "أبناء بلدة حاروف يفتخرون بابنهم المقاوم الحاج سليم عياش". وعلقت صحيفة "المدن" على اليافطة: "حاج" جديد ينضمّ إلى لائحة الحجّاج الآخرين، المدانين أو غير المدانين بأعمال أمنية. لافتة بيضاء، عكس اللافتات السوداء أو الصفراء التي اعتاد حزب الله وجمهوره على نشرها في الأماكن العامة في بيروت، وفي باقي المربّعات الأمنية والشعبية جنوباً وشرقاً. بيضاء، ربما لكون هذا الإعلان دليل فرح وانتصار جديد. شكل جديد من أشكال الأعراس. تتكامل مع "حفلة" الجنون على مواقع التواصل الاجتماعي بعنوان "من_قتلناه_يستحق".

في الاحتفاء بقاتل مدان

وفي الاحتفاء، بقاتل مدان، مسؤول عن واحدة من جرائم العصر، دلالات كثيرة، وفق الكاتب نادر فوز، فللقاتل المتسلسل المفترض، جمهور يحتفي ويصفّق. بيئة تفتخر بناءً لتوجيهات حزبية وقرارات القيادة. القيادة نفسها، التي لا تزال تهدّد ليل نهار بإطباق البلد على من فيه، تبحث عن حروب أهلية لإيقاف حرب أهلية.

وعلقت الناشطة إيفا زغيب على "تويتر": "لو قرأنا بروية حيثيات الحكم لوجدنا إشارة واضحة لدور حزب الله ولسوريا في عملية الاغتيال لمّحت إليه #المحكمة_الدولية لكن بحسب نظام تأسيسها لا يسمح لها باتهامهما، أي أنهما متهمان بطريقتين بالإشارة وبإدانة #سليم_عيّاش".

كما علق الناشط علي حمود: احذروا بروباغندا الممانعة التي تحاول تسخيف حكم #المحكمة_الدولية، أو تفصله عن الشق السياسي، أو حتى احتفلت به.

القرار واضح، المتَّهم واضح، والمرجعية واضحة.

هذا انجاز!

وبعد 415 جلسة، استمعت فيها المحكمة إلى 290 شاهداً واطلعت على 3131 بيّنة، أصدرت المحكمة قرارها بإدانة عياش في جميع التهم المنسوبة إليه، وتبرئة المتهمين الثلاثة الآخرين.

وأكد القضاة، وفق "بي بي سي" أنّ عياش كان هو مستخدم بعض الهواتف المحمولة التي استعملت لتحديد نطاق الهجوم، كما أعربوا عن اقتناعهم بأنّ لعياش "صلة بحزب الله"، بينما قالوا إنهم غير مقتنعين بالأدلة التي تربط بين الهواتف والمتهمين الآخرين.

يُراد منا تصديق أنّ رجلاً واحداً مدان، خطّط ونفّذ وأدار العملية بنفسه. رجل شبح آخر، تماماً كالمسؤول العسكري السابق في حزب الله، مصطفى بدر الدين أو الملّقب أساساً بالشبح

وشملت التهم التي أدين بها عياش:

*التآمر بهدف ارتكاب عمل إرهابي

*ارتكاب عمل إرهابي باستعمال أداة متفجرة

*قتل رفيق الحريري عمداً باستعمال مواد متفجرة

*قتل 21 شخصاً آخر عمداً باستعمال مواد متفجرة

*محاولة قتل 226 شخصاً عمدا باستعمال مواد متفجرة

ولا يعرف مكان عياش. وسبق أن أعلن الأمين العام لحزب الله حسن نصر الله رفضه تسليم المتهمين الأربعة.

ويواجه عياش، في محاكمة منفصلة، اتهامات بالمشاركة في ثلاثة اعتداءات أخرى نفذت عامي 2004 و2005 بحق سياسيين هم الوزير السابق والنائب المستقيل مروان حمادة، ووزير الدفاع آنذاك إلياس المر، والأمين العام السابق للحزب الشيوعي اللبناني جورج حاوي الذي لقي مصرعه في الهجوم.

اسم واحد بشخصيات ثلاث

وسخر المعلق اللبناني نادر فوز من كون جريمة اغتيال الرئيس رفيق الحريري قد نفّذها رجل واحد، هو سليم جميل عيّاش، وكتب في "المدن" هذا ما يراد منا تصديقه. اسم واحد بشخصيات ثلاث ومهّمات قتل متعدّدة. ذهب سليم إلى طرابلس واشترى سيارة التفخيخ. أما جميل، فقسم نفسه إلى 5 أو 6 أشخاص وراقب تحرّكات موكب الحريري في بيروت وخارجها. اتصل بنفسه من زوايا الشوارع، وعلى شبكات هاتفية متنوّعة الألوان. كان يقفل خطاً، يمشي عشرات الأمتار، ويتصل بنفسه مجدداً من خط ملّون آخر. وعيّاش، من جهته، لم يغضّ بصره عن الحريري في ساحة النجمة. ولدى خروج موكب الأخير، سابقه باتجاه منطقة السان جورج لركن شاحنة القتل. وضعها في المكان المناسب، ابتعد عن المسرح وهاتف نفسه في اتصال وداعي أخير.

وأردف: يُراد منا تصديق أنّ رجلاً واحداً مدان، خطّط ونفّذ وأدار العملية بنفسه. رجل شبح آخر، تماماً كالمسؤول العسكري السابق في حزب الله، مصطفى بدر الدين أو الملّقب أساساً بالشبح. وهو إلياس فؤاد صعب أو حتى الشاب الجامعي حسن عيسى.

اقرأ أيضاً: هل يسلم حزب الله سليم عياش المتهم باغتيال الحريري؟

ووصف الكاتب جريمة اغتيال الحريري بأنها عمل متقن. تصلح لتكون مادةً للتدريس في جامعات الإرهاب والاغتيال السياسي. مرّ 15 عاماً عليها، ولا تزال كأنها وقعت بالأمس. يعرف الجميع تفاصيلها. يحفظون كميّة المواد المتفجرة المستخدمة، نوع الشاحنة ولونها. حجم الحفرة التي خلّفتها وعدد ضحاياها. يتداولون بظروفها السياسية التي أتت على لسان قضاة المحكمة الدولية أساساً. وجاءت الإدانة الفردية لسليم جميل عيّاش، لتزيد من قوّتها ووقعها. نابغة في التفجير والملاحقة والتجسس وضبط التوقيت والتسلسل الإجرامي. هذه هذ الجريمة المتقنة، تماماً كسلسلة الاغتيالات الأخرى التي تتراكم في سجلات المجلس العدلي منذ ثمانينات القرن الماضي. جريمة متقنة إضافية، جاءت المحكمة الدولية لتخريبها.

لماذا لم تصدر إدانة للمتّهمين الآخرين؟

وفي نظر الكاتب، لم تصدر إدانة لمصطفى بدر الدين ولا المتّهمين الآخرين، حسين عنيسي وأسد صبرا وحسن مرعي. إلا أنّ إدانة عيّاش وحدها تكفي، للتأكيد على أنّ الجريمة ارتكبت على أيدي أعضاء من تنظيم حزب الله. وما الرفض الأولي للمحكمة وربط قراراتها بالسياسة إلا دليل أولي على ذلك. والرفض المستمرّ للمحكمة دليل آخر، ولو أنّ بعض من في محور "الممانعة" احتفل بفراغ الإدانة وشخصنتها. وبين الرافضين، تأكيد جاء على لسان وزير العدل حينها (2005-2008)، بأنّ "(أمين عام حزب الله) حسن نصر الله اطلع على كل تفاصيل المحكمة مني شخصياً".

المحلل العسكري اللبناني أمين حطيط: هذا أفشل حكم في قضية جنائية، كونه ابتدع أموراً غير مسبوقة في تاريخ المحاكم الجنائية، مثل اعتماده على دليل وحيد وهو دليل الاتصالات

كان الحزب موافقاً على قيام المحكمة، وعلى تمويلها في الحكومات التي شارك فيها والبيانات الوزارية التي صوّت لصالحها، وكان يعرف تماماً أنّ لا نتائج ستصدر عنها تحديداً لجهة اتهام تنظيمات أو حكومات. فالجريمة، بحجمها والحرفية التي نفّذت بها، لم تترك وراءها آثاراً ودلائل كبيرة. وهذا ما يعرفه الطرف المنفّذ، كما يقول الكاتب نادر فوز.

المحكمة الدولية بحكمها "الضعيف"، أثبتت أنها "دائرة سياسية ملحقة بأصحاب القرار الدوليين"، بحسب العميد المتقاعد والمحلل العسكري اللبناني د. أمين حطيط، الذي فنّد القرار في تصريحات نقلها موقع "الكلمة أونلاين"، وقال إنه ينضوي تحت عنوانين: سياسي وقضائي.

اقرأ أيضاً: مساعدات أمريكية مشروطة للبنان... ماذا قال ديفيد هيل عن حزب الله؟

في المنحى السياسي، رأى حطيط أنّ الحكم شكّل نوع من "التشريح" للوضع السياسي اللبناني، وللعلاقة بين القوى السياسية من جهة، وبين لبنان وسوريا من جهة أخرى، كما أنه سلّط الضوء على الواقع الذي عاشه لبنان طيلة 15 سنة، لكن جميع هذه الأمور، بحسب حطيط، ليست من مهام القضاء الموكلة إليه مهمّة الكشف عمّن خطّط ونفّذ عملية اغتيال رفيق الحريري.

"هذا أفشل حكم في قضية جنائية"

اما من الناحية القضائية، قال حطيط: "هذا أفشل حكم في قضية جنائية"، كونه ابتدع أموراً غير مسبوقة في تاريخ المحاكم الجنائية، مثل اعتماده على دليل وحيد وهو دليل الاتصالات، الذي لا يُعتبر دليلاً أساسياً، إنما دليل مساعد، إضافة إلى المعطيات الموجودة لدى المحقق، لكن العكس حصل في هذه المحكمة، فارتقى دليل الاتصالات ليصبح دليلاً أساسياً، وهذه "سابقة في علم القانون".

اقرأ أيضاً: كيف تآكلت شرعية سلاح حزب الله؟

وفي أول تعليق لها على قرار المحكمة الدولية، قالت نازك الحريري؛ أرملة رفيق الحريري: "لا أعلم إن كنت سأسر أو أحزن لهذا اليوم الذي كنا نترقبه كزوجة وأولاد والعائلة الصغيرة والعائلة الكبيرة في لبناننا الحبيب والوطن العربي أجمع والمجتمع الدولي، لنعرف من حرض وخطط ونفذ هذه الجريمة التي لا تمت إلى الإنسانية والوطنية بصلة، ألا وهي جريمة اغتيال الرئيس الشهيد رفيق الحريري وسائر شهداء الوطن الأبرار".

وأردفت: "المحكمة صدرت أخيراً وما أردناها انتقاماً، فنحن لا نريد الثأر بل نريد العدالة ومعرفة الحقيقة وإحقاق الحق".

أما سعد الحريري، نجل الشهيد، ورئيس وزرء لبنان السابق، فقال في مؤتمر صحفي عقب حضوره النطق بالحكم بقضية اغتيال والده: "لن نستكين حتى تنفيذ القصاص بقتلة رفيق الحريري"، مشدداً "لن نساوم على دماء الحريري".

وأضاف "عرفنا الحقيقة اليوم ونحتاج لتحقيق العدالة. لن نساوم على دماء الحريري وعلى هوية لبنان، ولن نقبل بجعل لبنان مرتعاً للقتلة والإفلات من العقاب ولن نستكين حتى تنفيذ القصاص بقتلة الحريري".

اقرأ أيضاً: أكثر من مجرد وكيل… تطور الاستراتيجية العسكرية لحزب الله اللبناني

وتابع "هدف اغتيال الحريري هو تغيير وجه لبنان. واضح أن شبكة المنفذين من حزب الله.. وعلى هذا الأخير التعاون بعد قرار المحكمة الدولية".

وأوضح الحريري أنّ "المحكمة الدولية أثبتت نزاهتها ومصداقيتها"، مضيفاً "نقبل حكم المحكمة الدولية ونريد العدالة".

وأردف قائلاً "ولّى زمن استخدام الجريمة بالسياسة من دون عقاب".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية