لماذا لم يتعلّم أردوغان من إيران؟

تركيا وإيران

لماذا لم يتعلّم أردوغان من إيران؟


07/01/2020

هل حقاً أنّ تركيا تريد، من خلال انخراطها العسكري في الحرب في ليبيا، تعويض خساراتها الإقليمية منذ "الربيع العربي" في سوريا ومصر والعراق والسودان...؟ وهل بمقدور تركيا، تحت قيادة الرئيس رجب طيب أردوغان، أن تُحقق عبر بوابة طرابلس الغرب النفط والغاز والنفوذ في شرق المتوسط وتتخذ ليبيا بوابة لها نحو أفريقيا، وتكون على مقربة من الجغرافيا المصرية بعدما خسرت "سواكن" على البحر الأحمر؟

اقرأ أيضاً: هذا هو اتفاق أردوغان مع المرتزقة في ليبيا
من الأسئلة الراهنة بخصوص الدور الإقليمي التركي الاستفهامُ عن مدى تمدد هذا الدور ونجاحه أو انكماشه وتآكله. ذهاب تركيا باتجاه ليبيا قد يغري من يتبنى القول بالتمدد، بينما ثمة من يرى أنّ عزم أنقرة على الانخراط العسكري المباشر في ليبيا ليس سوى حلقة أخيرة في المزيد من تراجع مكانة تركيا في عهد الرئيس أردوغان.

من يقف مع تركيا؟!

اليوم نجد أنّه ليس سوى قطر تؤيد التدخل العسكري التركي في ليبيا. جميع الدول العربية تعتبر تدخل أنقرة والفصائل السورية الموالية لها في ليبيا انتهاكاً للقوانين الدولية وتهديداً للأمن القومي العربي واعتداء تركياً على دولة عربية. وعلى مستوى الدولة الأقوى، دعت الولايات المتحدة، أمس، القيادة الليبية إلى "حماية استقلاليتها بدل الغرق في تدخل أجنبي"، وذلك بعد إعلان أنقرة إرسال وحدات من الجيش التركي إلى ليبيا لمساندة حكومة الوفاق في طرابلس ضد قوات الجنرال خليفة حفتر التي تقدمت، أمس، نحو مدينة سرت. وقال مسؤول في البيت الأبيض لـ"قناة الحرة" إنّ واشنطن تحث الأطراف الليبية على وقف التصعيد والسير باتجاه إيجاد حل للنزاع في البلاد.

اقرأ أيضاً: هل انتهى استثمار أردوغان في الأزمة السورية؟
وكان الرئيس الأمريكي دونالد ترامب قد حذر أردوغان من مغبة التدخل في ليبيا، وذلك بعد ساعات من مصادقة البرلمان التركي على مشروع قانون يسمح بإرسال قوات إلى البلد الغني بالنفط. وذكر البيت الأبيض، في بيان الخميس الماضي، أنّ ترامب أبلغ أردوغان في اتصال هاتفي بأنّ التدخل الأجنبي يعقد الوضع في ليبيا.
السير على منوال إيران
الرئيس أردوغان لم يتعلم من أخطائه في سوريا. أخطاء سياساته الإقليمية ستتكرر في ليبيا على ما يبدو، وليس هناك مؤشرات على نجاح مسعاه في أن يكون لاعباً أساسياً في الملف الليبي، وهو يواجه قائمة طويلة من الخصوم والمنافسين والأعداء.
أردوغان في سياساته الإقليمية تجاه العالم العربي سار على نهج إيران:
1.  رغبة في التمدد والهيمنة واستعادة الأحلام الامبراطورية والجري وراء طموحات غير واقعية.

تشابهت تركيا-أردوغان مع سياسات إيران بالعراق وسوريا وفي تحالفهما مع الميليشيات والجماعات المتطرفة لتحقيق أحلام قومية توسعية

2.  توظيف الوكلاء والميليشيات والمرتزقة لتحقيق المشروع الإقليمي.
3. تبني مشروع إقليمي يقوم على القوة العسكرية والتدخل العاري من أي قوة ناعمة أو إسهام في تنمية الشعوب وكسب صداقتها بالفكر والثقافة والنموذج التنموي والإنساني الجذاب.
كان بإمكان أردوغان أن يكسب صداقة العالم العربي بطريقة أفضل لو لم يجعل نموذجه إيران. تشابهت تركيا-أردوغان مع سياسات إيران في العراق وسوريا، وفي تحالفهما مع الميليشيات والجماعات المتطرفة والإرهابية لتحقيق أحلام قومية توسعية. هذه علّة المشروعين؛ يفاقمها علل عديدة في الداخل الإيراني والتركي.

فرص ضائعة

في بداية عهده قائداً لتركيا، بدا أردوغان كمن يريد تحويل بلاده دولة ناجحة اقتصادياً، وبالفعل حقق نجاحات مهمّة في هذا الاتجاه، لكنه أخفق في حفظ هذه المكتسبات وتنميتها، وشتان بين وضع الاقتصاد التركي بداية العقد الماضي مقارنة مع بدء العقد الحالي.
أضاعت تركيا في عهد أردوغان فرصة المصالحة بين الإسلام والتحديث والديمقراطية. التدخل التركي في سوريا أفقد أنقرة مكانتها في العالم العربي؛ إذ طيلة "سنوات الحرب رفضت تركيا حماية جيرانها السوريين في إدلب وحلب وغيرهما، حتى عندما ضُربت خان شيخون بالسلاح الكيماوي، والآن تعلن التدخل في ليبيا، وقبلها ترسل قواتها لمقاتلة السوريين الأكراد في الجزء الشرقي من سوريا"، بحسب ما يقول الكاتب عبد الرحمن الراشد. ويتابع الراشد بالقول (نفاق ما بعده نفاق ونحن نرى أنقرة تحذر من تحويل ليبيا إلى سوريا أخرى، وهي ترسل السلاح والمقاتلين من سوريا إلى ما وراء البحر الأبيض المتوسط، إلى طرابلس، تاركة جيرانها السوريين يواجهون الإيرانيين و"حزب الله" والروس وغيرهم. وبقية النفاق أنّ الوزير جاويش أوغلو ينتقد منظمة التعاون الإسلامي قائلاً إنّها لا تملك القوة الكافية لحل الصراعات في العالم الإسلامي، فهل رأينا في منظمته البديلة التي يريد تأسيسها مع الإيرانيين في ماليزيا تدخلاً لوقف جرائم النظام الإيراني في العراق وسوريا؟ أليست تركيا هي من أسهمت في تحويل ليبيا إلى سوريا أخرى، حيث كانت من أوائل المشاركين بالسلاح والتدريب والآن بإرسال المرتزقة؟)، وفق ما يقول الراشد.

"الشهية التوسعية العثمانية" لتركيا، مفتوحة على أوسع نطاق، وحزب العدالة يسعى لتجريب استعادة نفوذ الإمبراطورية حيثما كان الأمر متاحاً

ولو أجرينا تقييماً سريعاً للسياسة الخارجية التركية ودورها الإقليمي خلال العقد الماضي وحتى اليوم لرأينا أنّ أهداف تركيا في سوريا بعد 2011 لم تتحقق؛ حيث كان الطموح أنّ سوريا هي مدخل تركيا لتكون دولة إقليمية قائدة في العالم العربي. لقد بدا الإخوان المسلمون في سوريا طرفاً ثانوياً في الصورة الكبرى للصراع في سوريا. هذا الطموح تلقى أيضاً خسارة فادحة بخروج الإخوان المسلمين من حكم مصر أكبر بلد عربي. دول الخليج انتبهت لمخاطر مشروع الإسلام السياسي العابر للدولة الوطنية والمحتضن لأيديولوجيا تناصب العالم والآخر والتنمية العداء. فشلت تركيا في عهد أردوغان بانتزاع موطئ قدم أوالتمدد في الجغرافيا العراقية. مشاكل تركيا مع اليونان وقبرص وإسرائيل ومصر ودول الخليج والاتحاد الأوروبي زاد من عزلة تركيا الإقليمية، ووتر علاقاتها الدولية خصوصاً مع توظيف أردوغان لأقصى درجة محاولة الانقلاب الفاشلة في تموز (يوليو) 2016 في ترسيخ قبضته السلطوية في الإعلام والقضاء والاقتصاد.

ظلم التاريخ!

يجمع مراقبون كثر على أنّ "الشهية التوسعية العثمانية" لتركيا، باتت مفتوحة على أوسع نطاق... الأحلام العثمانية، تدفع بحزب العدالة والتنمية إلى تجريب استعادة نفوذ الإمبراطورية حيثما كان الأمر متاحاً. هذا ما يراه المحلل السياسي عريب الرنتاوي في تحليل نشره موقع قناة "الحرة". الرنتاوي يقول إنّ "القصة بدأت في العراق وسوريا، والمؤكد أنّها لن تنتهي في ليبيا". ويتابع: (بعض الساسة والمحللين الأتراك، المحكومين بعقد التاريخ وهواجسه، لم يخفوا فرحتهم بالاتفاقات الدفاعية والاقتصادية بين بلادهم وليبيا، بوصفها تصفية لذيول "معاهدة سيفر ـ 1920"، وعملية "تسوية حساب" مع "ظلم التاريخ"). ويؤكد الرنتاوي أنّ أنقرة لديها الرغبة (في الحصول على "حصة وازنة" من السوق الليبية وعمليات إعادة إعمار ليبيا، ونصيب ملائم من ثرواتها الهائلة، وتحديداً في مجالي الغاز والنفط)، على حد قوله.

باستثناء قطر جميع الدول العربية تعتبر تدخل أنقرة في ليبيا انتهاكاً للقوانين الدولية وتهديداً للأمن القومي العربي

الواضح أنّ للرئيس التركي أردوغان (طموحات شخصية معلنة، فهو يكرر التفاخر بتاريخ العثمانيين، ويمول أفلام سلاطين العثمانيين، ويسافر معه بعض ممثلي مسلسل "أرطغرل"، ويحضر بعض جلسات التصوير، ويسوّق فكرة زعامته لمحور إقليمي وإسلامي. طموحات لم يفلح فيها حكام سبقوه في إيران وصدّام العراق، وهو نفسه لم يفلح في أي معركة بعد، ويعتمد على تمويل خارجي لمعظم نشاطاته الدولية، ولو توقفت قطر عن دعمه فالأرجح أنّها ستتوقف)، كما يقول الكاتب عبد الرحمن الراشد، الذي يضيف "أردوغان قاد تركيا من بلد مسالم بطموحات اقتصادية مثيرة إلى مشروع قوة عسكرية، مع أنّ آخر حرب رئيسية خاضها الأتراك كانت قبل مائة عام في البلقان".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية