لماذا يتستر النظام الإيراني على فساد رئيس مجلس الشورى؟

لماذا يتستر النظام الإيراني على فساد رئيس مجلس الشورى؟


11/08/2020

يثير رئيس مجلس النواب الإيراني، محمد باقر قالبيقاف، العديد من القضايا الإشكالية التي تحفل بها سيرته الشخصية، سواء على مستوى ارتباطه بالعمل السياسي، وتوليه منصب عمدة طهران لمدة 12 عاماً، من ناحية، وكذا دوره العسكري في الحرس الثوري الإيراني، من ناحية أخرى؛ الأمر الذي جعل حضوره في الميدانَين مثار جدل ومعارضة شديدة من قوى سياسية متباينة؛ بسبب الإخفاق الذي رافق تاريخه، السياسي والعسكري، إضافة إلى التهم العديدة ضدّه، المرتبطة بالفساد المالي والإداري، ودوره في ممارسة القمع بدموية ووحشية ضدّ المعارضة الإيرانية في فترات احتجاجها المختلفة، بين عامَي 2003 و2005، وفي عام 1999، أثناء احتجاج الطلاب ضدّ المرشد الأعلى للثورة الإيرانية، علي خامنئي، ووصفه بـ "الديكتاتور".

قالبيقاف.. سجل حافل بالجرائم

جاء صعود قالبيقاف إلى مجلس النواب الإيراني، المعروف بـ "مجلس الشورى الإسلامي"، في ظروف مختلفة واستثنائية ترزح تحت وطأتها الجمهورية الإسلامية، على خلفية سياسة الضغط القصوى التي تمارسها الولايات المتحدة ضدّ طهران؛ إذ إنّ تنصيب جنرال عسكري سابق، قريب من الجناح الأصولي والمرشد، يعدّ أمراً مدبّراً ومصنوعاً عمداً، لحشد الاتجاهات السياسية الراديكالية داخل النظام، لجهة اصطفافها ضدّ العقوبات التي تفرضها إدارة الرئيس الأمريكي، دونالد ترامب، ومواجهة حالة الحصار ضدّ أنشطتها الإقليمية، السياسية والميدانية والاقتصادية.

يثير رئيس مجلس النواب الإيراني، محمد باقر قالبيقاف، العديد من القضايا الإشكالية التي تحفل بها سيرته الشخصية

وعلى الرغم من المعارضة السياسية الحادة، والانتقادات الواسعة التي وجهت ضدّ ترشيح رئيس مجلس النواب الحالي، في الصحافة المحلية والأجنبية، فضلاً عن قوى سياسية محلية؛ حيث قامت جميعها بإثارة كلّ قضايا القمع وشبهات الفساد التي تورط فيها، ووصفت صحيفة "أرمان أمروز" الإيرانية المعارضة، أداءه في فترة توليه منصب عمدة طهران، بأنّه كان سيئاً للغاية، إلا أنّ آلة القمع عصفت بكلّ الآراء وفرضت إرادتها بصورة تعسفية، فعمدت إلى استبعاد آلاف المرشحين، كما لم يسمح لثلث النواب بالترشح، في سبيل تهيئة كافة الظروف لصعوده.

الباحث المصري، الدكتور محمود أبو القاسم لـ"حفريات": محمد باقر قالبيقاف، يحظى بالسلطة والهيمنة والنفوذ، من خلال إرثه القديم، منذ ارتبط في ثمانينيات القرن الماضي بالميليشيات الإيرانية

وكان أثار العضو في مجلس مدينة طهران، محمود ميرلوحي، في حديث صحفي معه، قضية الفساد المرتبطة برئيس مجلس النواب الحالي، والتي يعود تاريخها إلى فترة توليه منصب عمدة طهران، وهي قضية الممتلكات الفلكية التي ما تزال قيد التحقيق، ووصلت إلى نحو 2000 حالة، دون أن تباشر أيّة جهة قضائية رسمية عملها في التحقيق فيها.

قضايا رهن التحقيق

وفي الحوار الذي أجرته صحيفة "اعتماد" الإيرانية، قال ميرلوحي إنّ "قضية البيع غير القانوني للممتلكات من قبل بلدية طهران أثناء حكم قاليباف، في الفترة بين عامَي 2005 و2017، قد اختفت في أروقة القضاء الإيراني"، بحسب وصفه، "وهي القضية المعروفة بـ "الفساد الفلكي في بلدية طهران"؛ إذ تمّ تعطيلها منذ عام 2017، إثر تقديم قاليباف شكوى مضادة ضدّ ميرلوحي، وضدّ الصحفي الإيراني، ياشار سلطاني، والأخير هو من أماط اللثام عن القضية للمرة الأولى".

اقرأ أيضاً: "الحرس الثوري" يحاول الاستحواذ على "فولاذ الأحواز"

واللافت أنّ القضية التي قدمها قاليباف ضدّ ميرلوحي خضعت للتحقيق في محكمة طهران، برئاسة القاضي حامد علي زاده، بيد أنّ الأخير رهن الاعتقال منذ فترة ليست بالقليلة؛ إثر اتهامه بالتورط في قضية رشوة مالية، تتصل بشبكة فساد تورّط فيها نائب رئيس القضاء السابق، أكبر طبري.

وذكر عضو مجلس مدينة طهران؛ أنّ الممتلكات، التي تمّ نقلها بصورة غير قانونية، إلى إحدى الشركات التابعة للحرس الثوري الإيراني، وهي شركة "رسا تجارت"، تمت استعادتها خلال الأسابيع الماضية، لكن ثمة تقارير صحفية توضح أنّ بلدية طهران، أثناء فترة حكم قالبيقاف، باعت ونقلت ملكية أكثر من 670 عقاراً لعناصر النظام وأطراف قريبة من دوائره، بأسعار أقل بكثير من سعر السوق.

اقرأ أيضاً: "قالبيقاف" الجنرال الأكثر دموية وفساداً رئيساً للبرلمان الإيراني

ومن جانبه، أوضح ميرلوحي؛ أنّه "على الرغم من أنّ القضية تشمل أكثر من 2000 عقار، إلا أنّ هناك فجوة كبيرة في معرفة عدد العقارات التي تمّ بيعها بثمن قليل لشركة "رسا تجارت"، التابعة للحرس الثوري الإيراني، ولأعضاء منخرطين فيه"، وأردف أنّ "عمدة طهران الحالي، بيروز حناتشي، من المقرر أن يتحدث عن 41 عقاراً من المبيعات غير القانونية، التي قيل إنّ مسؤولين سابقين في البلدية، وبعض أعضاء مجلس مدينة طهران السابقين تورطوا فيها".

ما علاقة الحرس الثوري؟

كما ذكر أعضاء آخرون في مجلس مدينة طهران، في الصحيفة ذاتها؛ أنّ شركة "رسا تجارت" مديونة بـ 40 تريليون ريال إيراني، بيد أنّها رفضت تسديد مديونياتها، بينما، في عام 2018، اتهمت شركة أخرى على صلة بالحرس الثوري الإيراني، وهي شركة "ياس" القابضة، بتأخّرها في دفع مديونية للبلدية تصل إلى 11 مليار دولار.

في حزيران (يونيو) الماضي؛ أجرت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية، تحقيقاً موسعاً حول شخصية قالبيقاف، الذي رأت أنّ صعوده لمنصبه الحالي في قمة سلم المجلس التشريعي في إيران يتطلب تفسيراً، خاصة في ظلّ ما يحيط سيرته من شبهات فساد عديدة، لم يجرِ التحقيق فيها، وهو ما ينعكس على شرعية الحكومة التي تتعرض لتهديد وتشكيك في نزاهتها.

 ووصفت المجلة الأمريكية الفترات التي شغل فيها قالبيقاف عدة مناصب سياسية وعسكرية، سواء باعتباره عمدة طهران أو قائداً للشرطة الإيرانية، ثمّ رئيساً للجنة مكافحة التهريب، بأنّها "شهدت عمليات فساد كبرى واختلاس، ليس لها مثيل في تاريخ إيران؛ إذ منح أشخاصاً مقربين منه عقارات ومباني تقدَّر قيمتها بأكثر من نصف مليار دولار، في شمال طهران، بأسعار بخسة، ما استدعى مطالبات متكررة للتحقيق بشأنه في البرلمان، لكنّ القضية ظلّت معلقة".

وأردفت المجلة: "تعيين قاليباف، المعروف بفساده، يمكن فهمه على أنّه في نهاية المطاف يخدم الدولة، وأنّ تاريخه هذا لم يكن عائقاً أمام ترقيته السريعة، بل هو السبب الحقيقي وراءها".

رسائل غير مباشرة

وألمح التحقيق المنشور في المجلة الأمريكية إلى أنّه "في ظلّ حملة "الضغط القصوى" التي تتّبعها إدارة ترامب ضدّ إيران، استدعت المؤسسة الإيرانية العناصر المؤهلة للالتزام بسياستها، كما هو الحال مع قالبيقاف، والذي أمكن التغاضي عن فساده المعروف مقابل ولائه الذي لا شكّ فيه للحرس الثوري الإيراني".

أجرت مجلة "فورين بوليسي" الأمريكية، تحقيقاً موسعاً حول شخصية قالبيقاف، الذي رأت أنّ صعوده لمنصبه الحالي في قمة سلم المجلس التشريعي في إيران يتطلب تفسيراً

وإلى ذلك، يشير الباحث المصري، الدكتور محمود أبو القاسم، إلى أنّ "رئيس مجلس النواب الحالي، محمد باقر قالبيقاف، يحظى بالسلطة والهيمنة والنفوذ، من خلال إرثه القديم، منذ ارتبط في ثمانينيات القرن الماضي بالميليشيات الإيرانية، أثناء الحرب العراقية الإيرانية، وتولى منصب قائد قوات الإمام الرضا وقوات النصر"، مضيفاً لـ "حفريات": "الفساد في إيران مرتبط بالنظام السلطوي الذي لا يرسي قواعد حقيقية للتوازن بين سلطاته، بالتالي، تغيب المحاسبة والشفافية، بل هو فساد منظم؛ لأنّه أصبح جزءاً من الزبائنية السياسية والترضيات التي تقوم بدور وظيفي لاستقطاب المؤيدين للنظام".

اقرأ أيضاً: العين على الرئاسة.. كيف يستعد الحرس الثوري للسيطرة على الحكم في إيران؟

وبحسب الباحث المصري المتخصص في الشأن الإيراني؛ فإنّ التحقيق في قضايا الفساد في إيران عملية "مسيسة"، في طبيعة الحال، وأداة من أدوات السلطة من أجل إخضاع أيّ خروج عن خطّ المرشد والمؤسسات الحقيقية الممسكة بالسلطة، وعليه؛ نجد أنّ هناك قضايا يتمّ فتح التحقيق فيها في حين أنّ قضايا أخرى يمكن إغلاقها بأوامر عليا، بل ربما تتمّ ملاحقة من أثاروها ومعاقبتهم، وتعدّ قضية قاليباف أنموذجاً حياً على ذلك الأمر؛ فالرجل في حماية النظام ما دام يدين بالولاء ويقوم بدوره الوظيفي المرسوم والمحدّد له، لكن، ربما، تكون إثارة الموضوع في هذا التوقيت لها دلالة أخرى، تتمثل في بعث رسائل غير مباشرة حتى لا يتخطى قاليباف حدوده، ولا يفكر، على سبيل المثال، في الترشّح لرئاسة الجمهورية، التي لطالما سعى إليها.

ويعتقد الباحث المصري المتخصص في الشأن الإيراني؛ أنّ التحقيق في قضايا الفساد في إيران عملية "مسيسة"، في طبيعة الحال، وأداة من أدوات السلطة.

الصفحة الرئيسية