لماذا يحارب الاحتلال الإسرائيلي طعام الملوك وذهب الفلسطينيين؟

لماذا يحارب الاحتلال الإسرائيلي طعام الملوك وذهب الفلسطينيين؟


14/03/2021

يشرع سكان قرى الضفة الغربية، ما إن ينتهي فصل الشتاء ويبدأ فصل الربيع، بقطف العكّوب، وهي نبتة موسمية شائكة يشيع انتشارها في مناطق البطوف والنقب، ونابلس تحديداً، تنظف من الأشواك، وتعدّ منها أكلات فلسطينية مشهورة، وهناك عائلات كثيرة تعتمد عليها كمصدر دخل، ولها قيمة غذائية كبيرة، وتستخدم لعلاج بعض الأمراض.

اقرأ أيضاً: إسرائيل تستغل الأراضي الفلسطينية لزراعة مخدر القنب الهندي

وبذريعة الحفاظ على البيئة والمحميات الطبيعية تمنع سلطة الطبيعة التابعة للإدارة المدنية الإسرائيلية، الفلسطينيين من قطف نبات العكّوب من أعلى قمم  الجبال وتعتقلهم، وتصادر المعدات التي يستخدمونها بعملية القطف، والحيوانات التي تستخدم للنقل، إضافة إلى فرض غرامات مالية باهظة.

نبتة موسمية شائكة يشيع انتشارها في مناطق البطوف والنقب، ونابلس تحديداً

ونظراً للصعوبات  البالغة أثناء قطف نبات العكّوب، أو كما يطلق عليه "الذهب الأخضر" من المناطق الجبلية، بسبب مضايقات الاحتلال المتكررة، قرّر سكان القرى بالضفة الغربية تجاوز تلك الصعوبات من خلال زراعته في حدائق منازلهم وأراضيهم الزراعية، وتحوّل الأمر من اكتفاء ذاتي إلى مصدر رزق موسمي تعتاش منه العائلات الفلسطينية. 

لا يمنع الاحتلال الفلسطينيين من قطف العكّوب بهدف حماية البيئة، وإنما لبسط سيطرته على كافة مقدّرات وخيرات الأرض، وإضافتها إلى قائمة الأطعمة الإسرائيلية

والعكّوب هو نبات برّي جبليّ شعبيّ معروف، سمه  العلمي (Gundelia tournefortii)،  ينمو في مناطق بلاد الشام الداخلية، له موسم قصير؛ إذ يظهر في أواخر فصل الشتاء، وأول فصل الربيع، ويتهافت عليه الناس لشرائه يتصدر قائمة الحشائش والأعشاب البرية الغذائية الربيعية، والتي يزيدها هطول الأمطار نمواً مبكراً وسريعاً في هذه الأيام، ونبات العكّوب شكله أسطواني رفيع أخضر مائل إلى البياض وذيله الترابي.

محمد أبو شعر، من قرية جنصافوط بالقرب من مدينة قلقيلية، جنوب الضفة الغربية، صاحب فكرة زراعة أشتال العكّوب بالمنطقة، فعندما شعر بالخطر على نفسه وعلى والدته المسنة أثناء قطف هذا النبات من أعلى قمم الجبال، قرّر أن يجد طريقة بديلة، فجمع أحواضاً بلاستيكية وغرس بداخلها بذور العكّوب معتمداً على ذلك بالخبرة التي اكتسبها من خلال متابعته للكتب العلمية والمراجع وخبرته في مجال الزراعة.

محمد أبو شعر أثناء إعداد البذور

وبعد جهد كبير وعناية فائقة بتلك البذور كونها حساسة، كانت النتائج كما توقّع تماماً، وكانت ١٠٠٪، وأصبح بإمكانه تناول تلك الوجبة" العكّوب" دون الصعود إلى أعلى قمم الجبال، والتعرّض للمضايقات من قِبل جنود الاحتلال الإسرائيلي، وحقّق اكتفاءه الذاتي من نبات العكّوب.

طريقة آمنة

ويقول محمد أبو شعر، لـ "حفريات" : "زراعة العكّوب بعيداً عن المناطق الجبلية أصبحت أكثر أماناً؛ إذ أصبح بإمكان العائلات قطف المحاصيل بكلّ سهولة، فهذه الطريقة نجحت بشكل كبير؛ إذ إنّه خلال العام الماضي تواصل معي عدد من الخبراء الزراعيين من دول أوروبا  لمعرفة  كيفية استنبات هذه النبتة من البذور، والسرّ فيما وصلت إليه من نسبة الاستنبات.

اقرأ أيضاً: الأطماع العثمانية في الزراعة اليمنية .. أردوغان يعيد محاولات نهب بلاد "سبأ"

ولا يستخدم العكّوب للطهي فقط؛ بل له استخدامات أخرى، وفق أبو شعر، كونه "يحتوي  على مواد حمضية لها منافع طبية في علاج عدد من الأمراض، كما تحتوي البذور على مركبات تجعل منه طعاماً ودواءً ممتازاً، فهو  يعالج الجهاز البولي والجهاز العصبي، ويقوي الدم ويحتوي على فوائد جمة بالنسبة إلى الجهاز الهضمي، ويستخدم لتنحيف جسم الانسان، ولمن يعاني من ارتفاع الكولسترول".

ويساعد العكّوب، كذلك، في انتعاش الأسواق بالضفة الغربية، خاصة أسواق مدينتي نابلس وقلقيلية، فقد أصبحت تلك النبتة مادة أساسية  بين السكان،  ومطلباً أساسياً على مائدة الفلسطينيين، خاصة سكان القرى، حيث يطلقون على  شهر آذار في شمال الضفة اسم "شهر العكّوب"، ويقيمون الاحتفالات للإعلان عن هذا الموسم.

عادات متوارثة

ويبيّن أبو شعر أنّهم اعتادوا في تراثهم القروي الفلسطينيّ، منذ عهد الأجداد أنّ أجواء الخطوبة والفرح لا تحلو إلا بطهي وجبة اللبن والأرز واللحم بالعكّوب، وما يزالون متمسكين بتلك العادة.

زراعة العكّوب بعيداً عن المناطق الجبلية أصبحت أكثر أماناً

ويوضح صاحب فكرة استنبات أشتال العكّوب في قرية جنصافوط؛ أنّ من يريد شراء ما يزيد عن عشرين كغ  من نبات العكّوب يجب أن يكون لديه حجز مسبق قبل عام من موسم الحصاد ليستطيع الحصول على تلك الكمية.

اعتاد المزارع الفلسطيني حمدالله عيد، من مدينة نابلس، مرافقة والدته وجدته لقطف نبات العكّوب من أعلى قمم جبال المدينة منذ أن كان طفلاً صغيراً لا يتجاوز الـ 10 سنوات، لاستخدامه في إعداد الوجبات المختلفة، ولم يتوقف عن ذلك، و عندما كبر استمر بقطف تلك النبتة الموسمية كونها إرثاً فلسطينياً شعبياً.

اقرأ أيضاً: "عربة الخير" تنقذ 120 شاباً من براثن البطالة في غزة

وعندما ازدادت وتيرة الاعتداءات الإسرائيلية بحقّ قاطفي نبات العكّوب، توجّه إلى زراعته بالقرب من منزله في مساحة لا تتجاوز العشرين متراً مربعاً، ليتمكّن من تناولها طوال العام، وبدأ بتوسعة تلك المساحة حتى أصبح يمتلك أرضاً زراعية تتجاوز مساحتها ثلاثة دونمات.

مصدر رزق

ويقول في حديثه لـ "حفريات": إنّ "العكّوب نبات طيّب المذاق، ويعدّ طعام الملوك، عرفه أجدادنا منذ آلاف السنين، لذلك منعنا الاحتلال الإسرائيلي من قطفه، لكننا تحدّينا قراراته الظالمة، وزرعناه بعيداً عن المناطق الجبلية؛ حيث إنّه يعد مصدر دخل للكثير من العائلات الفقيرة بالضفة الغربية، سواء الذين يزرعونه ويقطفونه بأنفسهم، أو الذين يعملون على تنظيفه وبيعه جاهزاً للأكل".

سيدة فلسطينية تقوم بتنظيف العكوب

يضيف: "زراعة العكّوب تحتاج إلى عناية بالمحاصيل، وتفقدها بشكل مستمرّ لإزالة الحشائش والآفات الضارة التي من الممكن أن تفسدها؛ حيث إنّه يفضل زراعة هذا النوع من النباتات في أرض مساء، وليست وعرة، إضافة إلى ترك مسافة بين الأشتال لتسهيل مرور مياه الأمطار خلال فصل الشتاء".

المزارع حمد الله عيد: العكّوب نبات طيّب المذاق، ويعدّ طعام الملوك، عرفه أجدادنا منذ آلاف السنين، لذلك منعنا الاحتلال الإسرائيلي من قطفه

ويبدأ موسم حصاد العكّوب في فصل الربيع، ويستمرّ لمدة شهر ونصف الشهر، يتمّ قطفه خلال تلك الفترة، وبيعه بالأسواق؛ حيث يصل سعر الكيلو الواحد بعد التنظيف إلى ٥٠ شيكلاً، أي ما يعادل ١٥ دولاراً أمريكياً، لذلك سُمّي بالذهب الأخضر، حيث يوفّر الدونم الواحد ربحاً قدره 10 آلاف شيكل خلال الموسم.

ويخبر "حفريات" بأنّه "نظراً لأهمية العكّوب، وإصرار سكان الضفة الغربية على أن يكون متواجداً باستمرار على موائدهم، يلجأ بعض المزارعين والعائلات على تنظيفه وتخزينه بطريقة آمنة، لاستخدامه طوال فصول السنة".

لماذا يمنع الاحتلال قطف العكّوب؟

ولا يمنع الاحتلال الإسرائيلي الفلسطينيين من قطف العكّوب بهدف حماية البيئة، وإنما لبسط سيطرته على كافة مقدّرات وخيرات الأرض، وإضافتها إلى قائمة الأطعمة الإسرائيلية، إضافة إلى منع المواطنين من الصعود إلى سفوح الجبال، سواء لقطف العكّوب، أو رعي الأغنام، أو أيّ هدف آخر،  وذلك لفرض الأمر الواقع.

ويشرح عيد طريقة طهي العكّوب مفصلاً بالقول: "بعد قطف العكّوب، تزال عنه الأشواك، ويستخرج منه اللبّ، ويقطع إلى قطع صغيرة، ويُغلى بالماء الساخن، ليكون جاهزاً للطهي، ويمكن طبخه لوحده مع إضافة البصل وزيت الزيتون، ويحضر أيضاً مع اللبن واللحم، وهذه الطريقة الأكثر انتشاراً بالضفة الغربية".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية