لماذا اختار إخوان السودان الانحياز إلى حزب التحرير المتطرف؟

لماذا اختار إخوان السودان الانحياز إلى حزب التحرير المتطرف؟


16/09/2020

عقب سقوط نظام عمر البشير، بعد سنوات من المخاض الثوري الصعب، كان المشهد السوداني على موعد مع مفارقة سياسية غريبة، عندما طلب إبراهيم عثمان أبو خليل، الناطق الرسمي باسم حزب التحرير الإسلامي (ولاية السودان) تسلّم السلطة قائلاً: "نخاطب المخلصين من أهل القوة والمنعة تسليمنا الحكم من أجل استئناف الحياة الإسلامية؛ لإقامة الخلافة الراشدة الثانية على منهاج النبوة".

عرف السودان أفكار حزب التحرير بوساطة مجموعة من طلاب البعثات الذين درسوا بالأزهر قبيل ثورة العام 1964

والمتأمل في جملة الأفكار التي يعتنقها الحزب الراديكالي، يدرك البعد الأيديولوجي الذي انطلقت من خلاله تصريحات أبو خليل، فالحزب الأممي الذي تأسس في القدس العام 1953 جعل من العالم الإسلامي مجالاً مفتوحاً لنشاطه السياسي، ليكوّن عدة ولايات قامت على مبادئ متطرفة، تحت لواء الأمير الأوّل تقي الدين النبهاني، كخطوة تأسيسية بهدف العمل على إعادة دولة الخـلافة الإسلامية إلى الوجود، من خلال الحكم بما أنزل الله، حيث يرى الحزب أنّ المسلمين اليوم يعيشون في دار كفر؛ لأنّهم يُحكمون بغير ما أنزل الله، وعليه فإنّ دارهم تشبه مكّة إبّان بعثة الرسول، عليه السلام، لذلك يجب أن يكون الدور المكّي في حمل الدعوة هو موضع التأسي، ثم تأتي مرحلة التمكين والسعي بكلّ الطرق نحو استلام السلطة.

تبدو الأيديولوجيا الدينية التي يعتنقها حزب التحرير، في مجملها، لا تختلف عن أفكار تنظيم داعش

يؤكد الحزب في برنامجه "أنّ هدفه الأساسي هو إعادة المسلمين إلى العيش عيشاً إسلامياً في دار إسلام، وفي مجتمع إسلامي، بحيث تكون جميع شؤون الحياة مسيّرة وفق الأحكام الشرعية، وتكون وجهة النظر فيه هي الحلال والحرام في ظل دولة إسلامية، هي دولة الخـلافة التي ينصّب المسلمون فيها خليفة، يبايعونه على السمع والطاعة على الحكم بكتاب الله وسنّة رسوله، وعلى أن يحمل الإسلام رسالة إلى العالم بالدعوة والجهاد، وقيادة الأمّة للصراع مع الكفر وأنظمته وأفكاره، حتى يعمّ الإسلام الأرض".

اقرأ أيضاً: الأسلحة التركية.. إرهاب عابر للحدود يهدد أمن السودان وإثيوبيا

 وتبدو الأيديولوجيا الدينية التي يعتنقها حزب التحرير، في مجملها، لا تختلف عن أفكار تنظيم داعش، فالعالم كله مجال حيوي لنشر الإسلام وجهاد الكفر، والأولى أن يبدأ الجهاد في البلاد الإسلامية التي يدين أهلها بالإسلام، وهو جهاد يرى تنظيم داعش ضرورة الشروع فيه بالسيف، بينما يرى حزب التحرير أنّ التمكين لا بدّ أن يأتي أوّلاً من خلال نشر الدعوة وممارسة العمل السياسي، وهي مقاربة تبدو مشابهة لمنهج جماعة الإخوان المسلمين.

ولاية السودان على نهج التكفير

يقوم حزب التحرير على هيكل إداري أممي، تنتشر أذرعه في معظم بلدان العالم الإسلامي، والتي يسميها الولايات، ويختصّ مجلس الولاية بتنظيم شؤون الحزب فيها تحت سلطة "المعتمد"، والذي يتبع مباشرة أمير الحزب في القدس، وفي الغالب يتمّ إخفاء هوية المعتمد، ولا يعلن عن اسمه، كما هو الحال في ولاية السودان.

وقع صدام حاد بين الحزب ونظام النميري منذ وصوله للسلطة العام 1969 أدى إلى تحجيم أنشطته

عرف السودان أفكار حزب التحرير على يد مجموعة من طلاب البعثات الذين درسوا بالأزهر قبيل ثورة العام 1964، حيث تأسّست ولاية السودان في السنوات التالية، لكنّ صداماً حاداً وقع بين الحزب ونظام جعفر النميري، منذ وصوله إلى الحكم العام 1969، أدى إلى تحجيم أنشطة الحزب، واعتقال قياداته، قبل أن يستفيد من المصالحة الوطنية العام 1977، في ظل التوجهات الإسلامية التي سعى من خلالها النميري إلى توطيد سلطته بالتحالف مع التيار الإسلامي.

وفي عهد نظام الإنقاذ، لم تسر العلاقة بين الدولة وحزب التحرير على وتيرة واحدة، لكنّ الأخير مارس نشاطه السياسي رغم بعض الاعتقالات التي كانت تجري بين صفوف أعضائه، بين الحين والآخر، ومع سقوط البشير، أصبح الحزب أكثر جرأة في الإفصاح عن توجهاته الراديكالية، من خلال تصريحات الناطق الرسمي إبراهيم أبو خليل، والتحركات الميدانية التي جرت على الأرض، وفق مبدأ الحزب المعلن: "نحن لا ننتمي إلى السودان، ولكنّنا ننتمي إلى الإسلام".

تدشين الثورة المضادة

شكّلت عملية إزاحة الإرث الإسلاموي، التي يقوم بها مجلس السيادة الانتقالي، هاجساً ثقيلاً أرّق مضاجع الإخوان المسلمين، وتعالت صيحات المراقب العام عوض الله حسن سيد أحمد، بين الحين والآخر، لتعبّر عن فزع حقيقي من انسلاخ السودان عن حكم تيارهم، الذي يضمن للجماعة وأنصارها البقاء في السلطة، ومع انصراف الجميع عن الإخوان، في ظل مواصلة السلطات تطهير مؤسسات الدولة من فلولهم، يمّمت الجماعة وجهها تجاه حزب التحرير المتطرف، لبناء تحالف أشبه بالثورة المضادة، ضدّ كل مكتسبات الثورة.

مع انصراف الجميع عن الإخوان بمواصلة السلطات تطهير مؤسسات الدولة من فلولهم اتجهوا نحو حزب التحرير

لم يكن من قبيل المصادفة حدوث ذلك التوافق في المواقف والتحركات بين الطرفين، ففي الوقت الذي نظّم فيه حزب التحرير عدّة وقفات احتجاجية بمدينة الأبيض في السابع من حزيران (يونيو) الماضي، رفضاً لقرار وزارة الشؤون الدينية والأوقاف بإغلاق المساجد بسبب جائحة كورونا، انتقد المراقب العام عوض الله حسن، على استحياء، الإجراءات الحكومية ذات الصلة، قبل أن يطالب الجماهير فيما بعد صراحة في 17 تموز (يوليو) الماضي بالخروج من المساجد يوم الجمعة، احتجاجاً على التعديلات التي أجرتها الحكومة على موادّ القانون الجنائي؛ مؤكداً "رفضه التام- لما سمّاه- الممارسات القمعية بإغلاق المساجد"، وذلك بالتزامن مع بيان صحفي للناطق باسم حزب التحرير، أعلن فيه أنّ الحكومة الانتقالية تلغي حدّ الردة، لتؤكد انسلاخها من طاعة الله.

اقرأ أيضاً: السودان: آمال وشكوك حول مستقبل اتفاق جوبا للسلام

وفي الثامن من آب (أغسطس) الماضي، التقى وفد من الإخوان المسلمين مع قيادات حزب التحرير، وبحسب تصريحات الأمين السياسي للإخوان المسلمين، فإنّ اللقاء أكّد على التواصل، لافتاً إلى إمكانية الاتفاق على تكوين لجان مشتركة بين الطرفين، بقوله: "القضايا تبحث على أساس العقيدة، وليس على أساس الوطنية"!

ويبدو أنّ الضغط السياسي حمل الإخوان على كشف جوهر فكرهم المتطرف دون تقية أو مواربة، وذلك بالاصطفاف مع أكثر التيارات ميلاً نحو اليمين، طالما اتفقت المبادئ، وتطابقت الأهداف، فالجماعة التي ملأت الدنيا بشعارات الإصلاح والمشاركة، باتت الآن أكثر الجماعات اعتناقاً للأفكار المتطرفة، وذهبت نحو الإعلان عن ذلك صراحة، كإجراء ربما يسبق استخدام العنف.

اقرأ أيضاً: هل تُرفع السودان من قائمة الدول الداعمة للإرهاب قريباً؟

وفي خطوة ذات دلالة، أقام حزب التحرير في التاسع من أيلول (سبتمبر) الجاري وقفة للاحتجاج على النصّ على فصل الدين عن الدولة، في الاتفاق الذي تمّ بين رئيس الوزراء عبد الله حمدوك، ورئيس الحركة الشعبية عبد العزيز الحلو، وذلك أمام مجلس الوزراء، وأعلن الإخوان المسلمون مشاركة حسن عبد الحميد نائب المراقب العام في التظاهرة، حيث ألقى كلمة وصف فيها الوقفة بالكبرى والجامعة والحاشدة، ضدّ اتفاق حمدوك والحلو، والذي يؤسس، بحسب ظنه، لدولة علمانية في السودان، صائحاً في خطاب شعبوي: "لنُري العالم أنّ شعب السودان لن تنبت في أرضه الطاهرة العلمانية الخبيثة، وأنّنا نرفض بقوة وبشدّة أن تفرض علينا العلمانية وفصل الدين عن الدولة".

 الضغط السياسي حمل الإخوان على كشف جوهر فكرهم المتطرف دون تقية أو مواربة

لكن، لا بدّ أن يستوقفنا في خطاب نائب المراقب العام ما جاء في ختام كلمته، حيث قال: "ندعو بكلّ قوة أن تعود دولة الخلافة الراشدة على منهاج النبوة، وهذا هو خطابنا للعالم، وسنقف مع هذا الخطاب حتى يتحقق على أرض الواقع إن شاء الله"، وهو ما يتطابق حرفيّاً مع البيان التأسيسي لحزب التحرير الإسلامي، وتصريحات الناطق بلسان الحزب إبراهيم أبو خليل.

يشير المفكر السوداني الدكتور المحبوب عبد السلام في حديثه لــ "حفريات" إلى "ضرورة استيعاب معطيات الفترة التي عرفت بالتمكين، أو فترة السلطة، لفهم الأسباب التي فجّرت كل التناقضات المتعلقة بالأفكار والطموحات الإخوانية، وكذلك حالة الانقسام الحاد التي تعانيها الحركة الإسلامية التي كانت تراهن على بقاء التجربة لثلاثة قرون، مثلها مثل تجربة الدولة العباسية، لكنّ الانهيار المفاجئ أدخلها في صدمة، وبعدها بدأت تفكر في الكيفية التي أدّت إلى حدوث ذلك، لكنّ الانقسام وانعدام الرؤية لديها يظل سبباً في عدم قدرتها على المراجعة".

وفيما يتعلق بالتقارب بين حزب التحرير المتطرف، والجناح الإخواني الذي يقوده عوض الله حسن سيد أحمد، يرى أستاذ الدراسات الإسلامية أنّ "بعض جيوب الحركة الإسلامية، والتي تحمل إلى الآن اسم الإخوان المسلمين، تجنح بطبيعتها إلى التطرّف، وتحاول الاستثمار في الحرب الدعائية، بزعم أنّ العلمانيين يقودون الدولة الآن، وأنّهم يستحقون الاستئصال، وحتى هذه اللحظة يبدو مستقبل هذا التيار مفتوحاً على كلّ الاحتمالات، لكن من الواضح عجزه التام عن اتخاذ أيّ إجراءات إصلاحية، فالإخوان الآن أصبحوا جيباً محدوداً يبدو عاجزاً عن الحركة، ومازال يرفض رؤية الواقع".

بعض جيوب الحركة الإسلامية التي تحمل إلى الآن اسم الإخوان المسلمين تجنح بطبيعتها إلى التطرّف

ويختتم المحبوب عبد السلام رؤيته بالتأكيد على وجود رغبة قوية لدى هذه الجيوب المعزولة في الميل نحو اعتناق الآراء المتطرفة، فخروجهم على الترابي من قبل جاء، برأيه، بسبب بعض الآراء التي رأوا فيها نزوعاً نحو التجديد، هم متطرفون بطبعهم، وبنيتهم الداخلية ترفض إجراء أيّ مراجعات جذرية لأفكارهم، وعليه فقد رفضوا التعديلات التي أجريت على القانون الجنائي؛ لأنّ حذف مواد الشريعة أمر يفقدهم القدرة على تعبئة الجماهير خلفهم، فقد استنفدوا أغراضهم تماماً، وبات اختفاؤهم من المشهد مسألة وقت ليس إلّا.


آخر الأخبار

الصفحة الرئيسية