لماذا تنبذ الحكومة العراقية عوائل داعش بمخيم الهول؟

لماذا تنبذ الحكومة العراقية عوائل داعش بمخيم الهول؟

لماذا تنبذ الحكومة العراقية عوائل داعش بمخيم الهول؟


30/08/2023

يمثل مخيم الهول، بشمال شرقي سوريا، والذي يضم عوائل وعناصر تنظيم داعش الإرهابي معضلة أمنية وسياسية ومجتمعية. فالمخيم يؤشر بكل تعقيداته الداخلية على المستوى الأمني، لا سيّما ظهور محاولات أو بالأحرى تجارة تهريب للأفراد والعائلات، ثم انتشار عمليات قتل وممارسات عنف تنفيذاً لـ"الحدود الشرعية" التي أقرتها أدبيات "داعش" للانتقام من المتمردين على طاعة التنظيم الإرهابي، إلى احتمالية صعود هذا العنف، وتداعياته المحتملة في سوريا كما في العراق المتاخم لها حدودياً.

تفكيك الهول ونزع الألغام البشرية

وتعكس عملية تفكيك المخيم أزمة قصوى تحتاج إلى جهود جادة من مختلف الدول التي لها رعايا. فالمخيم يضم قرابة (56773) فرداً، بينما عدد العائلات (15431)، منها (2423) من عائلات قتلى ومعتقلي تنظيم "داعش" الأجانب، المنحدرين من قرابة 60 دولة، وفق تقارير أممية.

وهنا، يبرز موقف الحكومة العراقية التي تسعى إلى تنفيذ مجموعة من الإجراءات لاستعادة مواطنين عراقيين (7 آلاف عائلة عراقية) محتجزين في مخيم الهول بهدف محاكمة المطلوبين قضائياً، ودمج الآخرين بالمجتمع من خلال برامج تربوية واجتماعية متخصصة. وخلال هذا العام، يكون العراق قد نجح في استعادة 600 عائلة على تسع دفعات في عامين.

لكنّ هذه الخطوات، التي يقوم بها العراق، تخضع لاعتبارات عديدة في ظل تشدد بعض البيئات العراقية، وبخاصة شيوخ بعض العشائر، التي ما زالت لديها نظرة متشددة تجاه عوائل التنظيم الإرهابي. كما أنّ هناك قوى سياسية عراقية ترى بوجود ضغوط أمريكية على الحكومة في بغداد بهذا الشأن وتتشكك في نوايا الأطراف الخارجية. فقال عضو لجنة الأمن والدفاع البرلمانية علي البنداوي، إنّ "مخيم الهول يعتبر قنبلة موقوتة داخل المحافظات العراقية، كما أنّ هذه العوائل تعود لإرهابيي داعش". وتابع: "إرجاع عوائل من هذه المخيمات إلى داخل الأراضي العراقية يعد أمراً خاطئاً".

عادل الخزاعي: الحكومة العراقية تتعامل مع عوائل مخيم الهول كإرهابيين

ومن جهته، اتهم القيادي في ائتلاف دولة القانون، جاسم محمد جعفر، السفيرة الأمريكية في بغداد، ألينا رومانسكي، (بأنها) "تواصل تدخلها بشأن تسهيل إجراءات دخول عوائل داعش في معسكر الهول إلى الأراضي العراقية". وقال جعفر، إنّ "الإدارة الأمريكية ما زالت تنظر بعدائية للحكومات العراقية ولا تريد منها النجاح في تحقيق الاستقرار والأمن، وكلما تخطو الحكومة باتجاه الاستقرار تحاول فتح ملف جديد من شأنه عرقلة حالة الاستقرار الأمني".

ووفق اتهامات ومزاعم القيادي في ائتلاف دولة القانون، فإنّ السفيرة رومانسكي وممثلة الأمين العام للأمم المتحدة جينين بلاسخارت تعملان على "تحويل معسكر العوائل الداعشية في الهول من ملف أمني إلى إنساني وهذا غير معقول وفيه خطورة على أمن الوطن".

قبل أيام، قال مستشار الأمن القومي العراقي، قاسم الأعرجي، إنّ بغداد انتصرت على تنظيم "داعش" الإرهابي، وتخوض، الآن، معركة استخبارية لتعزيز أمنها واستقرارها والحفاظ على ما تحقق من إنجازات أمنية.

القضاء على منابع الإرهاب

وفي لقاء مستشار الأمن القومي العراقي بوزير الدولة لشؤون الأمن البريطاني، توم توجندهات، والوفد المرافق له، بحضور السفير البريطاني في بغداد ستيفن هيتشن، جرى توقيع مذكرات تفاهم بين العراق وبريطانيا. كما شهد اللقاء استعراض مجمل الأوضاع السياسية والأمنية في المنطقة، إلى جانب بحث تطوير علاقات الصداقة والتعاون بين العراق والمملكة المتحدة. فيما أكد الأعرجي على أهمية القضاء على منابع الإرهاب بأشكاله كافة، لافتاً إلى أنّ "العراق يمتلك خبرة ميدانية ويحتاج إلى تعزيزها بالخبرات الأكاديمية"، وعاود الحديث عن "أهمية إبرام مذكرات التفاهم بين البلدين لتعزيز قدرات وإمكانيات وزارة الداخلية، وكذلك الاستفادة في مجال الأمن السيبراني ومكافحة المخدرات".

وبخصوص ملف مخيم الهول، قال الأعرجي إنّ الهدف هو "إنهاء هذا الملف من خلال تعاون المجتمع الدولي، لإزالة خطر هذا المخيم عن المنطقة".

المعالجة الحقيقية والفعالة لعائلات مخيم الهول لا تكمن في السياسة البوليسية والقبضة الأمنية، بل بالحكمة الأمنية وعدم تكرار أخطاء ما قبل ظهور داعش

ويشير مدير المركز العراقي للحقوق والحريات، عادل الخزاعي، إلى أنّ الحكومة العراقية وأجهزتها الأمنية تملك "موقفاً حاداً وصارماً تجاه العوائل الموجودة، في مخيم الهول، بعدم إعطائهم أوراقاً ثبوتية وعدم تسجيلهم كمواطنين عراقيين، ثم تعاملت معهم كعدو وخلايا إرهابية. ولم يتم التعامل معهم كضحايا للفكر المتطرف من قبل منظمات مجرمة. وكان الأجدر بالتعامل معهم بسياسة الاحتواء والإصلاح والتأهيل، وإبعادهم عن البيئة المغلقة المسمومة المتطرفة المنتجة لبيئة داعش المجرم".

ويقول الخزاعي لـ"حفريات" إنّ إمكانية عودة العوائل متوفرة بشرط عدم تركهم عرضة لتهديدات الفصائل الميليشياوية الإرهابية التي هددت كثيراً بالقتل والسجن في مخيمات بديلة، مؤكداً على ضرورة "إعادة دمجهم بالمجتمع بإعادة الاطفال إلى صفوف التعليم بالمدارس، وإعطاء الأوراق الثبوتية لهم، ثم إعادتهم إلى مدنهم في النهاية. فالسلامة الأمنية والاجتماعية ضرورة ملحة. وهناك قوانين عراقية ودولية تحظر محاسبة من كان من ذويه مجرماً أو متهماً بأيّ جرم. فلا يمكن معاقبة عائلة كاملة على خطأ أحد أفرادها، أو معاقبة مجتمع على جريمة مجموعة محدودة منه. فالمجتمع الذي خرجت منه هذه العوائل له جذور عشائرية وعائلية في مدنهم الأم، وهي كفيلة بدمجهم مرة أخرى ضمن مجتمع نظيف وآمن".

المسؤولية تقع على الجميع

جميع الدول التي تمتلك مواطنين داخل مخيم الهول "مسؤولة مسؤولية مباشرة عن إعادة دمج مواطنيها في بلدانهم الأم، ومحاسبة المجرمين الإرهابيين من أفراد داعش المتورطين في قتل الأبرياء والمدنيين، بالإضافة إلى إعادة العوائل والأطفال والبدء في تفريغ هذا المخيم الذي يعتبر خطره قائماً وقد ينفجر في أي لحظة. فتنظيم داعش الإرهابي المجرم يتخذ من هذا المخيم فرصة للتحشيد الديني والتجييش العاطفي كذريعة للهجمات المتكررة بحجة (إنقاذ الأسرى). وهي حجة كانت موجودة قبل احتلال داعش المجرم لمدن عراقية في ٢٠١٤"، حسبما يقول الخزاعي.

نبيل التميمي: عوائل داعش في الهول من السنّة وهذا سبب نبذهم

ويختتم المصدر العراقي ذاته حديثه مؤكداً على ضرورة أن "تتغير سياسة الحكومة العراقية وسياسة الدول الغربية تجاه المحتجزين في مخيم الهول، واللجوء إلى سياسة إصلاح وتأهيل حقيقي لا تكون شكلية أو مؤقتة، بهدف إنهاء هذا الملف. فالمعالجة الحقيقية والفعالة لا تكمن في السياسة البوليسية والقبضة الأمنية، فقط، بل بالحكمة الأمنية، وعدم تكرار أخطاء ما قبل ظهور داعش، وصناعة أسباب التطرف والإرهاب، مرة أخرى".

وفي ما يبدو أنّ هناك حراكاً دولياً بشأن ملف عوائل داعش في مخيم الهول. بالتزامن مع لقاء مستشار الأمن القومي العراقي بوزير الدولة لشؤون الأمن البريطاني، التقى وزير الخارجية العراقي، فؤاد حسين، مع الممثلة الخاصة للأمين العام للأمم المتحدة، جينين بلاسخارت. وأفاد بيان للخارجية العراقية أنّ الجانبين تباحثا، خلال اللقاء، الذي انعقد، مطلع الأسبوع الماضي، بشأن "الاستعدادات الجارية لإجراء الانتخابات المحلية، المقرر إجراؤها في 18 كانون الأول (ديسمبر) المقبل، والاستعدادات الجارية من جانب المفوضية العليا المستقلة للانتخابات بشأنها". كما عرج وزير الخارجية العراقي والمسؤولة الأممية في لقائهما على مخيم "الهول"، و"التدابير والبرامج الوطنية بشأن إعادة الإدماج، وكذلك مفاتحة الدول بإجلاء رعاياها، والمشاورات الجارية مع الأمم المتحدة والشركاء بهذا الشأن".

الباحث العراقي نبيل التميمي: عوائل داعش في مخيم الهول من المجتمعات السنية، لذلك هم مرفوضون اجتماعياً، بل منبوذون ومطرودون بحكم الأعراف العشائرية

وكشف وزير الخارجية العراقي، خلال اللقاء، عن "الأولويات التي سيطرحها العراق في مشاركته في اجتماعات الدورة الـ78 للجمعية العامة للأمم المتحدة، التي ستعقد في شهر أيلول (سبتمبر) المقبل، داخل مقر الأمم المتحدة في نيويورك".

وفي حديثه لـ"حفريات"، أوضح المحلل السياسي العراقي نبيل جبار التميمي، أنّ الأطراف السياسية بالعراق "غير مهتمة أصلاً" بمعالجة ملف مخيم الهول، على حد تعبيره، موضحاً أنّ موقف الحكومة العراقية ما هو إلا استجابة "للضغوطات الدولية، منها الأمم المتحدة، وهي التي تدفع بمعالجة هذا الملف. لذلك، فالحكومة ببغداد ومستشار الأمن القومي العراقي يسعيان إلى إيجاد حلول عملية لهذا الملف الصعب".

ويقول التميمي إنّ "العراقيين من عوائل داعش الموجودين في مخيم الهول هم من المجتمعات السنية، واليوم هم مرفوضون اجتماعياً، بل منبوذون ومطرودون بحكم الأعراف العشائرية في تلك المجتمعات. ويكاد لا يختلف هذا الواقع بالمجتمعات العرقية والطائفية الأخرى. بالتالي، فإنّ عودة الأفراد والعوائل المنتمية لداعش من مخيم الهول إلى العراق، يمثل تحدياً حكومياً أمام الرفض الاجتماعي لهم".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات
الصفحة الرئيسية