لماذا تحذر فرنسا من "نزعة انفصالية" يقودها التطرف الإسلامي؟

لماذا تحذر فرنسا من "نزعة انفصالية" يقودها التطرف الإسلامي؟


03/08/2020

تجدّد الجدل والنقاش في فرنسا، مؤخراً، حول التهديدات التي تمثلها أدبيات الإسلام السياسي، وأنشطة التنظيمات الدينية، على مستوى الخطاب والممارسة، وذلك عقب صدور تقرير لمجلس الشيوخ الفرنسي كشف وجود أعداد متزايدة للمتطرفين في المناطق المختلفة، تسعى إلى تشكيل "نزعة انفصالية" داخل بعض المدن؛ حيث إنّ مؤيدي الإسلام السياسي حالياً، يستهدفون السيطرة على الإسلام في فرنسا، وتوظيفه لأغراض سياسية وتعبوية، مثل "تدشين الخلافة"، كما أنّ هذه النزعة "المتصلبة"، بحسب التقرير، المستلهمة من الإسلام الأصولي "تشكك في قيم الجمهورية"، وترفض مبادئ المواطنة، وحرية المعتقد.

إستراتيجية ماركرون لمواجهة الإسلاموية

ويعدّ الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، أول من استخدم تعبير أو مصطلح "الانفصال الإسلامي"، في شباط (فبراير) الماضي، أثناء حديثه عن التطرف الإسلاموي، وإعلانه عن إجراءات جديدة لمكافحة نشاطه المتنامي، على مستوى التمويل، والدعاية الدينية والسياسية، وهو ما تزامن مع زيارته لمدينة مولوز، شرق باريس، قبل أسبوعين من موعد الانتخابات البلدية؛ حيث أكّد اعتماده إستراتيجية جديدة لوقف النزعات الطائفية والانفصالية، وتشكيل وحدات خاصة لمراقبة ذلك، خاصة أماكن العبادة التي تتلقى التمويل من الخارج، حسبما أوضح، ومن بينها مسجد النور الكبير الذي شاركت في بنائه منظمة قطرية غير حكومية.

 الرئيس الفرنسي، إيمانويل ماكرون، أول من استخدم تعبير أو مصطلح "الانفصال الإسلامي"

وقد أعلن الرئيس الفرنسي سياسة جديدة في إطار محاربة الأفكار المتطرفة، وذلك من خلال إصداره وثيقة رسمية بعنوان "إستراتيجية لمحاربة الإسلاموية، وضدّ الهجمات على مبادئ الجمهورية"، خلص فيها إلى ضرورة تجميد نشاط القوى المتشددة، سواء أفراد أو جماعات أو مؤسسات، خاصة داخل الأحياء المهمشة، والتي تقود نزعات انفصالية على أساس ديني وطائفي، مخالفة بذلك القانون ومبادئ الجمهورية الفرنسية، كما تحاول الاستعانة بالدين في سبيل تعزيز حضورها الاجتماعي وتأثيراتها الثقافية.

رئيسة لجنة التحقيق في مجلس الشيوخ: تقرير الإسلاموية يحذّر من تولي جمعيات معينة ممولة من الخارج تدريب جزء من السكان على العيش في أعراف ومبادئ دينية بعينها

اعتمدت الوثيقة التي أخرجها ماكرون على ركائز أربع؛ تتضمن متابعة التمويل الذي تحصل عليه المؤسسات الدينية بصفة عامة، والمساجد بصفة خاصة، وأقرّ منع استقدام الأئمة من دول أجنبية؛ كي يتمّ تحرير خطابهم الديني من أية أهداف سياسية وأيديولوجية، وكذلك الترويج لسياسات الحكومات التي تقدّم لهم الدعم المالي، لا سيما تركيا والجزائر، حسبما أوضحت الوثيقة، كما سيجري تدريب الخطباء والأئمة في فرنسا وتحت إشراف الحكومة عوضاً عن تدريبهم بالخارج.

وإلى ذلك، تمّ تدشين الجمعية الإسلامية الفرنسية، مطلع العام الماضي، بهدف متابعة نشاط المساجد، ومراقبة التبرعات والموارد المالية التي تحصل عليها، ومن ثم إتاحة مخصصات لدعم الأئمة وتدريبهم.

رفع درجة الحذر من الإسلام السياسي

التقرير الفرنسي الذي تمّ إصداره بعد 70 مقابلة، جمعت بين أعضاء مجلس الشيوخ، وعدد من الباحثين والناشطين المتخصصين في قضايا التطرف والإرهاب، وجهات فاعلة في المؤسسات المدنية، وقادة سياسيين، ضمن لجنة تحقيق تمّ إنشاؤها في تشرين الثاني (نوفمبر) العام 2019، وضع مجموعة من الإجراءات والآليات والتصورات، بهدف التصدي لـ "التطرف الإسلامي"، حسبما وصف التقرير، والحدّ من تأثيراته الخطيرة، ومن بينها: "منع التحريض، وحظر الخطابات الانفصالية، ومراقبة بعض المدارس والجمعيات، وتوعية المسؤولين المنتخبين ووسائل الإعلام".

وبحسب عضو مجلس الشيوخ الفرنسي، جاكلين أوستاش برينيو؛ "يجب التحرك سريعاً، لأنّ كلّ مناطق فرنسا صارت متأثرة اليوم، باستثناء غرب البلاد، بأفكار الإسلام السياسي المتطرفة، وإلا ففي غضون أعوام قليلة، قد تخرج بعض هذه المناطق والأحياء في نزعات انفصالية عن الجمهورية"، كما تشكّكت لجنة التحقيق في مجلس الشيوخ في أهداف بعض التنظيمات الإسلامية الراديكالية ونشاطها؛ حيث تزعم أنّها معتدلة ولا تمارس العنف، مثل التيارات السلفية؛ إذ يتواجد 40 ألفاً في فرنسا، وأعضاء جماعة الإخوان الذين تبلغ نسبتهم نحو 50 ألفاً.

الباحث السوري عمار أيوب لـ"حفريات": هناك رعب حقيقي لدى فرنسا من "الإسلام السياسي" والتطرف الديني، بوجه عام، واستخدم "الإسلام" في الخطابات الرسمية لا يعني الدين في حدّ ذاته

جاء ملفّ الجهاديين ضمن المجموعات المستهدفة في التقرير الفرنسي، باعتبارهم الجهة الأساسية التي دعمت سلسلة الهجمات الإرهابية بباريس، منذ عام 2015، والتي قضى فيها نحو 250 شخصاً، ومن بين الأسماء المدرجة في قائمة المتورطين في حوادث قتل وعنف، شريف شيكات، الذي قتل خمسة أشخاص، في كانون الأول (ديسمبر) عام 2018، في مدينة ستراسبورغ، شرق فرنسا، وميكائيل شيولو، الذي طعن حارسَين في أحد السجون، في آذار (مارس) العام 2019.

آليات مراقبة التطرف

وعليه، أوصت اللجنة بضرورة تعزيز شبكة الدولة للتحري والكشف عن السلوك المتطرف أو الخطاب "التحريضي"، بحسب وصفها، بصورة أكثر فاعلية، وذلك عبر "إعادة إنشاء مهمة اليقظة المشتركة بين الوزارات ومحاربة الانحرافات الطائفية، وإعادة تفعيل المعاقبة على جريمة التعدي على حرية المعتقد".

اقرأ أيضاً: فرنسا: ليبيا قاعدة لتمركز أردوغان شمال إفريقيا بمساعدة الإخوان

وأوضح التقرير؛ أنّه "من أجل السماح للجمهورية بمواجهة التطرف، صاغ برلمانيون 44 اقتراحاً في المجالات الاقتصادية والتعليمية والاجتماعية والثقافية، كما يرفضون الإحصاءات العرقية لتعريف السياسة العامة، ويدعون إلى تدريب أفضل للممثلين المحليين المنتخبين، وكذلك وكلاء الإدارات العامة على العلمانية، ونبذ أوجه الإسلام السياسي الذي يحضّ على التطرف، ومنعهم من أن يكونوا قادرين على السيطرة على جزء من الفرنسيين".

وتابع: "يجب على كلّ جمعية ترغب في الاستفادة من الإعانات المقدمة من السلطات المحلية أن تتعهد بالتوقيع على ميثاق احترام قيم الجمهورية"، كما طالب أعضاء مجلس الشيوخ بضرورة إنشاء قاعدة بيانات للطلاب المتعلمين في المنزل، وفي المدارس غير الرسمية، بهدف التحقق من تدريب أولئك الذين يشرفون عليهم.

اقرأ أيضاً: 7 دول تدعم موقف فرنسا في الناتو ضد تركيا.. من هي؟

ومن جانبها، قالت رئيسة لجنة التحقيق في مجلس الشيوخ: إنّ "التقرير يحذّر من تولي جمعيات معينة ممولة من الخارج تدريب جزء من السكان على العيش في أعراف ومبادئ دينية بعينها، ولقد قدمنا مقترحات لنكون قادرين على مكافحة هذه الرغبة".

خلايا الإخوان السرية

تأتي تلك التحركات بالتزامن مع تحذيرات رسمية من الحكومة الفرنسية بصدد مخاطر الإسلام السياسي المتباينة، خاصة في ظلّ ارتفاع مؤشرات خطر التطرف الذي وصل إلى مستويات قصوى بباريس؛ حيث تتقدم الأخيرة على غيرها من دول أوروبا، فيما يخصّ تعرضها لهجمات إرهابية، وزيادة وتيرة أعمال العنف المختلفة وحصد ضحايا كثيرين؛ إذ أوضح مؤشر الإرهاب العالمي، العام الماضي، أنّ فرنسا تحوّلت لأكثر دول أوروبا تعرضاً للإرهاب، وقضى نحو 77 شخصاً، نهاية العام الماضي.

اقرأ أيضاً: تفاصيل المشروع السري للإخوان بفرنسا.. وما حقيقة الدعم القطري؟

كما أوضح وزير الداخلية الفرنسي، كريستوف كاستانيه؛ أنّ عدد حالات الإبلاغ عن التشدد الديني الإسلامي في أوساط العاملين بالوظيفة العمومية في فرنسا، بلغ نحو 287 حالة، لكنّ معظمها تمّ حفظها؛ حيث وصلت تلك الشكاوى إلى الإدارة العامة للأمن، منذ 3 تشرين الأول (أكتوبر) العام الماضي، إبان الهجوم الإرهابي على مقرّ المركز الرئيس للشرطة في باريس.

وفي حديثه لـ "حفريات"، يشير الباحث السوري، المقيم في باريس، عمار أيوب، إلى أنّ هناك رعباً حقيقياً لدى فرنسا من "الإسلام السياسي" والتطرف الديني، بوجه عام، واستخدم "الإسلام" في الخطابات الرسمية لا يعني الدين في حدّ ذاته، إنما الكلمة هنا بمعناها الواسع، بسبب إصرار القوى الراديكالية على أدلجة الدين، وتعميم خطابها الإسلامي، بصورة غامضة ومقصودة، لخدمة مصالحها السياسية والأيديولوجية والإقليمية.

اقرأ أيضاً: هل تجاوزت فرنسا معضلة محاكمة الجهاديين؟

ويضيف: "تأتي أهمية تقرير مجلس الشيوخ الفرنسي من اصطفافه على مستوى التوقيت المتزامن مع التقرير الألماني الذي صدر قبله بأسابيع قليله؛ حيث يحذّر التقريران من مخاطر الإسلام السياسي في أوروبا، التي لطالما استجابت حقوقياً لابتزاز تلك الجماعات، وتحديداً، فيما يخصّ خطاب المظلومية، كما أنّها ترفع درجة الحذر في عواصم الغرب لتغيير سياساتها الوظيفية مع تلك القوى، خاصة أنّ التقرير الفرنسي ونظيره الألماني اتفقا على نشاط الإخوان السري، من خلال شبكة خلايا غير معلنة، تستهدف التغلغل في المجتمعات وبين الأفراد، ولديها تأثيرات متباينة على الأفراد والمؤسسات الغربية، بحسب تقديرات استخباراتية ومراقبين سياسيين".



انشر مقالك

لإرسال مقال للنشر في حفريات اضغط هنا سياسة استقبال المساهمات

آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية