لماذا قرر النظام الإيراني حلّ "شرطة الأخلاق"؟

لماذا قرر النظام الإيراني حلّ "شرطة الأخلاق"؟

لماذا قرر النظام الإيراني حلّ "شرطة الأخلاق"؟


05/12/2022

علي حمادة

ظهرت مقدمات قرار "حل شرطة الأخلاق"، وهو تطور على جانب كبير من الأهمية السياسية، في كلمة الرئيس الإيراني المنتمي إلى الجناح المحافظ الراديكالي في النظام إبراهيم رئيسي عبر التلفزة عندما قال إن "أسس الجمهورية الإسلامية لإيران راسخة في الدستور، ولكن وسائل تطبيق الدستور يمكن أن تكون مرنة"!. بعدها جاءت إشارة المدعي العام الإيراني محمد جعفر منتظري يوم السبت الفائت عن إجراء البرلمان الإيراني مراجعة للقانون الذي يلزم المرأة بلبس الحجاب أو غطاء للرأس الذي أقر في إبريل (نيسان) 1983. وقال منتظري إن "البرلمان والسلطة القضائية يعملان على هذه القضية لتحديد ما إذا كان القانون يحتاج إلى تعديل"، وإن "شرطة الأخلاق لا علاقة لها بالسلطة القضائية".
كان هذا كافياً لكي يتم الاستنتاج أن النظام تراجع أمام موجة الاحتجاجات العارمة التي هزت البلاد، على مدى أكثر من سبعين يوماً وما زالت. وقد جرى الاستنتاج أن النظام قرر حل "شرطة الأخلاق" التي قتلت الشابة مهسا أميني في السادس عشر من  سبتمبر (أيلول) الماضي، ما أدى إلى انفجار الشارع الإيراني في موجة احتجاجات قادتها النساء في معظم البلاد، وعجزت أجهزة النظام عن احتوائها، رغم قتلها أكثر من 470 شخصاً بينهم عدد كبير من النساء والقاصرين، إضافة إلى اعتقال أكثر من 18000 شخص من مختلف الفئات العمرية والجندرية.
لكن لم يصدر بيان رسمي يعلن صراحة حل الجهاز الذي معه بدأت "ثورة النساء". ولم يتم حتى الآن تعديل القانون المشار إليه آنفاً، لذلك لا يزال العديد من المراقبين يعتبرون أن التراجع وإن يكن حقيقياً، لكنه قد يكون جزءاً من حملة علاقات عامة وعملية تجميل للوضع، لا سيما في ظل تفاقم الوضع، مع ارتفاع منسوب الغضب العابر للجغرافيا والطبقات الاجتماعية، وفشل النظام في احتواء الحالة الاحتجاجية التي تجاوزت منذ أسابيعها الأولى نطاق قضية المرأة وحقوقها في إيران لتنسحب على قضايا تمس صلب النظام وأسسه. فموجة الاحتجاجات التي كانت ولا تزال ترقى إلى "ثورة" سياسية وقيمية تمثل رفضاً واسع النطاق لكل ما يمثله النظام، بما في ذلك استخدامه ورقة الدين والعسكرة المفرطة، فضلاً عن ورقة ما يسمى التهديد الخارجي. هذه النقطة هي التي تقلق نظاماً مثل النظام الإيراني الذي حاول في الأسابيع القليلة الماضية أن يحرف الأنظار نحو المناطق الكردية في إيران، محاولاً ربطها بمؤامرة إسرائيلية -أمريكية تستهدف البلاد، وصولاً إلى الاعتداء على إقليم كردستان – العراق والتهديد بعملية عسكرية، ومع ذلك ظلت شعلة الثورة والاحتجاجات متّقدة في العاصمة وكبريات المدن.
ولم تنفع تهديدات قادة "الحرس الثوري" وعلى رأسهم إبراهيم سلامي في إخافة الشارع الثائر، كما أن مواقف المرشد علي خامنئي الأخيرة التي وصف فيها المحتجين بأنهم إما مشاغبون أو عملاء، أججت شعلة الاحتجاجات، وزادت من منسوب استهدافه شخصياً كرمز للنظام لم تعد فئات واسعة من الشعب ترغب في البقاء تحت سلطته.
منذ الأيام الأولى للاحتجاجات اكتشف العالم مذهولاً ديناميكية المجتمع الإيراني بتلاوينه كافة. وقد شكلت المرأة الإيرانية من مختلف الفئات العمرية نموذجاً دفع الرأي العام العالمي إلى التضامن معها، وأجبر الحكومات الغربية المتلكئة في الأساس، إلى تبديل خطابها مع النظام الإيراني والتعامل مع الحالة الإيرانية المستجدة على أنها محطة مفصلية لا يمكن تجاهلها، أو تجاوزها للتعامل مع النظام الإيراني وكأن شيئاً لم يكن.
لكن في ضوء التطور الأخير المتمثل بـ"حلّ شرطة الأخلاق" هل يمكن القول إن طهران ستتمكن من احتواء الأزمة الكبيرة التي تواجه النظام في أسسه وطبيعته؟ يقيننا أن النظام لا يزال قوياً، لكن ما حدث ويحدث لغاية اليوم يكشف أن "ثورة المرأة" هزت كيان النظام، وخلخلت البنية الأيديولوجية التي يقوم عليها. فالتذرع بالدين لتشريع العيش في ظل نظام ثيوقراطي، وهو عملياً ديكتاتوري أمني وعسكري في آن واحد، لم يعد كافياً من أجل إسكات الرأي العام الذي اعتاد النزول إلى الشارع ومواجهة الموت. والأهم هنا أن النظام يكتشف أن من يحتلون الساحات والشوارع ويواجهون الأجهزة وقوى "الباسيج"، يتمتعون بحاضنة شعبية واجتماعية واسعة النطاق، ما أدى إلى منع النظام حتى الآن من الذهاب نحو خيار الدم بلا حدود. وموقف هذه الحاضنة هو الذي يرسل باستمرار رسائل إلى رجال الدين والعسكر مفادها أن ثمة تغييراً حقيقياً في الوعي الجماهيري طفا على السطح ويستحيل تجاوزه بعد الآن. وتجاوزه قد يفتح الباب أمام مناخ تمرد في الماكينة الأمنية والعسكرية. وهذا في حال حصوله أخطر ما يمكن أن يتهدد بقاء النظام.
هل ينجح النظام في إنهاء الموجة؟ غالب الظن أن شيئاً كبيراً انكسر في العلاقة بين أهل النظام والرأي العام الإيراني. صارت آذان المجتمع الإيراني صماء بوجه ديماغوجية النظام المتخلفة. إنها مسألة وقت، لكن الثمن سيكون مزيداً من الدماء و الدموع والآلام! 

عن موقع "24"




انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية